مقارنات مؤسفة
مرة أخرى تدفعنا الوقائع للمقارنة، وبدون إدراك منا نجد أنفسنا مجبرين على وضع الصور متوازية في أذهاننا، وهذه المقارنات يطلقها الناس حيثما تجمعوا وحيثما تحدثوا عن الواقع المعاش.
"ثورة شباب اليمن" التي قامت لمحاربة الفساد فقدت تدريجياً رؤيتها، فأصبحت عنواناً فقد معناه. كانت "ثورة سلمية" تسعى لتغيير واقع اليمن إلى الأفضل. كانت ساحة الجامعة ترحب بالقادمين، وكان الترحيب حاراً وكأنه يدعو كل يمني إلى هذا الفضاء الجديد، وبالأمس كانت الساحة لا تنظر للون شعر القادم أو ملبسه، بل كانت تتطلع نحو يمن للجميع. كانت الساحة تشكو "جور النظام" وتعديه على حقوق الناس، وتبشر بمستقبل يتساوى فيه الناس وتنفتح آفاق النجاح للمجتهد بقدر ما يشاء، ويعاقب فيه المسئ بقدر إساءته، بالأمس كانت الساحة تضم كل من أحس بالظلم، أو خيبة الأمل، كل المتطلعين لمستقبل أفضل، بالأمس بشرتنا الساحة أن روادها سيسعون دوماً لخدمة بلدهم ولن يكونوا كمثل "هذا الحاكم" الذي يسخر البلد لخدمته.
تقدم النظام بتنازلات، سعى لإنقاذ نفسه، هل فكر فينا؟، لا ندري، ولكننا على يقين أنه سعى لأنقاذ نفسه من موجة كادت تغرقه، تنازلاً تلو آخر حتى لم يترك شيئاً يقدمه. واجتهه الساحة بالرفض، قيل لا بد من "اسقاط النظام"، ولم يفهم أحد من أين يأتي ذلك الزخم. كان التكبر قد بلغ مبلغه فرفضت المبادرات، وقيل ألا بديل عن أسقاط النظام، ووسط ذلك رفض حتى التوسل بالإحتكام لكتاب الله، بغض النظر عن كونه وسيلة من وسائل الخلاص للنظام.
الآن فقط نعي أن إنقاذ "النظام" لو تم قبل عدة شهور كان سيحقق لنا ما لم يتحقق، ولن يتحقق مستقبلاً، والآن ندرك كيف أن "تكبر" الساحة قد أوصلنا للهاوية.
تحمل "النظام" سفسطة الساحة وسفه المتكلمين. قدح القادحون في أعراض الناس ما شاءوا ونسجوا الحكايات وقدموا التحليلات ليثبتوا أنهم على حق، بعضهم استخدم المنطق، وبعضهم عرض الحقائق، والآخرين أستخدموا الدين ما حلا لهم. البعض رأى في الأمر إنتقاماً للماضي، والبعض رأي فيه تبريرا لموقف، والبعض سعى من خلاله لتحقيق مصالح فردية أو جماعية.
الآن "الساحة" هي من يضيق بالرأي، و"الساحة" هي من يمنع الحديث، والساحة هي من يتهم الآخرين بالخيانة، بالعمالة، بالسعي للتخريب. الساحة اليوم تبحث عن لون بشرتك، عن هندامك، بل وعن مكنونات قلبك قبل أن تقبلك فيها. الساحة الآن تحكم عن نواياك وتقرر من تكون. الساحة اليوم تصنف الناس "اصلاحي، حوثي، اشتراكي،...." وخلاف هؤلاء لا يجب أن يكونوا هناك فهم "بلاطجة".
بالأمس جاءت أخبار الحادث المروري الذي تعرض له الزنداني في عمران سكت "النظام" ولم يتشف أحد، ولم يربط أحد بين هذا الحادث وموقف الزنداني. الكثير استغربوا من موقف النظام حينها، ولعلهم للآن لم يفهموه.
الساحة التي استقدمت الأوساخ والأوحال، وأقامت الصلاة على القتلة اللصوص سكتت عن تخريب الممتلكات العامة والخاصة. الساحة إحتفلت بالدماء، دماء الشباب، ودماء الآمنين في بيت الله. الساحة أحتفلت بالموت، وكأن الموت هدف ونصر...
الساحة التي فقدت الكثير من روادها وحصرت أهدافها في حصول فئة محددة على السلطة، تبشرنا كل يوم أن حياتنا ستتحول إلى جحيم إذا لم نكن ضمن تلك الفئة. الساحة تبشرنا كل يوم بأن "الكهرباء لن تعود، والنفط لن يعود، والأمن لن يعود" وبأن "الدولة قد أفلست ولم تعد قادرة على دفع اجور الموظفين" وبأن.. وبأن... وبأن لا خلاص لنا إلا أن نكون ضمن تلك العصابة.....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق