الأربعاء، 23 يوليو 2014


الإصلاح : إلى أين؟

يتلاشى تدريجياً وبشكل متسارع وصف هذا الحزب بأنه حزب الإصلاح ذو الإتجاه الإسلامي، ويتم استخدام "الأخوان" للإشارة للجماعة التي تنتمي للحزب أو تتضامن معه، وقد بدا أن حزب الإصلاح إقترب من فهم اللعبة فقام متأخراً بنفي علاقته ب "جماعة الأخوان" لكن هذا النفي لم يكن متوافقاً في مواقفه اللاحقة خاصة فيما يتعلق بمصر وسوريا، حيث يستمر في الترويج ل "الشرعية" و"الرئيس الشرعي" في مصر، ومازال إلى حد كبير يقف مع المعارضة في سوريا ضد نظام الأسد، بالرغم من علمه بأنه بذلك يفقد حلفائه المعروفين، ولا يحقق شيئاً يذكر على المستوى السياسي.

عمل الإصلاح خلال عقود من الزمن على الوصول للسلطة، حيث ظلت السلطة حلماً تراود قادته وقواعده، وكان دائماً وعبر قياداته وتابعيه في منابر المساجد وقاعات الدروس الدينية، وحلقات التوعية، كان يشكو "فساد عقيدة الناس" وما يجلبه ذلك عليهم من "غضب الخالق عز وجل"، واستطاع إلى حد كبير جمع الناس على كره فساد الأخلاق والقيم و "بعد الإنسان عن الله"، ولكنه لم يستطع أن يحول ذلك "الكره" إلى قيم يلتزم بها الناس، فظلت المبادئ الدينية غطاءً يخفي تحته نفس القيم التي تسود المجتمع، بل ووصل الحال لدى الكثيرين إلى استخدام "الدين" وسيلة للتظليل في مجتمع محافظ.

دخل "الإصلاح" في حلف "مصلحي"  مع نظام الرئيس صالح، وذلك بعد أن أعطاه ذلك الرئيس شرعية الوجود كحزب سياسي عقب إعلان الجمهورية اليمنية، وعمل جاهداً على كسب الشارع، لكن ذلك لم يحقق له ما يصبو إليه، وظلت مشاركته في الحكم جزئية إلى أن اتته فرصة للقضاء على العدو اللدود، الحزب الإشتراكي.  تحالف الإصلاح رسمياً مع صالح إثر مساهمته الفعالة في القضاء على حركة الإنفصال الجنوبية بقيادة علي سالم البيض، ويبدو أن الإصلاح رأى في تلك فرصة للصعود على حساب المؤتمر الشعبي العام، لكن الإصلاح سرعان ما أثبت فشلة في إدارة المؤسسات التي أوكلت إليه، وأدرك أنه وقع في فخ نصبه له الرئيس صالح.  لكن ذلك الفشل لم يؤثر كثيرا على الأصلاح الذي تمكن من تحقيق نجاح في الإنتخابات في أماكن عديدة، ولكن ليس بالمستوى الذي يمكنه من السيطرة على مقاليد الأمور.

أدرك الإصلاح أنه لن يكون قادراً رغم كل شيء على هزيمة صالح وحزبه، لذا تحول الإصلاح إلى مرحلة العداء مع نظام الرئيس صالح، وربما كان إلغاء "المعاهد العلمية"، وهو نظام تعليمي ديني مواز لنظام التعليم الأساسي كان ينظر إليه الإصلاح كعنصر رئيسي في استراتيجية لبناء قاعدته الخاصة، كان ذلك الإلغاء نقطة التحول في علاقة الرئيس صالح بالإصلاح، فبدأ الإصلاح باستراتيجية جديدة تعتمد على محاولة الوصول للقمة مباشرة.

استمر الإصلاح في تقوية العناصر التابعة له والمتعاطفة معه في مفاصل الدولة المختلفة، وسعى إلى إدخال ما يستطيع من عناصر في الخدمة العامة، وفي نفس الوقت مارس عملية منظمة لمهاجمة النظام القائم وتقويضه من الداخل، وعمل على التحالف من أجل إضعافه وإفشاله، وقد استخدم لأجل ذلك ما تسنى له من أدوات.

لم يجد الإصلاح حرجاً في التحالف مع القوى المعارضة لنظام صالح أياً كان أتجاهها، فتحالف مع القوى اليسارية التي أدرك إن لها وزناً على المستوى الشعبي، وقد نجح هذا التحالف في صنع أول مرشح منافس في إنتخابات الرئاسة اليمنية، لكن المرشح لم يستطع تحقيق الفوز على صالح، ويبدو أنه على إثر ذلك أدرك  الإصلاح إستحالة الوصول للسلطة عبر الانتخابات، لذا سعى للتخلص من نظام الرئيس صالح، وبدأ مع حلفائه حملة منظمة وممنهجة لتقويض النظام وفضح فساده، بل وإفشاله وإظهار فشله والتحريض عليه على المستوى المحلي والدولي.

إستطاع الإصلاح خلق حالة من التذمر والغضب لدى المواطن اليمني، ساعده على ذلك عدة عوامل منها بالطبع الأخطاء التي كان يرتكبها النظام وانتشار الفساد وتضاؤل قدرة الحكومة على التعامل مع متطلبات المواطن وتدهور الظروف المعيشية في ظل ظروف إقليمية ودولية معقدة ساهمت في خلق جماعات ونزاعات في أماكن عدة، لكن تلك الظروف لم تكن كافية لتغيير الأمر الواقع.

تمكن حزب الإصلاح من إلتقاط الفرصة التاريخية إثر قيام ثورتين في تونس ومصر، وعمل على استنساخها في اليمن، فوجه كل قواه لصنع أحداث مماثة في صنعاء وأماكن أخرى، ونظراً لتفوقه التنظيمي الكبير فسرعان ما تمكن من خلق حركة سيطر عليها بالكامل، وتمكنت الحركة خلال أسابيع من الحصول على دعم شعبي واسع، لكن ذلك لم يكن كافياً لإخراج نظام الرئيس صالح من الحكم، لذا لجأ بالحيلة لإستغلال أحداث 18 مارس 2011 او ما يعرف بجمعة الكرامة، وانتقل الموالون له فوراً من عباءة الرئيس صالح ليصبحوا "ثواراً"، وبذلك حقق نوعاً من التوازن العسكري، غير أن ذلك لم يحقق أيضاً مبتغى الإصلاح في رحيل صالح عن الحكم، فجاءت محاولة الأغتيال، وبالرغم من فشلها، إلا أنها في النهاية كانت سبباً في تخلي صالح عن السلطة، وكان الإصلاح هو المستفيد الأكبر الذي حصل على نصيب الأسد في حكومة ما يسمى بالوفاق الوطني، على أساس المشاركة في السلطة مع حزب المؤتمر الشعبي العام- حزب الرئيس صالح.

بعد أكثر من ثلاث سنوات من تولي الإصلاح لجزء من الحكومة ظهر جلياً أن الحزب، وللمرة الثانية، ارتكب خطأ فادحاً، فها هم ممثليه في الحكومة يعجزون عن تحقيق أي تقدم في عملهم، بل ويفشلون حتى في الاحتفاظ بالأوضاع المتردية كما هي، فوزير المالية يصل بعد ثلاث سنوات لنتيجة مفادها أن رفع اسعار المشتقاف النفطية أمر حتمي وضروري، وذلك على ضوء إفلاس المالية العامة، وعجز وزارته عن سداد فاتورة المشتقات النفطية مما أدخل البلاد في أزمة وقود حادة.  في نفس الوقت ظهر أداء وزير الكهرباء باهتاً، فبعد ثلاث سنوات زادت إطفاءات الكهرباء، وتضاعفت معاناة الناس بشكل كبير، وبمثل ذلك الأداء السيء ظهر وزير التخطيط الذي لم يتمكن بعد سنوات ثلاث من استغلال موارد مالية مخصصة لليمن من قبل المانحين ولم يتمكن من تحسين أداء وزارته في هذا الجانب، وكذلك فشل وزير الداخلية الذي دخلت البلاد في عهده في سلسلة من الصراعات فقد فيه الأمن، وفقدت الدولة قدرتها على إدارة الأمن.  وبنفس الأداء المتواضع ظهرت وزارة التربية والتعليم والذي ركز الإصلاح فيها جهوده لإيمانه أن المستقبل هو الأهم.

هكذا كرر الإصلاح تجربة تحالفه مع المؤتمر الشعبي العام العام عقب حرب الانفصال 1994، وفشل بنفس الطريقة، ليس فقط في إدارة الخدمات الرئيسية التي تمس حياة المواطن اليومية، بل وفي كسب ثقة الناس من خلال قيام ممثليه في الحكومة بالعمل على تعيين الكوادر الموالية له، وإقصاء الآخرين مما خلق حالة من التذمر على جميع المستويات.  بدا الإنسحاب من الحكومة خياراً للإصلاح، لكنه ربما بدا أكثر من أن يقوم الإصلاح بالتفكير به، فبينما كانت مشاركة الإصلاح في الحكومة عقب حرب 1994 كان "عطية من صالح"، وجد الإصلاح أن مشاركته في حكومة باسندوة حق ناتج عن "ثورة" وبالتالي يبدو أنه لم يفكر حتى مجرد التفكير في التخلي عنه.

سخط الناس على أداء الإصلاح ووزراءه الذين أثبتوا فشلهم، وتحول سخط الناس لكره للإصلاح وسياساته، خاصة بعد أن فشل الإصلاح في قراءة الشارع ومطالبه، فوزارات الإصلاح تمس الناس بدرجة كبيرة، حتى وزارة النفط التي على رأسها وزير من المؤتمر الشعبي العام ظهر أن سبب عجزها عن توفير المشتقات النفطية هو عدم قيام وزارة المالية بواجبها، لتصب كل الظروف في مصلحة المؤتمر.

عوامل عديدة أثرت على سمعة الإصلاح لدى الناس، فالبرغم من أن الحزب يستخدم خطاباً دينياً قريباً منهم، إلا أن المعطيات كانت دائماً في غير مصلحته.  فقد تحالف الإصلاح مع الإشتراكي، الذي حاربه لسنوات، بل واعتبر فكره كفراً، ولم تمر سنوات إلا والإصلاح يتحالف مع الحوثي، تلك الجماعة التي يختلف معها عقائدياً ويعتبرها خارجة عن الدين الإسلامي، وتدريجياً قوض الحزب عدداً من المبادئ الرئيسية التي كان يفترض أن تحكم توجهه، فتحول فجأة إلى حزب دينه ومبادئه المصلحة لا غير.

تمكن الإصلاح من تأجيل الإنتخابات التي كان يتفرض أن تتم في 2014، ولعل الدافع الرئيسي لسعيه لتأجيل الإنتخابات ما رأه من توجه الناس نحو عدوه اللدود "المؤتمر الشعبي العام"، وذلك على أثر تدهور الأوضاع في شتى مناحي الحياة في اليمن، وعجز الحكومة عن القيام بشيء، خاصة تدهور الوضع الأمني.  لقد جرى تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى، ويبدو أن الإصلاح كان يراهن على تحقيق بعض التقدم خلال تلك الفترة، لكن الأمور زادت تعقيداً، فقد تمكن الحوثي- الذي تحول مجدداً لعدو للإصلاح، تمكن من السيطرة على دماج وطرد سكانها خلال أسابيع، وخلال سنوات ثلاث تمكن الحوثي من السيطرة على المناطق الممتدة من صعدة وحتى عمران، وألحق هزيمة نكراء بالأصلاح في عقر دار قيادات الإصلاح وهي محافظة عمران، وسيطر على معاقل كثيرة كان يعقتد أنها تتبع الإصلاح، خاصة معاقل الشيخ الأحمر.

لقد تحول الحوثي للعنة على الإصلاح، فتمكنه من التوسع وبشكل سريع، جاء على حساب الإصلاح، وقد أربك الإصلاح على إثر خسارة جناحه القبلي المعركة.  وحتى أولئك الذين كانوا يتعاطفون مع الإصلاح رأوا أن سياسات الإصلاح هي التي مكنت الحوثي من التوسع، بدءاً من تحالف "الثورة" وأنتهاء بالإعتذار للحوثي في مؤتمر الحوار.

لم يعد لدى الإصلاح ما يقدمه للناس.  لقد فشلت كل مشاريعه على مدى السنوات الماضية، فوصوله للحكم جاء منقوصاً، وعجز وزرائه عن تقديم شيء يفيد الناس، وفشل في إيقاف زحف الحوثي وسيطرته ، وجاءت الأحداث الأقليمية وإتجاه الدول العربية لمحاربة الإسلاميين لتزيد من قناعة الشارع اليمني بأن "عهد الأخوان" لا بد أن ينتهي- في اليمن ايضاً. 

مازال الإصلاح يتصرف كوريث "للثورة"، ويقوم أداؤه على أساس معاداة "علي عبدالله صالح"، ويعمل ليل نهار سواء علناً أو سراً لمحاربة صالح وحزبه، في الوقت الذي يحقق الحوثي مكاسب على الأرض، ويبدو من قوة لدى الأصلاح، وسيطرته الواضحة على الرئيس هادي ستمكنه في النهاية من تكسير عظام المؤتمر، والسؤال الذي يضع نفسه، ما هي مصلحة الأصلاح في انتهاء المؤتمر؟  من غير المتوقع أن يكون الأصلاح هو وريث المؤتمر، بل من المرجح والحتمي أن يحصد الحوثي نتيجة هذا الصراع...

إن الإصلاح كفكر وسياسة مطلوب منه أن يعيد تقييم تجربته والأستفادة من أخطائه، تجربة الإصلاح تختلف عن تجارب الأخوان في مصر وسورية وليبيا، ولعلها تشبه تونس.  في اليمن كان الحل السياسي هو النتيجة لأحداث 2011، ولكن هل استغل الإصلاح ما بيده من اوراق؟ وهل كانت قراراته سليمه، ولماذا فشل في كسب ثقة الناس؟، ما الذي يتوقعه الإصلاح عند إجراء الانتخابات القادمة حيث كان السبب المباشر لصعود الحوثي وكانت "ثورته" وبالاً عن الناس في جميع مناحي الحياة.  ما علاقته بالجماعات المسلحة خاصة تنظيم القاعدة، وهل يمكنه التبروء من مثل هكذا علاقه؟.  كيف يمكن للحزب أن يعيد كسب ثقة الناس به؟  ما هو الذي عليه القيام به في هذه المرحلة التي إنهار فيها الأخوان في مصر، وهل يجب أن ينتظر لعب دور الضحية؟، مادام الإصلاح قد ركز على المصلحة في علاقاته بعيداً عن "المبادئ" فهل كانت قراراته دوماً صائبة؟، وهل يعيد حساباته ويعيد تحديد حلفائه، أم يسير في طريق ستوصله في النهاية إلى الهاوية؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق