ونجْحت الثورة!
بدأت كثورة على الفساد الهدف منها هو تغيير الواقع الذي تراكمت فيه الأخطاء وسيطرت فيه جماعة على الأوضاع وأنحرفت عن الطريق الذي يمكن أن يحقق العدالة، وأصبح التغيير مطلباً ملحاً لكنه بعيد المنال.
رفعت راية التغيير وظهر على هيئة "ثورة" إتفقت عليها فئات كبيرة من المجتمع، "ثورة" رأت فيماحدث في تونس ومصر أنموذجاً يمكن إعادة تكوينه في اليمن. لم تكن "الثورة" على أفراد بعينهم بقدر ما كان على واقع في مجتمع إعتاد على الفساد حتى أصبح جزءاً منه. كان الهدف هو التحلل من الماضي الذي فسدت فيه أخلاق المجتمع وقيمه وبناء الحياة على أسس جديدة.
خرج بعض الشباب، وخرج معهم كل متطلع لمستقبل أفضل، رجال، نساء، وحتى الأطفال شاركوا، كانت بوابة جامعة صنعاء منبتاً لآمال عراض جذبت الكثيرين ومن أجيال مختلفة. كان يجمعهم الأمل بحياة أفضل. عملوا لأيام وأسابيع وكأنهم يبنون وطناً لا خياماً مؤقته، وكنت ترى النشاط والحركة فتعجب عن الدافع وراء هؤلاء، وترى التعاون والتفاهم فتعجب هل يمكن للأمل أن يصنع ذلك كله؟
لحقت الأحزاب الركب، ليس لأنه لم يكن لها دور منذ البداية، لكنها كانت تخاف من الظهور. جاءت الأحزاب التي لم تنجح لأكثر من عقدين في تقديم بديل للنظام القائم يرتضيه الناس، جاء ت الأحزاب لتتقمص روح الشباب، وهي الأحزاب الهرمة التي على رأسها شيوخ لا يملكون من الأمل إلا حلمهم في الوصول للقمة قبل أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
سرعان من سيطرت الأحزاب على الساحة، وظهرت ثقافة تلك الأحزاب، فها هم الشباب تحت الرقابة، وأصبح للساحة وزارة للإعلام، وأخرى للصحة، وكذلك وزارة للداخلية ورجال أمن، بل ومخابرات، وأصبح كل شيء بحساب. بدأ تقاسم السلطات في الساحة وبدأ الصراع على أشده، واصبحت القضية من يسيطر على الساحة.
وضعت الأحزاب أموالها المشبوهة تحت تصرف الساحة، وتوفرت للشباب متطلباتهم دون أن يبذلوا أدنى جهد. وتاه الشباب في أموال الأحزاب وقدراتها فتركوا الحبل على الغارب لتلك الأحزاب، فصارت هي التي تقرر كيف ومتى تتحرك "ثورة" الشباب، ولم يتمكن الشباب على مدى شهور من تكوين من يمثلهم، وظلت الأحزاب دوماً هي من يسيرهم، بل وأوحت إليهم أنهم يجب ألا يتكلتوا، فالأحزاب كانت ومازالت ترى في الشباب قوة لن تستطيع مواجهتها، لذا عملت على جعلها كالكلب الجائع الذي تمسك بزمامه، فمتى شاءت أطلقته لتصفي حسابها مع النظام،....... ووقع الشباب في الفخ.
"حيا بهم... حيا بهم"، كان الشباب بابتسامتهم يستقبلون بها كل من دخل منطقتهم، وكان لتلك الكلمات وقع السحر على من يذهب لساحة الجامعة، فيدمن عليها ويعاود الذهاب.... كان الشباب يحسون بالقوة كلما رأوا مئات من الناس صغاراً وكباراً رجالاً ونساء يتجولون في الساحة ولو لمجرد الإطلاع والفضول. كان الشباب يحسون أن كل من جاء للساحة سينقل رسالة عن تطلعاتهم وطموحاتهم، وقد نجحوا إلى حد كبير في جذب الآلاف من الناس على مدى الأسابيع الأولى "للثورة"....
"حيا بهم... حيا بهم"، سرعان ما جذبت عناصر أخرى، المتطلعين والإنتهازيين، والأسوأ "اللصوص" و"الفاسدين" بل و "المطلوبين من قبل الثورة".... سرعان ما تحول أولئك إلى منظرين وقادة لحركة الشباب بحكم جاههم، سلطانهم، مالهم وغيرها من العوامل. من أولئك من يرتبط بالأحزاب التي سيطرت على الساحة، ومنهم من كان محسوباً على النظام القائم نفسه (بل وأكثر)، النظام الذي كانت تستهدفه "الثورة".... ووقع الشباب في فخ "حيا بهم" وأعمتهم الرغبة في زيادة عددهم عن الهدف الرئيسي "للثورة".
نقاء "الثورة" إختلط ب"خبث" الأحزاب وتخطيطها، وأوساخ الفاسدين، المصداقية التي كان الشباب يتمعون بها في بداية المرحلة ذهبت أدراج الرياح، ووقع الشباب ضحية لدعوى "أنها الحرب" و"الحرب خدعة" وأن الحرب الأعلامية هي إحدى لوازم المعركة... ووقع الشباب في فخ الكذب والتهييج الإعلامي، الذي سرعان ما أنكشف لدى عامة الناس.
وتفاوضت الأحزاب مع النظام، مرة ومرتين وثلاث، وكان الشباب بموقف "المتفرج"، يشاهد ويكتفي بذلك، وعلى النقيض كانت الأحزاب تحتفظ بالشباب لتحرقهم عند اللزوم. وكانت توحي إليهم بأنهم يجب ألا يتنازلوا عن مطلبهم في "إسقاط النظام"، بل و"إسقاط الرئيس"، ووقع الشباب في فخ عدم تخليهم عن مطالبهم ووقوفهم موقف المتفرج مما يحدث حولهم.
مع مرور الوقت بدأت الثورة تفقد بريقها، ومعناها. بدأ المواطن يرى ألا شيء يتغير وأن إستمرار "الإعتصامات" لن يؤدي لشيء. أستهلكت مشاعر الناس في القتلى الذين سقطوا، ورأت الأحزاب التصعيد عبر الدعوة للعصيان المدني، والقيام بمسيرات في الشوارع، وقد فشلت تلك الوسائل، بل كلفت "الثورة" الكثير بفقدان التعاطف مع "الثورة" ومطالبها، فقد إستخدمت الأحزاب أساليب الترهيب، ورأى الكثيرون أن تلك الوسائل عبثية لا تفيد أحد. ووقع الشباب في فخ التصعيد، وذهب العديد منهم ضحايا له.
مرة أخرى رأت الأحزاب أنها وصلت لطريق مسدود، فالثورة تكاد أن تنتهي ولم يتحقق شيء، وقد أستغل النظام الوقت وبنى قواعد من المتعاطفين معه والمؤيدين يكاد عددهم يفوق المتعاطفين مع "الثورة" والمؤيدين لها. ورأت الأحزاب أن لغة القوة هي الملجأ الأخير، وأن "الإنقلاب" سيحقق الغرض. وقف الشباب يشاهدون الحصبة وهي تحترق، وحالما ظهرت حجم الكارثة أصبح الشباب الملجأ، وصلى الشباب على قتلى الحصبة ممن إحتلوا مؤسسات الدولة بصفتهم "أبطال وشهداء الثورة"... وأصبح الشباب ليسوا أكثر من رقم يضاف لخانة "قادة الثورة" الجدد القدماء. ووقع الشباب في فخ مواجهات مع السلطات لم يكونوا طرفاً فيها ورأى الناس فيها عبثاً بالمال العام وجريمة في حق الناس أنفسهم، فكيف تصبح مؤسسات الدولة هدفاً "لثورة" يفترض أن تقدم نموذجاً أفضل للمستقبل.
في مشهد درامي رقص الشباب على مشاهد الدماء وأشلاء الضحايا في بيت من بيوت الله، أطلقوا الأعيرة النارية، غنوا، رقصوا، ذبحوا الذبائح. في يوم "مقدس" لدى غالبية اليمنيين رأت الأحزاب حرق آخر أوراق الشباب، فها هم يحتفلون بالموت، في مشهد ربما ليس له مثيل، فحتى مقتل أسامة بن لادن وما تبعه من إحتفال البعض في أمريكا أثار حفيظة الكثير من الأمريكيين الذين رأوا في الإحتفال بموت إنسان صفة غير إنسانية، فماذا إذا كان الموت شمل العشرات ممن كانوا يؤدون الصلاة في يوم مقدس. ووقع الشباب في فخ إيحاءات الأحزاب.
أستخدمت الأحزاب الشباب، حققت الكثير من أغراضها، رفعت من أرصدتها لدى العامة (أو هكذا تعتقد)، تفاوضت مع النظام بقوة الشباب، وتحالفت مع بعضها، ومع الشباب، وهاهي تعمل لتقسيم "الكعكة" فيما بينها، وبالطبع لن يكون للشباب إلا ما تبقى من الفتات.
أستهلكت "الثورة" مشاعر الناس، خيبت آمالهم، وأضرت بطموحاتهم. عقدت "الثورة" حياة الناس وأضرت بحياتهم اليومية، قطعت أرزاقهم، قطعت الكهرباء، وجعلت الحصول على الوقود معركة يومية، ومع ذلك كله لم تحتفظ "الثورة" بمبدأ واحد من مبادئها....
ألم تنجح الثورة بعد؟
(ملحوظة: كلمة نجحْت بتسكين الجيم تعني إنتهت أو فرغت وذلك باللهجة الدارجة الصنعانية)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق