رحلة عيون سردد (5): تأملات
أيام قلائل من السفر ومشقته، أيام قلائل من
الخروج عن المألوف، أيام من عشق الطبيعة وتحديها، أيام من العمر قلما تتكرر، وفي الوضع
الذي نعيش فيه رأى الكثيرون أن ما قمنا به هو ضرب من الجنون. يقولون ألا تعلمون ما يحدث في البلاد، ألا تعون
أنكم تخاطرون بحياتكم بخروجكم في وقت يرفع كل يمني سلاحة منتظراً أن يدافع عن
نفسه، إن لم يكن في سبيل تحقيق مكاسب مزعومة، الا تدرون ألا نظام ولا دولة
ستحميكم، ألم يصل إليكم التوحش الذي وصل إليه الناس في المدينة، فما بالكم في
الأرياف الأكثر فقراً، ألا تخشون هذا كله؟
لا أحد منا ينكر أن كل تلك الوساوس قد دارت
بخلد كل واحد فينا، حتى كادت في لحظات أن تفتك بعزيمتنا، ولكن يبدو أن اتصالنا
ببعضنا كمجموعة قد غلب تلك المخاوف، فوجدنا أنفسنا على رغم كل شيء نتجه في وقت
مبكر من الجمعة إلى نقطة اللقاء. لم نكن
على أتم الاستعداد كما يجب أن نكون، لعل كل منا كان يتوقع ألا تتحقق تلك الرحلة
حتى وجد نفسه، مثلي، فجأة في طريقه إليها.
خرجنا عن المألوف في وقت يؤثر أغلبية الناس
البقاء في بيوتهم. أخذتنا المغامرة في
أتون المخاطرة بكل شيء، ولحسن الحظ فقط، وبتوفيق من الله أكملنا رحلتنا دونما أية
خسائر. مخاطر الطريق، ومخاطر النوم في
العراء دون أي تجهيز، مخاطر مواجهة الوحوش ومعروف وجودها في وادي سردد، ومخاطر
السير في وسط المياه الجارية والنزول فيها، ومخاطر مواجهة أي معتدي، جميعها بدت
سهلة بسيطة ونحن ننتقل ضمن وادي سردد الذي كان بمثابة طريق مجهول لكنه شيق، وكأننا
نلعب إحدى العاب الفيديو الممتعة....
أصبحت الرحلة سريعاً كالحلم الجميل، ولا
ابالغ أننا كلما انتقلنا من مكان لآخر، وكلما خطونا خطوة للأمام نحس بالمتعة فيها
والشوق لها، ونفتقد المكان الذي غادرناه.
قلما يراودك إحساس كهذا....
بداية الرحلة إمتلأت ليس بحديث الهموم
ومعاناته فحسب، كانت بداية وضعتنا في الواقع المر، ونهايتها كانت مثل البداية لم
نستطع أن نتجنب فيها المرور بنقاط المسلحين الكثيرة جداً، ولم نستطع إلا الحديث عن
كل ذلك، وبدت الرحلة في الوسط كمن يخرج عن إطار المألوف ليعيش حلماً قصيراً، لكنه
حلم صنعناه بأيدينا، قررنا فيه أن نحول كل شيء إلى فكاهة ومتعة، نتذكر أغاني
الحارثي وأيوب، كما نتذكر "حبيبت محمد جمال" و "الدكان" وووو
أشياء كثيرة .....، حلم سنظل نتذكره ونشتاق إليه لوقت طويل، وهذا عزاؤنا في هذا
الزمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق