4 فبراير 2018
أحلام فبراير
مع بداية فبراير يحتدم الصراع اللفظي بين
مؤيدي فبراير ومعارضيه. وتحتدم المعركة وكأن السنوات السبع لم تأت بجديد!
فبراير هو تاريخ مقدس لدى البعض، بداية "لثورة أسقطت نظاماً دكتاتورياً" استمر 33 عاماً في حكم اليمن. هو بداية للتحرر والانعتاق من
نظام بني على المحسوبية والمصالح المركبة التي جعلت اليمن حكراً على جماعة
بذاتها، هو بداية نحو مستقبل أفضل. هكذا يرى رواد فبراير 2011، وهؤلاء يعتبرون التشكيك
في نتائجه جريمة كبرى، خيانة للوطن، خيانة لمن ضحوا لأجل التخلص من نظام صالح. هؤلاء
يرفضون التضحية بمعتقدهم، "فبراير أتت لتعتق اليمنيين" في رأيهم، وهؤلاء هم أسرى لأحلام لا تفارقهم.
أنا حلم شاب، حلم فتاة يمنيان يتطلعان
للمستقبل، حلم أنسان يمني يحدوه الأمل. إنسان تملأ قلبه الشجاعة، فهو قادر على أن
يخلق مستقبل أفضل، ووطن أقوى، وحياة أجمل. حلم وطن يمني يتسع للجميع، وطن تسوده
العدالة والحرية، وطن يتساوى فيه اليمنيون، ووطن ينعمون فيه بالرفاه والعيش
الكريم. حلم يمنٍ خالٍ من الفساد، لا وجود فيه للمنحرفين الذين يستغلون السلطة لمصالحهم
الخاصة.
حلمنا إذن واحة "غنية بالموارد الطبيعية، النفط
والغاز والمعادن، الزارعة، والصناعة، والبحار والأسماك، وموارد أخرى لا تنتهي"، تلك "تغني
كل اليمنيين وتجعلهم يعيشون في بحبوحة من العيش". إنه حلم نظام حكم عادل، لا ملك
فيه ولا سلطة إلا للقانون. نظام يؤدي فيه الفرد واجباته ويحصل على حقوقه فحسب. حلمنا
وظيفة لكل شاب، بل لكل يمني. حلمنا يفتح اليمن حتى للمغتربين في العالم ليعودوا
ويشاركوا في نهضة ورفاه "اليمن الجديد" وليكونوا جزءاً منه. حلمنا يمناً
قوياً يصارع الأقوياء وينتصر. حلمنا يمناً في مصاف الدول المتقدمة.
أنا حلم شاب بعمل يفتح أبواب المستقبل، حلم
موظف بأن ينصفه عمله، حلم أم بأن يجد طفلها تعليماً محترماً، وحلم مريض بأن يجد في
وطنه مستشفى يداوي علته. أنا حلم طالب بمدرسة مجهزة ومعلماً محترماً، وحلم متقاض بقاض عادل، ودولة تعينه على رفع الظلم عنه. أنا حلم أرملة ومطلقة وكل امرأة بأن تجد من
ينصفها، وحلم يتيم وفقير بأن يجد من يعينه.
يصحو بعض الحالمين، والبعض فقط. منهم من يأخذ
نصيباً من الكعكة، هؤلاء الذين فاوضوا على أحلام البقية، وفازوا بحصة. هل أدرك هؤلاء مبكراً أن الاحلام أماني، ومنها ما يكون سراباً؟. هل كانوا مخلصين في حلمهم؟، هل أخلصوا
في عملهم؟، ولكن هل يهم هذا الآن؟
الكثيرون يستمروا في نومهم، وتستمر أحلامهم. نحن
النائمون مازلنا نرى فتحاً مبيناً. احلامنا تزداد تعقيداً بعد أن استمرأناها. ها
هو هامش الحرية نراه يزداد بدون حدود، سلطة الفرد تقلصت، بقي القليل ويسقط النظام
ونقضي على "رأس البلاء". لقد ضحينا بأمننا واستقرارنا وشيء من حياتنا، لا
يهم إن عانينا قليلاً، لأن "القادم أجمل"، ولأننا سنصل لما نريده. صحيح
نحن لا نرضى عن البعض أو الكثير مما نراه، ولكنه شر لا بد منه. لنصبر، لن نفقد
ايماننا أبداً. نرى شيئاً يشبه الكوابيس يتخلل أحلامنا الجميلة، أحلام فبراير!، لكن لا
يهم، لنتغاضى عنها، لأننا نحلم بشيء كبير، شيء يستحق منا التضحية اليوم.
تزداد كوابيسنا نحن الحالمون، ومنا من يصحو ويراجع نفسه، لكن ليس الجميع. كثيرون منا لازالوا في سباتهم. تحاول أذهانهم ألا
تفقد لذه تلك الأحلام، في خضم من الكوابيس يزداد هيجاناً. نرى وحوشاً تقف في طريق
أحلامنا، وتزداد تلك الوحوش لتفصلنا عن حلمنا. وحوش من مختلف الألوان تتصارع. من
أين جاءت تلك الوحوش يا ترى؟، من أحلامنا نفسها، لقد خلقناها وربيناها دون أن
ندري. تركناها تنمو وتكبر يوماً بعد يوم، ولم نلتفت لها وهي كل يوم تستولي على
المزيد من حياتنا، تفصلنا عن حلمنا، بل وتجعل حياتنا تزداد تعقيداً، وتزداد تلك
الكوابيس عتواً. ها هي تتمكن من أحلامنا الكبرى. ها هي أحلامنا تصغر، ومعها تصغر
نفوسنا. ها هي أحلامنا تعود صغيرة. نريد أمناً لنا ولأولادنا، نريد ما يطفئ ضمانا ويسكت
جوعنا.
تضاءل حلم فبراير فغدا كابوساً لا نهاية له.
أصبحت كوابيسنا تملك علينا حياتنا. عجزنا عن كل شيء. أصبحنا ننتظر من يرق قلبه
ليملأ بطوننا الجائعة، أو يداوي الجرحى، أو يحن على الثكالى. أصبحت نفوسنا حبيسة
الخوف. لم نعد قادرين حتى على الحديث إلى أنفسنا عن جبننا وعجزنا. لم يعد لدينا
القدرة على التفكير في جبروت القوة الذي يحيط بنا من كل جانب، ذلك الذي يخنقنا، ناهيك عن الثورة عليه.
نحن الحالمون، فقدنا كل شيء، إلا قدرتنا على
أن نثبت لأنفسنا أنا حلمنا لن ينتهي. سننتظر فقط، لأن ذلك هو جل ما نستطيع فعله
الآن. لكننا لن نسمح لأحد أن يتهمنا بأننا نحن السبب، أو أن حلمنا، أو قل كابوسنا كيفما شئت، هو السبب، أو اننا
واهمون وغارقون في السراب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق