الإمام عبد الملك وسلطة لن تدوم!
طالما قرأنا عن ظلم الأئمة للشعب اليمني،
وكيف جعلوه يقبع لعقود، إن لم نقل قرون، في مجاهل التاريخ، يعاني العزلة والجهل
والفقر والمرض. الأمر جلي واضح، فلم يكن هناك في اليمن ما لا يتعدى أصابع اليدين
من المدارس إبان قيام الجمهورية العربية اليمنية التي أنهت حكم الأئمة. يسري الأمر
على الصحة حيث لم يكن هناك إلا عدد محدود من المستشفيات، وكذلك هو الأمر على بقية
جوانب الحياة التي ظلت بدائية إلى حد كبير حتى قيام الجمهورية.
لقد أعتمد الأئمة على أسلوب التجهيل والعزلة
كوسيلة للسيطرة على الشعب اليمني، ويحكي التاريخ أن الفئة الصغيرة التي حصلت على
نصيب من التعليم والمعرفة، مثل ضباط الجيش والقضاة وغيرهم، هذه هي التي سعت لتغيير
الواقع، من خلال الدعوة للتحديث والانفتاح على العالم، ولكن الإمام يحيى كان أبعد
ما يكون للاصغاء لهذه الدعوات، لذلك جرت محاولات للتخلص منه كعقبة أمام أنشاء
الدولة اليمنية الحديثة، ولكن تلك المحاولات فشلت، لينتقل الحكم من بعده إلى ابنه
أحمد، الذي كان أكثر انفتاحاً في بداية عهده، لكن أقل من طموحات وتطلعات الثوار
ومن وراءهم الشعب اليمني. الشواهد على سعي الأئمة لإبقاء الشعب اليمني تحت غطاء من
الجهل لا تحصى، ولعل أكثرها وضوحاً قيام الأئمة بإغلاق المعاهد التعليمية الصناعية
التي أنشأها الاتراك في صنعاء، والتي مازالت الآثار شاهدة عليها حتى اليوم، حيث
حولوها لقصور لهم. لقد أكتفى الأئمة بعدد محدود من المعاهد الدينية التي كانوا يسيطرون
عليها، وكانوا يعتقدون أن ذلك هو الضمان لبقائهم على رأس الحكم في اليمن.
يضاف لما سبق أن الأئمة لم يكونوا ينظرون
للشعب اليمني كرعيه تقع عليهم مسئولية رعايتهم، بل كانوا يرون أنفسهم أقرب للسادة
الذين إن أرادوا اسبغوا العطايا على الناس، وإن شاءوا منعوها. في هذا المقام قصة
تحكى عن الأمام يحيى حميد الدين. حيث ضرب اليمن الجفاف والمجاعة في عام 1943. كان
أبناء تهامة هم الأكثر تضرراً، وقد تساقط بعضهم جوعاً وفارق الحياة، بينما سعى
البعض للسفر إلى صنعاء طلباً للغوث، ومات كثير منهم في الطريق إلى صنعاء، وحتى
الذين تمكنوا من الوصول لصنعاء مات منهم الكثير في صنعاء. في ذلك الوقت كان القاضي
يحيى محمد الارياني رئيسا للاستئناف، وقد ساءه الوضع، فقام مع زملائه بارسال رسالة
للإمام يحيى يحثوه فيها على توفير الحبوب لإغاثة أهل تهامة، وأشاروا في رسالتهم أن
ذلك من حق المسلمين على الحاكم، وحثوه على مساعدة من وصل إلى صنعاء أيضاً. جاء رد
الإمام يحيى كما يلي " أمرنا باستقبال الواصلين من المطالبة إلى صنعاء وسكنهم
في العرض الدفاعي، ودفن من ماتوا على حسابنا بثيابهم فالحي أفضل من الميت، وما
يكفي الخلق إلا الخالق". وبذلك رفض انقاذ الجوعى من الموت لشحه، واظهر عنصرية
مقيته بوصفة الهاربين من الموت ب "المطالبة".
مع كل مثالبهم، تمكن الأئمة من السيطرة على البلاد لقرون، فبالإضافة لاعتمادهم سياسة العزل والتجهيل، كانوا يدركون
إلى حد كبير خصوصية الفئات المختلفة في اليمن، ويعملون لها حساباً. كانوا يستعينون
بالفئات المختلفة في إدارة شئون البلاد، كانوا يختارون بدقة الأشخاص الذين يعتمدون
عليهم، وبرغم تفضيلهم الواضح لمن هم من بني هاشم، إلا أنهم كانوا يتجنبون لحد كبير
إظهار تعصبهم للمذهب أو الطائفة، مراعاة للآخرين، وتجنباً لإثارة الفتنة، وفي هذا
المقام قصة تحكى عن الأمام يحيى.
تقول القصة أن طلاب المدرسة العلمية في
صنعاء، وهي مدرسة دينية كانت تدرس علوم الدين واللغة العربية، دخلوا في نقاش، تطور
إلى جدال ثم عراك حول علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، وقد كان أساس
هذا الخلاف مذهبي بالطبع، فشتمت فئة معاوية، وردت الأخرى بشتم علي. وصل الأمر
للإمام يحيى، الذي أمر بحبس من شتموا معاوية (أو أصحاب صنعاء كما تقول القصة)، ثم
جمع أصحاب منزل- (وهو تعبير عن السكان في مناطق اليمن الأوسط والغربية التي لا تؤمن بالمذهب الزيدي) وقال لهم:
"هيا قد حبسناهم، وانتوا... الذي في قلبه خبث يخليه في قلبه". توضح هذه
القصة كيف أن الأمام يحيى تجنب إثارة الفتنة من خلال حبس الفئة الأقرب إليه، لئلا
يقال عنه إنه تعصب ضد الشوافع.
بعد أكثر من نصف قرن، أو 55 عاماً بالتحديد،
من نجاح الثورة على الأئمة، والتي قال الشعب اليمني فيها أنه يرفض الحكم الملكي الكهنوتي،
نجد أنفسنا وكأننا نعود لنقطة الصفر. بل ما هو أدنى من الصفر. منذ أيام قالت
المذيعة في إذاعة صنعاء أن عبد الملك الحوثي، "الذي هو من سلالة النبوة"، هو الذي "يستحق دون غيره قيادة البلاد"، بل والأدهى من ذلك أن قالت أنه "قاد البلاد
إلى النصر ضد الأعداء"، في وقت يعيش اليمنيون أسوأ ايامهم منذ عقود، يعانون من
الخوف والجوع والمرض، تأتي هذه لتبشرنا أن اليمن انتصر في المعركة، ولا أحد يدري
عن أي معركة تتحدث. عشرين مليون يمني يعاني من الجوع، عشرات الآلاف يعانون من
الكوليرا، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تدهور مستمر، في وقت امتنعت حكومة
الحوثي عن دفع رواتب لأكثر من مليون موظف، في هذا الوقت تأتي البشرى بأن عبد الملك
الحوثي هو الإمام المنقذ.
الإمام الجديد الذي يتحدث من مخبئه لم يدرك
بعد أن الشعب اليمني قد تحرر من عهود الاستعباد. إنه مازال يعيش أوهام السيطرة
والسلطة على أشلاء الأبرياء، وآهات الجوعى، وآلام الموجوعين. لعله لم يعلم أن
الشعب اليمني عندما ثار قبل نصف قرن، دفع ثمناً باهضاً لحريته. إن الشعب اليمني
اليوم لن يرضى بالسير وراء أوهام واساطير الكهنوت، التي ترى أن السلطة حق مكتسب
بالدم أو بالعرق. إن الزمن الذي كان فيه سيد وعربي قد أنتهى وولى إلى دون رجعة.
إن رجال، ونساء، وأطفال اليمن، احرار، لا سيد
عليهم إلا الله، ولا حاكم عليهم إلا دستور بلدهم. إن الزمن لا يمكن أن يعود
للوراء، مهما كان إرهاب عبدالملك الحوثي وجماعته، ومهما بلغت طموحاته
المجنونة في الكرسي. الشعب اليمني زيوده، وشوافعه، ومن مختلف القبائل والأنحاء قد
انعتق من العبودية للسيد، فذلك زمن لا يمكن أن يعود. اليمني عاش شامخاً حراً،
وسيظل كذلك. لن يفلح الحوثي بتجويعه للناس ومنعهم من التعبير عن رايهم في كسر
إرادة اليمني في الحرية. وستظل ثورة 26 سبتمبر رمزاً لهذه الإرادة مهما طال الزمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق