غادرت مكتبة ديوان في الزمالك بعد أن قضيت حوالى ساعتين أطالع قصة جميلة غرقت في تفاصيلها، هناك تحت الكوبري لم أكن قد خرجت فعلاً من القصة. كنت أقف على الرصيف مرتدياً بدلة رسمية، وإن كنت قد انتزعت ربطة العنق لأني دائماً أضيق بها. كنت أطالع السيارات وأحاول أنتقاء تاكسي، فإذا أحدها يتوقف دون إشارة مني، توجهت نحوه ففتح نافذته. قلت له متسائلاً: طريق مصر أسكندرية الصحراوي. أشار لي برأسه موافقاً.
جلست على المقعد الأمامي، فإذا أنا اسمع شكوى، "والله ما كلت من الصبح، دنا راسي حتنفجر والله"... ألتفت إليه وقلت نعم. أشار لي وهو يواصل الحديث: معليش دنا بكلم أمي، وعندها فقط لاحظت أنه يضع سماعة هاتف على أذنه.
واصل الحديث. كان صوت "القرآن" منخفضاً وهو يتحدث بصوت عال...
- إنت بتعيطي ليه يا ماما، ما تعيطيش يا أمي... ربنا حيفرجها من عنده. دنا والله ما كلتش حاجة من الصبح.. دنا راسي حتنفجر.. استغفر الله العظيم...مش عارف حعمل أيه.. دنا يا دوب كملت الألف جنيه..فاضل ميتين وعشرين.. بإذن الله حجيكم كمان ساعة ونص..
- ماما هو بابا بيعيط ليه؟... هو بابا بيعيط ليه؟.. طب أدهوني.. ....
- بابا بابا... انت بتعيط ليه؟... ما تعيطش يابابا.. بلاش تعيط يا بابا، ما أنت عارف الدكتور "آل" إيه.. المرض ده خفيف و"خبيس" وأنت لسه في المرحلة الأولى.. لسه ما دخلناش عالكيماوي.. بلاش يابابا تعيط ربنا كبير، ربنا حيحلها من عنده... بابا.. أنا حجيك كمان ساعة ونص... أديني ماما...
- ماما.. بلاش تعيطي "أدام" بابا... بلاش تعيطي أدامه.. أنا كمان ساعة ونص بإذن الله وحجيكم... مش عارف حعمل أيه. أنا "أدامي" ساعة ونص.... يا رب.. دنا مكلتش حاجة من الصبح والله.. دنا دماغي حتنفجر... مش عارف حعمل أيه.. وبنتي والله أنا سهران للصبح، كان عنديها مغص طول الليل، خفت أوديها للدكتور "يؤل" عايز فلوس.. سبناها للصبح... معليش يا ماما حجيكم كمان ساعة ونص....
إلتزمت الصمت وأنا أصغي "مضطراً" لحديث السائق.
- استغفر الله العظيم.. يا رب.. يا رب... دنا من الصبح يا دوب كملت الألف جنيه، وصاحبي اللي عنده ليا فلوس رحت لعنده و"ألت له" ما أدانيش حاجة.... دنا مكلتش يا حاجة من الصبح.. دماغي حتنفجر.... يا رب .. يا رب.
كان هذه المرة يوجه كلامه إلي.
وجدتني أحدثة: هو والدك مريض؟ قال: عنده سرطان في الرئة... لما بيكح بيتعب. لسه ما دخلش عالكيماوي.. عايزين نعمل ليه تحاليل حتتكلف 1200 جنيه. الساعة تسعة حنعمل له التحاليل عايزين 1200 جنيه واللي ماعندوش يموت في البلد دي...
واصل حديثة:
وبنتي والله دي عندها شهرين...إمبارح ما "ادرتش" اوديها للدكتور علشان حيحتاج فلوس... نعمل إيه؟... يا حرام اديناها شوية أعشاب ونامت على بطنها... كان عنديها مغص..
قلت: ليه هو ما فيش مستشفيات للحكومة؟
قال: المستشفى الوحيدة المجانية "مأفولة".. في أضراب.. الدكاترة مضربين... يخرب بيتها البلد دي... ينعل أبو الرياسة على أبو السورة..... البلد "باضت"... واللي ممعاهوش يعمل أيه... ينعل أبو السورة..
إلتزمت الصمت..
خلال أكثر من عشر دقائق تالية إلتزمت فيها الصمت ظل يردد... يا رب... يا رب....
وصلت لمقصدي، أوقف السائق السيارة، وسألته: معاك فكة... قال نعم... أعطيته الأجرة وأعاد لي الباقي وكنت قد زدت على الأجرة. خرجت من السيارة وتوجهت نحو الفندق... سمعته فجأة يناديني .. يا بيه.. يا بيه...
عدت لأرى ما المشكلة...
قال: ممكن يا بيه تسلفني؟ وأنا حردهم لك.......
أعتذرت له وقلت له أني مغادر....
"ينعل أبو السورة"......... أننا بحاجة لثورة أكبر من مجرد تغيير وجوه وأشخاص، نحن بحاجة لتغيير قيم ومفاهيم ليست جديدة، قيم ومفاهيم راسخة في وجدان الناس..
فكيف السبيل إلى ذلك يا ترى؟
جلست على المقعد الأمامي، فإذا أنا اسمع شكوى، "والله ما كلت من الصبح، دنا راسي حتنفجر والله"... ألتفت إليه وقلت نعم. أشار لي وهو يواصل الحديث: معليش دنا بكلم أمي، وعندها فقط لاحظت أنه يضع سماعة هاتف على أذنه.
واصل الحديث. كان صوت "القرآن" منخفضاً وهو يتحدث بصوت عال...
- إنت بتعيطي ليه يا ماما، ما تعيطيش يا أمي... ربنا حيفرجها من عنده. دنا والله ما كلتش حاجة من الصبح.. دنا راسي حتنفجر.. استغفر الله العظيم...مش عارف حعمل أيه.. دنا يا دوب كملت الألف جنيه..فاضل ميتين وعشرين.. بإذن الله حجيكم كمان ساعة ونص..
- ماما هو بابا بيعيط ليه؟... هو بابا بيعيط ليه؟.. طب أدهوني.. ....
- بابا بابا... انت بتعيط ليه؟... ما تعيطش يابابا.. بلاش تعيط يا بابا، ما أنت عارف الدكتور "آل" إيه.. المرض ده خفيف و"خبيس" وأنت لسه في المرحلة الأولى.. لسه ما دخلناش عالكيماوي.. بلاش يابابا تعيط ربنا كبير، ربنا حيحلها من عنده... بابا.. أنا حجيك كمان ساعة ونص... أديني ماما...
- ماما.. بلاش تعيطي "أدام" بابا... بلاش تعيطي أدامه.. أنا كمان ساعة ونص بإذن الله وحجيكم... مش عارف حعمل أيه. أنا "أدامي" ساعة ونص.... يا رب.. دنا مكلتش حاجة من الصبح والله.. دنا دماغي حتنفجر... مش عارف حعمل أيه.. وبنتي والله أنا سهران للصبح، كان عنديها مغص طول الليل، خفت أوديها للدكتور "يؤل" عايز فلوس.. سبناها للصبح... معليش يا ماما حجيكم كمان ساعة ونص....
إلتزمت الصمت وأنا أصغي "مضطراً" لحديث السائق.
- استغفر الله العظيم.. يا رب.. يا رب... دنا من الصبح يا دوب كملت الألف جنيه، وصاحبي اللي عنده ليا فلوس رحت لعنده و"ألت له" ما أدانيش حاجة.... دنا مكلتش يا حاجة من الصبح.. دماغي حتنفجر.... يا رب .. يا رب.
كان هذه المرة يوجه كلامه إلي.
وجدتني أحدثة: هو والدك مريض؟ قال: عنده سرطان في الرئة... لما بيكح بيتعب. لسه ما دخلش عالكيماوي.. عايزين نعمل ليه تحاليل حتتكلف 1200 جنيه. الساعة تسعة حنعمل له التحاليل عايزين 1200 جنيه واللي ماعندوش يموت في البلد دي...
واصل حديثة:
وبنتي والله دي عندها شهرين...إمبارح ما "ادرتش" اوديها للدكتور علشان حيحتاج فلوس... نعمل إيه؟... يا حرام اديناها شوية أعشاب ونامت على بطنها... كان عنديها مغص..
قلت: ليه هو ما فيش مستشفيات للحكومة؟
قال: المستشفى الوحيدة المجانية "مأفولة".. في أضراب.. الدكاترة مضربين... يخرب بيتها البلد دي... ينعل أبو الرياسة على أبو السورة..... البلد "باضت"... واللي ممعاهوش يعمل أيه... ينعل أبو السورة..
إلتزمت الصمت..
خلال أكثر من عشر دقائق تالية إلتزمت فيها الصمت ظل يردد... يا رب... يا رب....
وصلت لمقصدي، أوقف السائق السيارة، وسألته: معاك فكة... قال نعم... أعطيته الأجرة وأعاد لي الباقي وكنت قد زدت على الأجرة. خرجت من السيارة وتوجهت نحو الفندق... سمعته فجأة يناديني .. يا بيه.. يا بيه...
عدت لأرى ما المشكلة...
قال: ممكن يا بيه تسلفني؟ وأنا حردهم لك.......
أعتذرت له وقلت له أني مغادر....
"ينعل أبو السورة"......... أننا بحاجة لثورة أكبر من مجرد تغيير وجوه وأشخاص، نحن بحاجة لتغيير قيم ومفاهيم ليست جديدة، قيم ومفاهيم راسخة في وجدان الناس..
فكيف السبيل إلى ذلك يا ترى؟