جمعة الهدوء
25 مارس 2011م
إختلف الفرقاء حول تسمية جمعتنا المباركة هذه، ولعل هذا الإختلاف يعبر عن تغير في المواقف، إختلف المعتصمون من المشترك والشباب فمنهم من سماها بجمعة الزحف، ومنهم من سماها جمعة الرحيل، بينما أتى النظام هذه المرة بتسمية لامست حاجة اليمنيين، ونجحت في إستدرار تعاطفهم فسماها جمعة التسامح.
كان معظم الناس في العاصمة صنعاء يتمنون ألا تأتي هذه الجمعة التي توجسوا شراً منها حيث كانت النفوس مشحونة، والتوقعات تنذر بكارثة وشيكة، خاصة بعد ما حدث خلال الجمعة السابقة من سقوط عشرات القتلي والتداعيات التالية لذلك خلال الأسبوع من إنقسام الجيش. الآلاف غادروا العاصمة فعلاً، وآخرون جهزوا أنفسهم للأسوأ. أعلن النظام رسمياً عن دعوته للناس للتوجه لساحة السبعين لإظهار التأييد "للدستور" ورفض " الإنقلاب والفوضى". كانت دعوة النظام للناس للمشاركة في "درء الفتنة".
في المقابل حشد الشباب طاقاتهم، وكذلك أحزاب المشترك وكانوا هذه المرة مختلفين حول تسمية الجمعة. جاءت تصريحات أحد قادة حزب الإصلاح بإسم المعتصمين في ساحة التغيير بتسمية الجمعة بجمعة الزحف وإعلانه أن المعتصمين سيدخلون للرئيس حتى غرفة نومه لتثير سخط الشباب الذين رأوا أن المشترك يستأثر بالموقف. أصر الشباب على تسمية جمعة الرحيل، وقالوا أنهم لن يتجهوا لقصر الرئاسة.
الإستقطاب من قبل الطرفين طال الشارع، فالنظام استخدم جميع وسائله لدعوة الناس للمشاركة، وكذلك الطرف الآخر لعبت قناة الجزيرة المنبر الذي دعا من خلال الناس لدعم الثورة في ساحة التغيير. ظلت الآمال معلقة بأن يحدث شيء ما يمنع المواجهة بين الطرفين. ترددت الأنباء عن إتفاقات تحت الطاولة وتفاوض وغيره، ومرت الساعات، وجاءت الجمعة دون أن يحدث شيء.
صباح الجمعة في صنعاء بدا كئيباً. الشمس لم تشرق كما هي عادتها، وساد المدينة هدوء نسبي. مع إقتراب صلاة الجمعة بدأت الحركة كثيفة، من الناس من يتجه نحو ميدان التغيير، ومنهم ما كان متجهاً لميدان السبعين. مع بدء صلاة الجمعة إتضحت الصورة:
ميدان التغيير كعادته يمتلئ بالناس،
وميدان السبعين أيضاً يمتلئ بالحشود، ولأول مرة.
ميدان التغيير لم يشهد الزخم الذي شهده الجمعة السابقة، وميدان السبعين يفاجئ الجميع....
البعض قال أن المئات الآلاف من المحتشدين في ميدان السبعين هم من "المرتزقة" و "العملاء" و "البلاطجة" و "أفراد الأمن".. إلخ... البعض (مثل قناة الجزيرة دراما) أصر على التقليل من أعداد المحتشدين أو وصفهم بالرجعيين الذين لا يؤمنون بالتغيير... أما البعض فقد ذهب إلى حد القول بأن الأمر لا يعدو "صورة تلفزيونية مدبلجة" وأن الميدان لم يشهد شيئاً مما ظهر على الشاشة!!
أياً كان الأمر، فقد فاجأ الحشد الجميع، بل أزعم أنه فاجأ حتى النظام نفسه، والرئيس الذي قدم قبل يوم واحد تنازلات جديدة بقبوله بشروط أحزاب المشترك، ولعله ما كان ليقدم على ذلك لو كان على ثقة بنجاح هذا الحشد. هذا الحشد فاجأ الجميع هذه المرة فهو في يوم جمعة حيث لا "حوافظ دوام" ولا وسيلة للضغط، وحيث من المستحيل "دفع المعلوم"، وحيث لا يمكن أيضاً تصور أنهم من الجنود فالرئيس لن يغامر بدفع جنوده إلى الساحة بينما هو في أمس الحاجة إليهم في هذه الأيام. جاء الحشد بعد تخلي أعداد متزايدة من المسئولين عن النظام خلال الأسبوع المنصرم.
إذن نجح الرئيس صالح للمرة الأولى في إيقاف عجلة الزمن، أقول أيقاف عجلة الزمن وليس عكس أتجاهها. نجح في إثبات أن هناك الملايين ممن يقفون خلفه، وممن يعارضون "ثورة الشباب" التي أصبحت "ثورة الشباب والقبائل والعسكر". لعل السؤال الأول المطروح: ما سبب نجاح نظام الرئيس صالح في تنظيم هذا الحشد بعد أن بدا مفلساً خلال أسابيع من الإحتجاجات؟.
لقد نجح النظام في تنظيم هذا الحشد لعدة أسباب لعل أهمها أن أعمدة النظام التي قررت البقاء بجانب الرئيس رأت في هذا الفرصة الأخيرة لحفظ مصالحها والدفاع عنها، لذا فقد بذلت كل ما في وسعها لإنجاح هذا المسعى. السبب الثاني هو بدء التململ من قبل الشارع، خاصة أولئك الذين لا ينتمون للنظام أو للتغيير من الوضع، فها هو الأسبوع السادس يمر دون حدوث إنفراج، وبدأ الناس يحسون بثقل الأزمة سواء إقتصادياً أو حتى نفسياً. الجمعة السابقة أثقلت الناس بجرحها، وأنقسام الجيش زاد من إمكانية حدوث مواجهة عسكرية لا يحمد عقباها. السبب الثالث هو حدوث تغير، كما أزعم، في مواقف الكثيرين تجاه "الثورة" ويرجع ذلك لإنضمام أعداد متزايده من أصحاب المصالح والفاسدين للثورة، وتوج ذلك بإنضمام أحد أهم قادة الجيش اليمني. ترحيب "الثوار" بهؤلاء جعل الكثيرين يشككون في الثورة ومقاصدها. هناك أسباب أخرى تتمثل في نجاح أجهزة الأعلام الرسمية في استعادة بعض الثقة على إثر موجة الأخبار المضللة عن الاستقالات الجماعية التي قادتها بعض القنوات، أضف إلى ذلك الطريقة الأستفزازية التي طرح بها عضو حزب الإصلاح الدعوة للزحف "لغرفة نوم" الرئيس.
يخطىء من يقول بأن من أحتشدوا لميدان السبعين هم من مؤيدي الرئيس صالح ونظامه، بل أزعم أن أغلبيتهم جاء للميدان للأسباب السابقة، فهم تعبوا من الأزمة وخافوا من حدوث مواجهات عسكرية، أضف إلى ذلك أنهم فقدوا الثقة في إمكانية حدوث تغيير على يد ثورة تستقطب "نفس وجوه الفساد" بل وترحب بهم. والتأكيد هنا على أن المحتشدين في ميدان السبعين لا شك يريدون التغيير، مثل غالبية اليمنيين، لكنهم فقدوا ثقتهم بالشباب.
جمعة الهدوء إذن .. نشكر الله أن مرت بسلام.. ونرجو أن يعيد الجميع حساباتهم وينظروا لأبعد من مصالحهم الآنية الذاتية... فالمستقبل يمكن أن يتسع للجميع، والتغيير مفروغ منه...
25 مارس 2011م
إختلف الفرقاء حول تسمية جمعتنا المباركة هذه، ولعل هذا الإختلاف يعبر عن تغير في المواقف، إختلف المعتصمون من المشترك والشباب فمنهم من سماها بجمعة الزحف، ومنهم من سماها جمعة الرحيل، بينما أتى النظام هذه المرة بتسمية لامست حاجة اليمنيين، ونجحت في إستدرار تعاطفهم فسماها جمعة التسامح.
كان معظم الناس في العاصمة صنعاء يتمنون ألا تأتي هذه الجمعة التي توجسوا شراً منها حيث كانت النفوس مشحونة، والتوقعات تنذر بكارثة وشيكة، خاصة بعد ما حدث خلال الجمعة السابقة من سقوط عشرات القتلي والتداعيات التالية لذلك خلال الأسبوع من إنقسام الجيش. الآلاف غادروا العاصمة فعلاً، وآخرون جهزوا أنفسهم للأسوأ. أعلن النظام رسمياً عن دعوته للناس للتوجه لساحة السبعين لإظهار التأييد "للدستور" ورفض " الإنقلاب والفوضى". كانت دعوة النظام للناس للمشاركة في "درء الفتنة".
في المقابل حشد الشباب طاقاتهم، وكذلك أحزاب المشترك وكانوا هذه المرة مختلفين حول تسمية الجمعة. جاءت تصريحات أحد قادة حزب الإصلاح بإسم المعتصمين في ساحة التغيير بتسمية الجمعة بجمعة الزحف وإعلانه أن المعتصمين سيدخلون للرئيس حتى غرفة نومه لتثير سخط الشباب الذين رأوا أن المشترك يستأثر بالموقف. أصر الشباب على تسمية جمعة الرحيل، وقالوا أنهم لن يتجهوا لقصر الرئاسة.
الإستقطاب من قبل الطرفين طال الشارع، فالنظام استخدم جميع وسائله لدعوة الناس للمشاركة، وكذلك الطرف الآخر لعبت قناة الجزيرة المنبر الذي دعا من خلال الناس لدعم الثورة في ساحة التغيير. ظلت الآمال معلقة بأن يحدث شيء ما يمنع المواجهة بين الطرفين. ترددت الأنباء عن إتفاقات تحت الطاولة وتفاوض وغيره، ومرت الساعات، وجاءت الجمعة دون أن يحدث شيء.
صباح الجمعة في صنعاء بدا كئيباً. الشمس لم تشرق كما هي عادتها، وساد المدينة هدوء نسبي. مع إقتراب صلاة الجمعة بدأت الحركة كثيفة، من الناس من يتجه نحو ميدان التغيير، ومنهم ما كان متجهاً لميدان السبعين. مع بدء صلاة الجمعة إتضحت الصورة:
ميدان التغيير كعادته يمتلئ بالناس،
وميدان السبعين أيضاً يمتلئ بالحشود، ولأول مرة.
ميدان التغيير لم يشهد الزخم الذي شهده الجمعة السابقة، وميدان السبعين يفاجئ الجميع....
البعض قال أن المئات الآلاف من المحتشدين في ميدان السبعين هم من "المرتزقة" و "العملاء" و "البلاطجة" و "أفراد الأمن".. إلخ... البعض (مثل قناة الجزيرة دراما) أصر على التقليل من أعداد المحتشدين أو وصفهم بالرجعيين الذين لا يؤمنون بالتغيير... أما البعض فقد ذهب إلى حد القول بأن الأمر لا يعدو "صورة تلفزيونية مدبلجة" وأن الميدان لم يشهد شيئاً مما ظهر على الشاشة!!
أياً كان الأمر، فقد فاجأ الحشد الجميع، بل أزعم أنه فاجأ حتى النظام نفسه، والرئيس الذي قدم قبل يوم واحد تنازلات جديدة بقبوله بشروط أحزاب المشترك، ولعله ما كان ليقدم على ذلك لو كان على ثقة بنجاح هذا الحشد. هذا الحشد فاجأ الجميع هذه المرة فهو في يوم جمعة حيث لا "حوافظ دوام" ولا وسيلة للضغط، وحيث من المستحيل "دفع المعلوم"، وحيث لا يمكن أيضاً تصور أنهم من الجنود فالرئيس لن يغامر بدفع جنوده إلى الساحة بينما هو في أمس الحاجة إليهم في هذه الأيام. جاء الحشد بعد تخلي أعداد متزايدة من المسئولين عن النظام خلال الأسبوع المنصرم.
إذن نجح الرئيس صالح للمرة الأولى في إيقاف عجلة الزمن، أقول أيقاف عجلة الزمن وليس عكس أتجاهها. نجح في إثبات أن هناك الملايين ممن يقفون خلفه، وممن يعارضون "ثورة الشباب" التي أصبحت "ثورة الشباب والقبائل والعسكر". لعل السؤال الأول المطروح: ما سبب نجاح نظام الرئيس صالح في تنظيم هذا الحشد بعد أن بدا مفلساً خلال أسابيع من الإحتجاجات؟.
لقد نجح النظام في تنظيم هذا الحشد لعدة أسباب لعل أهمها أن أعمدة النظام التي قررت البقاء بجانب الرئيس رأت في هذا الفرصة الأخيرة لحفظ مصالحها والدفاع عنها، لذا فقد بذلت كل ما في وسعها لإنجاح هذا المسعى. السبب الثاني هو بدء التململ من قبل الشارع، خاصة أولئك الذين لا ينتمون للنظام أو للتغيير من الوضع، فها هو الأسبوع السادس يمر دون حدوث إنفراج، وبدأ الناس يحسون بثقل الأزمة سواء إقتصادياً أو حتى نفسياً. الجمعة السابقة أثقلت الناس بجرحها، وأنقسام الجيش زاد من إمكانية حدوث مواجهة عسكرية لا يحمد عقباها. السبب الثالث هو حدوث تغير، كما أزعم، في مواقف الكثيرين تجاه "الثورة" ويرجع ذلك لإنضمام أعداد متزايده من أصحاب المصالح والفاسدين للثورة، وتوج ذلك بإنضمام أحد أهم قادة الجيش اليمني. ترحيب "الثوار" بهؤلاء جعل الكثيرين يشككون في الثورة ومقاصدها. هناك أسباب أخرى تتمثل في نجاح أجهزة الأعلام الرسمية في استعادة بعض الثقة على إثر موجة الأخبار المضللة عن الاستقالات الجماعية التي قادتها بعض القنوات، أضف إلى ذلك الطريقة الأستفزازية التي طرح بها عضو حزب الإصلاح الدعوة للزحف "لغرفة نوم" الرئيس.
يخطىء من يقول بأن من أحتشدوا لميدان السبعين هم من مؤيدي الرئيس صالح ونظامه، بل أزعم أن أغلبيتهم جاء للميدان للأسباب السابقة، فهم تعبوا من الأزمة وخافوا من حدوث مواجهات عسكرية، أضف إلى ذلك أنهم فقدوا الثقة في إمكانية حدوث تغيير على يد ثورة تستقطب "نفس وجوه الفساد" بل وترحب بهم. والتأكيد هنا على أن المحتشدين في ميدان السبعين لا شك يريدون التغيير، مثل غالبية اليمنيين، لكنهم فقدوا ثقتهم بالشباب.
جمعة الهدوء إذن .. نشكر الله أن مرت بسلام.. ونرجو أن يعيد الجميع حساباتهم وينظروا لأبعد من مصالحهم الآنية الذاتية... فالمستقبل يمكن أن يتسع للجميع، والتغيير مفروغ منه...
نشكر الله أنها مرت بسلام :)
ردحذف