نؤمن نحن المسلمون بوجود الشيطان الذي هو رمز لكل شر، وهو سبب معاناة الإنسان لأنه وحده هو المسئول عن زرع الشر في نفوس الناس و "الوسوسة" لهم ليبعدوا عن طريق الحق وجادة الصواب، ولا يختلف الأمر كثيراً عند غيرنا من البشر، حيث يرتبط كل شر بالشيطان، وذلك أمر يريحنا، فنحن البشر لا نريد أن نفكر ولو للحظة أننا مصدر الشر ومنبعه.
بدأت "ثورتنا" في اليمن بمبادئ سامية، خرج الناس يتطلعون لمحاربة الشر، ويبغون أن يسود العدل في البلاد. خرج الناس ضد ما رأوا أنه ظلم لحق بهم، وظيم لن يستطيعوا أن يتحملوه. خرج الناس بأحلامهم لمحاربة ما رأوا أنه "الشيطان" الذي أتعس حياتهم وجعلها جحيم لا يطاق. خرج الناس يجمعهم الأمل بمستقبل مشرق، ويدفعهم حب الحياة للتضحية لأجل أنفسهم ولأجل أبنائهم وأخوانهم، خرجوا يريدون "التغيير" والتغيير هنا كلمة لم يتفق من خرجوا حول معناها، فمنهم من رأى التغيير بتبدل الأحوال ليحصل على عمل وأمل لمستقبله، ومنهم ما رأى التغيير في سلوك الناس وأخلاقهم ومبادئهم التي أصابها ما أصابها من العطب، ومنهم ما رأى التغيير تبديل في الحكم لا غير.
مع الأيام لعب "الشيطان" لعبته، فإذا ما خيل لنا أنه أمل في مستقبل أفضل، يتحول إلى سراب، وإذا ما رأينا أنه محاربة "للشيطان" نتج عنه فتح أبواب الشياطين، لتصبح حياتنا أشبه بالجحيم.
شيطان الثورة:
نبدأ بهذا الشيطان الذي صور لنا أن "الغاية تبرر الوسيلة"، فإذا المبادئ السامية والأخلاق العالية التي بدأت بها حركة "المظلومين" تتحول وتتبدل، فالمبادئ تحولت إلى لعبة في يد الكبار قبل الصغار، وأقتنع من أستطاع أن يقنع نفسه بأن "الثورة" لا بد أن يشوبها ما يشوبها من "الأوساخ" وإذا باللعب بالأوراق السياسية تغلب "حماس الثائرين"، وإذا الحسابات تتصدر المشهد، وإذا الفاسدين المطلوبين يصبحوا ثواراً، وما ضير ذلك (في وجهة نظرهم) إذا كان سيؤدي إلى النصر!.
شيطان الثورة يبرر لنفسه تحويل حياة الناس إلى جحيم، ومعاقبة أولئك الذين لا يلتحقون "بركب الثورة" حتى لو كان أولئك يمثلون غالبية الناس، فشيطان الثورة يرى " أن الشرعية الثورية هي الأساس " وأن "من ليس معنا فهو ضدنا" وتلك المقولة التي تكررت على شفاه العديد من رجال الدين (الثائرين) هي نفسها التي قالها بوش الإبن! قبل سنوات.
شيطان الثورة لا يرى ضيراً في دفع الشباب للموت، نعم للموت في مواجهة لأخوانهم وجيرانهم، فهي في رأيه شهادة يستحقون بها دخول الجنة! لكنه لا شك يعلم بأن القائل والمقتول في النار، وإلا ما كان شيطاناً. شيطان الثورة يرى في الدماء وقوداً يستمر فيه في حرق الأخضر واليابس.
شيطان الثورة يحتل مؤسسات الدولة، يحرق، وينهب ويسرق! لا يترك شيئاً، والهدف؟ إحراج النظام ووضع قدرته على الإستمرار على المحك. شيطان الثورة استعان هذه المرة بشياطين كانوا أكثر جرأة منه، فلم يرعوا حرمة لشيء. وأحتفل "الثائرون" بشهداء "الثورة" من الشياطين، بل وصلوا عليهم داعين لهم الرحمة والمغفرة.
شيطان الثورة لم يجد ضيراً في قطع النفط وتخريبه، فهو يراه مسانداً للنظام وأداة من أدواته، ونسي أن شعب كامل يقتات من هذا النفط ويعيش عليه. أستطاع الشيطان أن يخنق الصغير والكبير في اليمن، وأصاب في مقتل مصادر العيش لآلاف وملايين من الناس. عندما جاء النفط من خارج البلاد، وجد سبيلاً آخر فقطع الطريق حتى لا يجد اليمني سبيلاً للحياة.
شيطان الثورة يواصل قطع وتخريب الكهرباء، فهذا الشعب الذي "لا يرى مصلحته" لا يستحق إلا أن يعيش في الظلام. هاجم محطات الكهرباء، قطع إمدادات الوقود، خرب خطوط النقل، وقال: هو شيطان الحكومة يريد أن يعيش الناس في ظلام.
شيطان الثورة يقلق الأمن، يحتل الشوارع ويغلقها، يستخدم القبائل لإثارة الفتن، يعتدي على المعسكرات والجنود، يغلق المصالح الحكومية، يقطع الطريق، يقسم الجيش، يجند الإطفال، يعسكر الجامعات، يمنع الأطفال من الذهاب لمدارسهم، كل ذلك لمصلحة "الثورة".
شيطان الثورة خرج بأبواق متعددة، ولم يجد مشكلة في تجنيد شياطين الإنس، الأعلاميين ودعاة حقوق الإنسان. مجلات، صحف، تلفزيون، تقارير. لسان حال هؤلاء الشياطين يقول: "الثورة مقدسة- منزهة عن كل عيب، وهي الحق وهي المستقبل وهي الطريق إلى الله وكلمته على الأرض، وهي التضحية، وهي الشهادة، وهي رأي الأغلبية، وما أولئك في الشوراع إلا مجاهدون صامدون تقدميون مظلومون قادة رواداً مصلحون " فليس لأحد أن يعارض هذا المد، إلا أن يكون من شياطين النظام، أو متخلفاً، أو بلطجياً، أو حاقداً، أو عميلاً أو غبياً." ليس من المهم بعد ذلك أي كلمة نختار، وأي صورة ننقل، مادام كل ذلك لدعم "الثورة"..... وما ضير الكذب والتلفيق والتهويل إذا كنا في جانب "الثورة".
شيطان الثورة يريدها "خلافة إسلامية" على هواه، وكما يراها هو، فالحق هو الله وكلمة الله لم تنزل إلا عليه فهدته إلى الحق، فماذا على بقية "الخلق"؟ عليهم أتباع شيطان الثورة الذي يهديهم إلى الله. إن الطريق إلى الله، كما يقول شيطان الثورة، يمر عبر التضحية، والموت هنا طريق مفتوح إلى الجنة، فقد ملك الشيطان مفاتيحها.
شيطان الثورة لا يريد حلاً أو حواراً، يريد حسماً! فكيف يمكن التحاور مع شيطان الحكومة، فالشياطين لا يمكن أن تتفق على شيء. شيطان الثورة الذي يمتلك "الحق المطلق" و "الحقيقة الكاملة" ليس بحاجة لوسطاء وعرابين، فالحق بيده ناصع، وهو ليس بحاجة لوضع الحجج ولا اتخاذ سبيل لإنقاذ الناس، فذلك على الله، أما هو فيكفيه أنه لن يتخلى عن مطلبه.
شيطان الثورة لا يريداً علياً، ولا يريد من يؤيده أو حتى يتعاطف معه، هؤلاء يجب أن "يحاسبوا" و "يحاكموا" حتى ولو مثلوا أغلبية الشعب، فالمسألة ليس مسألة "ديمقراطية". شيطان الثورة وعد بإستقدام "ملائكة مطهرين" يحاكموا هؤلاء حتى ولو بلغوا الملايين، فالعدل لا بد أن يسود، ومعياره لدى الشيطان، حتى لو كان الحاكم ملاكاً.
شيطان الثورة لا يريد إنتخابات، ولا مراوغات، يريد فقط أن يرحل النظام فيقوم هو بالحلول مكانه. لقد وعد الشيطان أن يقسم "الكعكة" بالعدل، فالإشتراكيون سيحصلون على دولتهم المدنية، والإصلاحيون سينشئون خلافتهم، والناصريون سيتمتعون بقوميتهم، والحوثيون سيتبعون إمامهم، بل إن الحراكيون سيأخذون حقوقهم.... أما سواهم فهم من النظام وليس لهم شيء.
شيطان الحكومة:
شيطان الحكومة متمسك بالحكم، لا يريد ان يتركه. استساغ عقوداً من السيطرة تمكن خلالها من إدارة الأمور كما يراها. إستخدم أساليباً مشروعة وغير مشروعة لتدعيم سلطته وتقوية مكانته. كان الفساد والإفساد وسيلته، وكان الفاسدون والمتنفذون رجاله. قلما أستمع لنصح، وقلما سعى لإصلاح.
شيطان الحكومة أستخدم كل الأساليب لكسب الإنتخابات، وزع الاموال، أخاف الناس، واستغل الجهل فحقق غايته ومبتغاه. لم ير يوماً في نظام الحكم سوى صورة يستخدمها لتحقيق أغراضه. لم يؤمن يوماً بالديمقراطية التي أسس لها، بل أستغلها ليستمر في حكمه، وليقدم للعالم صورة مشرقة لنفسه.
شيطان الحكومة يعتمد على الفساد، فالنفط يباع دون رقيب، والغاز لم يسلم الفساد فبيع بأقل من ثمنه، والأموال العامة تهدر لك يوم. المناقصات تخضع للمحسوبيات، والمتنفذون يحصلون على ما يريدون.
شيطان الحكومة يستخدم الأقارب والأصحاب والمقربون، يمكنهم من زمام الأمور، ثم يدعهم يسيطرون ويعبثون كما يشاءون. الولاء هو المؤهل اللازم، وهو المعيار الذي يوصل الناس إلى المناصب.
شيطان الحكومة لا يريد تغيير شخص، ولا مسئول مادام يثبت كل يوم ولاءه لها، وتمسكه بمنصبه. لا يهم بعد ذلك إن كان فاسداً أو ظهر ما ظهر عنه....
شيطان الحكومة يريد أن يبقى الامر كما هو، فالتغيير قد يفتح أعين الناس على مستقبل لن يتمكن شياطين الحكومة من تحقيقه. شيطان الحكومة يريد أن يظل الناس مغمضي الأعين، يعيشون للوصول لحاجاتهم اليومية فحسب.
شيطان الحكومة لا يرى ظيراً في تجنيد الموالين له سواء كانوا من القبائل أو من غيرهم، ماداموا سيخدمون أهدافه، ولا يرى مشكلة في إثارة فتنه تخرجه من مأزق، ولا يرى أن ترك الناس تدير شئونها بأنفسها سيضر بمصالحهم ويسلط القوي منهم على الضعيف.
شيطان الحكومة يستخدم رجال الأمن "بعصيهم" للتمويه، ويسعى في نفس الوقت لقتل "المتظاهرين" لأنهم يعارضونه.
شيطان الحكومة يراوغ ويماطل في الخروج من هذه الأزمة لأن ذلك يعني أن يغلبه شيطان الثورة.......
فمن أي الشياطين أنت؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق