حسابات الفرقاء والبدون في اليمن ..
25 مارس 2011م
مع تسارع الأحداث في اليمن تتجه الأطراف المختلفة لإتخاذ مواقف ما، عادة ما تكون هذه المواقف مفهومة فلكل طرف غايات معروفة ومفهومة، ولكل طرف وضع يحتم عليه إتخاذ موقف معين. في أوقات كثيرة تختلط علينا الصورة، ونجد أننا لا نفهم موقف طرف ما، وذلك ربما يرجع لنقص المعلومات التي تصلنا عن طرف ما، أو عن الموقف نفسه..... في هذا الأزمة نحاول معرفة الأطراف المختلفة وذلك من خلال قراءة المواقف السابقة لها وما الذي تسعى لتحقيقه مستقبلاً.
النظام الحاكم وحزبه:
يقوم النظام الحاكم، كما هو معروف، على سلسلة من المصالح المركبة لمجموعة واسعة من المجتمع اليمني، ويضم النظام الحزب الحاكم ومجموعات أخرى هي أسرة الرئيس صالح، والمشائخ، ورجال الأعمال، وعدد من قادة الجيش. لقد سعى النظام خلال عقود لحفظ هذه السلسلة وإن تبدلت الأشخاص أحياناً، فدفع بإمكانياته وسخرها لدعم أفراد هذه السلسلة في مقابل أن تقدم هي ما يلزم لدعم النظام وأستمراريته. حزب المؤتمر يضم عناصر مختلفة من الأيديلوجيات والتوجهات الفكرية التي يربطها شيء واحد هو المصلحة، وقد ساهمت هذه التركيبة في إستمرار المؤتمر وتعزيز سيطرته على الدولة والحياة السياسية في البلاد.
الرئيس صالح كان دائماً منخرطاً في المؤتمر، مسيراً له. كانت قرارات الرئيس جزءاً مهماً من المؤتمر، وكان أثره أكثر من مجرد رئيس لحزب فقد كان ينظر له دائماً على أنه هو الحزب. إستخدم الرئيس صالح الحزب في تنفيذ سياساته، وأستخدم أعضاء المؤتمر الحزب في تعزيز سلطاتهم والحصول على إمتيازات في الدولة وخارجها.
من يمثلون النظام الحاكم وأعضاء حزب المؤتمر لا شك يرون في ثورة التغيير خطراً كبيراً. الجميع لاشك شاهد ما حدث في تونس، وهم لا يرجون الا يكون مصيرهم مصير النظام التونسي. في هذه الصورة فئتين، الأولى مازالت تعتقد بإمكانية الوصول لحلول ما خاصة مع وجود مصادر القوة المختلفة (السلطة والمال- فهي ترى أنه يمكنها الصمود مهما كان الثمن)، أما الأخرى فآمنت بأن التغيير قادم لا محالة، فإما التعامل معه على نحو ما لا يضر بمصالحها، أو الهروب حيث لاتزال الفرصة سانحة.
شبكة المصالح للنظام والحزب الحاكم لازالت تقاوم، وستستمر. الإنقسامات في صفوفها لن تثنيها عن المحاولة لحماية مصالحها. الرئيس يمثل عنصراً هاماً، لكنه ليس كل شيء، فما زال لدى البقية الكثير ليقولونه ويفعلونه.
المشترك:
أحزاب اللقاء المشترك تآلف مؤقت من أحزاب يجمعها شيء واحد "الوقوف ضد نظام الرئيس صالح وحزبه"، فهي تختلف في توجهاتها وأهدافها، فحزب الإصلاح حزب ديني يسعى لإقامة دولة إسلامية ويعتبر أن الشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد الذي يجب أن يحكم الدولة والناس، بل ويرى أن السعي لإقامة دولة إسلامية في اليمن هو هدف "مقدس" يجب على كل إنسان السعي وراءه، ولا يرى حزب الإصلاح غضاضة في التحالف مع القبائل أو حتى "حزب الشيطان" وهو الحزب الإشتراكي مادام ذلك سيؤمن له الوصول للسلطة، كما لا يرى حزب الإصلاح-ممثلاً في جناحه الديني- في التحالف مع الفساد والمفسدين مشكلة، ويعتبر ذلك استراتيجية مرحلية، ولا شك أن تحالف الحزب الديني مع القبائل (في الوقت الذي يدعو في الإسلام لعدم العصبية) هو تكتيك مرحلي.
من جهة أخرى نجد الحزب الإشتراكي يعتمد على مبادئ إشتراكية يسارية في الظاهر، وهو حزب حكم جنوب اليمن عقوداً من الزمان معتمداً على تلك الأيديلوجية، وبرغم أنه فشل في نهاية الأمر وسعى نحو الوحدة في عام 1990م بعد أن انكشف الغطاء السوفيتي له إلا أنه إستمر بنفس الأيديلوجية يساعده في ذلك من تبقى من كوادره التي كانت على رأس السلطة في السنين الأولى للوحدة، ثم أنه أصبح يمثل "الجنوب" ومصالحه. الحزب الإشتراكي يسعى لإقامة دولة مدنية حديثة، يرفض التوجهات الدينية ويرى في اليمين ماضياً يجب أن نتجاوزه.
الأحزاب الصغيرة الأخرى في تحالف المشترك أثرها محدود جداً على الساحة اليمنية. أكبرها هو الحزب الناصري وهو أقرب إلى الإشتراكي منه إلى الإصلاح، وحزب الحق وهو حزب فئوي صغير، إضافة لحزبي البعث والقوى الشعبية وهما جزبان صغيران غير ممثلان في البرلمان.
أحزاب اللقاء المشترك إجتمعت على معارضة نظام الرئيس صالح، وأختلفت في وضع رؤية لكيفية التغيير. أتفقت على أن النظام الحالي لم يعد يلبي طموحات الناس، واختلفت في وضع بديل لتسويقه للناس. أحزاب اللقاء المشترك التي تمكن نظام صالح من إقصائها عن صنع القرار في البلد إستطاعت تكوين جبهة لمواجهته، وقد نجحت هذه الجبهة في الضغط على نظام صالح فاضطر للتحاور معها.
على مدى سنتين أو تزيد إستمرت الحرب السياسية والإعلامية بين صالح واللقاء المشترك، فتارة تهدأ وتارة تشتد. خلال السنتين حدث حوار بين الطرفين وعقدت إتفاقيات عدة نفذ القليل منها. كانت الأستراتيجية لدى الطرفين هي وضع الطرف الآخر في الزاوية للحصول على أعلى قدر من التنازلات، أستغل المشترك الأزمة في الجنوب وأزمة الحوثيين في الشمال وأزمة القاعدة للضغط على صالح، ولم يكن لدى أحزاب اللقاء المشترك ما تخسره وويظهر أن ذلك قد غاب عن نظام صالح فسعى للقيام بتعديلات دستورية وعقد الإنتخابات منفرداً. سعى المشترك بكل قواه لإحباط محاولة صالح فاستعان بالشارع الذي لم تكن إستجابته بالقوة المطلوبة، وبدا أن صالح سيكسب الرهان.
جاءت أحداث تونس ومصر لتفتح آفاقاً جديدة أمام المشترك. قام عدد من الشباب بحركتهم التي أكتسبت زخماً بعد سقوط نظام مبارك. في ذلك الوقت كان المشترك لازال يحاور صالح ويقول أنه يتفهم مطالب الشباب، وفجأة قرر المشترك قطع إتصالاته مع صالح ومساندة الشباب في مطلبهم "إسقاط النظام".
دعا الرئيس صالح المشترك للحوار مجدداً دون طائل، قدم تنازلات تلو التنازلات بعضها جاوزمتطلبات المشترك نفسه ولكن ذلك لم يغير موقف المشترك، وكان رد المشترك بأن "الوقت قد تأخر".
لا شك بأن حسابات المشترك المعقدة وراء رفضه العودة للحوار وفيما يلي بعضاً منها:
- تقف "قبائل الإصلاح" وراء الدعم الكبير لساحة التغيير وإتساعها، وقبائل الإصلاح كما هو معروف يدعمها المعارض المعروف حميد الأحمر الذي قال أنه لا يريد صالح في الحكم.
- للجناح الديني المنظم لحزب الإصلاح أثر واضح للعيان في ساحة التغيير بصنعاء بحيث يبدو المايسترو لما يحدث.
- لاتزال هناك فئة من الشباب الرافضين للأحزاب بشكل عام ودورهم في ساحة التغيير، وهؤلاء يرفضون دور الأحزاب ومن غير المتوقع أن يسيروا وراء ما تتخذه من قرارات.
- إنضمام علي محسن- حليف الإصلاح لحركة الإحتجاج.
- لازال حزب الرئيس يمتلك من المال والسلطة ما يجعله ورقة قوية في أي أنتخابات قادمة.
- أحزاب اللقاء المشترك، باستثناء الإصلاح، لا تملك المقومات التنظيمية والميدانية لكسب أيه إنتخابات قادمة، فحتى الإشتراكي الذي "يمثل الجنوب" لا ينتظر منه أن ينجح في إختبار الإنتخابات.
- أحزاب اللقاء المشترك مختلفة الأيديلوجيات والتوجهات ولا يمكن أن يجمعها في المستقبل شيء.
إذن فأحزاب اللقاء المشترك لا يمكنها التحاور مجدداً مع نظام صالح لتلك الأسباب مجتمعة، فحزب الإصلاح هو الحزب الرئيسي فيها وأثره عليها واضح، أضف إلى ذلك أنها تعلم أن أية ترتيبات مستقبلية ترتبط بالإنتخابات لن تفيدها، وقيامها بالتحاور مع صالح في هذه المرحلة قد يجعلها ضد "حركة الشباب" التي لا أحد يستطيع معرفة ما تنتهي إليه، حتى الشباب أنفسهم.
أحزاب اللقاء المشترك لن تذهب للحوار مع صالح إلا في حالة مشاركة الشباب وضمن صفقة تضمن لها "حصة من الكعكة" في المستقبل.
الشباب
الشباب يمثلون مجموعة من الأفراد الذين سئموا من الفساد، ورأوا أن التغيير ضرورة لازمة لتحسين الحياة في اليمن. الشباب دفعهم الحماس وما رأوه في تونس ومصر فرأوا في التغيير حلاً للمشاكل المتراكمة التي تعاني منها البلاد. الشباب سئموا من نظام الرئيس صالح وفشله في تلبية طموحات اليمنيين. سئموا من الوعود والخطط والبرامج التي لا تعود إلا بمزيد من البؤس. الشباب أفراد رأوا في ثورتي تونس ومصر أنموذجاً يمكن من خلاله ولوج اليمن لعهد جديد تسوده العدالة والحرية.
كما حدث في مصر وتونس، جاء الشباب مندفعاً بدعوى الحاجة "لاسقاط النظام"، جمعت الشباب الساحات، مساحات من الحرية لا حدود لها، كان يختلفون في أشياء كثيرة، منهم دفعه اليأس من المستقبل، ومنهم من دفعته البطالة، ومنهم من دفعه كرهه للفساد، ومنهم من رأي في الميدان فرصة للتعبير عن مكنونات نفسه أو إظهار إبداعه. أصبحت الساحات ملتق للشباب يسعون فيها لإثبات أنهم قادرون.
مثلما حدث في مصر، لم تتطور رؤية الشباب، ولم يتفقوا على شيء بإستثناء رغبتهم برحيل النظام. مرت الأيام في ساحات التغيير، وتوسعت، فقد الشباب جزء من سيطرتهم على ساحة التغيير في صنعاء لصالح الأحزاب وفئات أخرى. إختلطت الأوراق، ظهر شباب يحملون "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود..." وغيرها...
كون الشباب جماعات وجماعات تعبر عنهم، وظلت تلك الجماعات تفتقد للمشروع والرؤية.
البدون
أقصد بالبدون عامة الشعب اليمني الذي مازال محتاراً بين هذه الفئات. البدون هم أغلبية الشعب اليمني الذين "لاشك" يتوقون لمستقبل أفضل، هم يريدون التغيير، يريدون رحيل الفساد والفاسدين، يريدون مستقبلاً تسوده العدالة. ما هي حسابات البدون.
الخائفون: أولئك يرون في رحيل نظام صالح مخاطرة كبيرة بل ويرون أن إستمرار الحال مع بعض الإصلاحات كفيل بتلبية طموحاتهم، إنهم يتمنون ألا يحدث شيء.
المندفعون: تواقون للتغيير، يرون في الثورة والشباب الأمل في مستقبل جميل طالما حلموا به، أستهوتهم ثورة مصر، وزادت آمالهم بتغيير الحال، نفوسهم مع التغيير وعملهم لا يزيد عن التمني.
المحتارون: فئة تنظر للواقع بعين فاحصة:
- الثورة آمل وآمال، ووعود بمستقبل زاهر.
- النظام الحالي: نظام فاسد منهار لا بد أن يتغير.
إذن ما الذي يمنعهم من تحديد موقفهم؟
- أولاً عدم وجود رؤية لتغيير سلمي، فتضارب المصالح وأختلاف الفرقاء يجعل من الصعب أن يتفقوا على حل ما.
- ثانياً مخاطر فشل الثورة ليست في سقوط النظام من عدمه، بل في ركوب الفاسدين الموجه، وقد كثر عددهم ضمن "الثوار"، فما هي ضمانات نجاح الثورة التي لم تستطع حماية نفسها من الفاسدين؟... أضف لذلك المخاطر الأخرى من صراع متوقع بين أعضاء تحالف المشترك فيما بينهم، والصراع المتوقع مع بقايا النظام السابق.
إذن هؤلاء مع التغيير لكنهم كل يوم يفقدون ثقتهم في قدرة الثورة على التغيير...
كانت تلك محاولة للإستقراء ولا شك أن الأحداث كل يوم ستجعلنا نغير وجهة نظرنا مع تغير الحسابات لدى الفرقاء....
25 مارس 2011م
مع تسارع الأحداث في اليمن تتجه الأطراف المختلفة لإتخاذ مواقف ما، عادة ما تكون هذه المواقف مفهومة فلكل طرف غايات معروفة ومفهومة، ولكل طرف وضع يحتم عليه إتخاذ موقف معين. في أوقات كثيرة تختلط علينا الصورة، ونجد أننا لا نفهم موقف طرف ما، وذلك ربما يرجع لنقص المعلومات التي تصلنا عن طرف ما، أو عن الموقف نفسه..... في هذا الأزمة نحاول معرفة الأطراف المختلفة وذلك من خلال قراءة المواقف السابقة لها وما الذي تسعى لتحقيقه مستقبلاً.
النظام الحاكم وحزبه:
يقوم النظام الحاكم، كما هو معروف، على سلسلة من المصالح المركبة لمجموعة واسعة من المجتمع اليمني، ويضم النظام الحزب الحاكم ومجموعات أخرى هي أسرة الرئيس صالح، والمشائخ، ورجال الأعمال، وعدد من قادة الجيش. لقد سعى النظام خلال عقود لحفظ هذه السلسلة وإن تبدلت الأشخاص أحياناً، فدفع بإمكانياته وسخرها لدعم أفراد هذه السلسلة في مقابل أن تقدم هي ما يلزم لدعم النظام وأستمراريته. حزب المؤتمر يضم عناصر مختلفة من الأيديلوجيات والتوجهات الفكرية التي يربطها شيء واحد هو المصلحة، وقد ساهمت هذه التركيبة في إستمرار المؤتمر وتعزيز سيطرته على الدولة والحياة السياسية في البلاد.
الرئيس صالح كان دائماً منخرطاً في المؤتمر، مسيراً له. كانت قرارات الرئيس جزءاً مهماً من المؤتمر، وكان أثره أكثر من مجرد رئيس لحزب فقد كان ينظر له دائماً على أنه هو الحزب. إستخدم الرئيس صالح الحزب في تنفيذ سياساته، وأستخدم أعضاء المؤتمر الحزب في تعزيز سلطاتهم والحصول على إمتيازات في الدولة وخارجها.
من يمثلون النظام الحاكم وأعضاء حزب المؤتمر لا شك يرون في ثورة التغيير خطراً كبيراً. الجميع لاشك شاهد ما حدث في تونس، وهم لا يرجون الا يكون مصيرهم مصير النظام التونسي. في هذه الصورة فئتين، الأولى مازالت تعتقد بإمكانية الوصول لحلول ما خاصة مع وجود مصادر القوة المختلفة (السلطة والمال- فهي ترى أنه يمكنها الصمود مهما كان الثمن)، أما الأخرى فآمنت بأن التغيير قادم لا محالة، فإما التعامل معه على نحو ما لا يضر بمصالحها، أو الهروب حيث لاتزال الفرصة سانحة.
شبكة المصالح للنظام والحزب الحاكم لازالت تقاوم، وستستمر. الإنقسامات في صفوفها لن تثنيها عن المحاولة لحماية مصالحها. الرئيس يمثل عنصراً هاماً، لكنه ليس كل شيء، فما زال لدى البقية الكثير ليقولونه ويفعلونه.
المشترك:
أحزاب اللقاء المشترك تآلف مؤقت من أحزاب يجمعها شيء واحد "الوقوف ضد نظام الرئيس صالح وحزبه"، فهي تختلف في توجهاتها وأهدافها، فحزب الإصلاح حزب ديني يسعى لإقامة دولة إسلامية ويعتبر أن الشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد الذي يجب أن يحكم الدولة والناس، بل ويرى أن السعي لإقامة دولة إسلامية في اليمن هو هدف "مقدس" يجب على كل إنسان السعي وراءه، ولا يرى حزب الإصلاح غضاضة في التحالف مع القبائل أو حتى "حزب الشيطان" وهو الحزب الإشتراكي مادام ذلك سيؤمن له الوصول للسلطة، كما لا يرى حزب الإصلاح-ممثلاً في جناحه الديني- في التحالف مع الفساد والمفسدين مشكلة، ويعتبر ذلك استراتيجية مرحلية، ولا شك أن تحالف الحزب الديني مع القبائل (في الوقت الذي يدعو في الإسلام لعدم العصبية) هو تكتيك مرحلي.
من جهة أخرى نجد الحزب الإشتراكي يعتمد على مبادئ إشتراكية يسارية في الظاهر، وهو حزب حكم جنوب اليمن عقوداً من الزمان معتمداً على تلك الأيديلوجية، وبرغم أنه فشل في نهاية الأمر وسعى نحو الوحدة في عام 1990م بعد أن انكشف الغطاء السوفيتي له إلا أنه إستمر بنفس الأيديلوجية يساعده في ذلك من تبقى من كوادره التي كانت على رأس السلطة في السنين الأولى للوحدة، ثم أنه أصبح يمثل "الجنوب" ومصالحه. الحزب الإشتراكي يسعى لإقامة دولة مدنية حديثة، يرفض التوجهات الدينية ويرى في اليمين ماضياً يجب أن نتجاوزه.
الأحزاب الصغيرة الأخرى في تحالف المشترك أثرها محدود جداً على الساحة اليمنية. أكبرها هو الحزب الناصري وهو أقرب إلى الإشتراكي منه إلى الإصلاح، وحزب الحق وهو حزب فئوي صغير، إضافة لحزبي البعث والقوى الشعبية وهما جزبان صغيران غير ممثلان في البرلمان.
أحزاب اللقاء المشترك إجتمعت على معارضة نظام الرئيس صالح، وأختلفت في وضع رؤية لكيفية التغيير. أتفقت على أن النظام الحالي لم يعد يلبي طموحات الناس، واختلفت في وضع بديل لتسويقه للناس. أحزاب اللقاء المشترك التي تمكن نظام صالح من إقصائها عن صنع القرار في البلد إستطاعت تكوين جبهة لمواجهته، وقد نجحت هذه الجبهة في الضغط على نظام صالح فاضطر للتحاور معها.
على مدى سنتين أو تزيد إستمرت الحرب السياسية والإعلامية بين صالح واللقاء المشترك، فتارة تهدأ وتارة تشتد. خلال السنتين حدث حوار بين الطرفين وعقدت إتفاقيات عدة نفذ القليل منها. كانت الأستراتيجية لدى الطرفين هي وضع الطرف الآخر في الزاوية للحصول على أعلى قدر من التنازلات، أستغل المشترك الأزمة في الجنوب وأزمة الحوثيين في الشمال وأزمة القاعدة للضغط على صالح، ولم يكن لدى أحزاب اللقاء المشترك ما تخسره وويظهر أن ذلك قد غاب عن نظام صالح فسعى للقيام بتعديلات دستورية وعقد الإنتخابات منفرداً. سعى المشترك بكل قواه لإحباط محاولة صالح فاستعان بالشارع الذي لم تكن إستجابته بالقوة المطلوبة، وبدا أن صالح سيكسب الرهان.
جاءت أحداث تونس ومصر لتفتح آفاقاً جديدة أمام المشترك. قام عدد من الشباب بحركتهم التي أكتسبت زخماً بعد سقوط نظام مبارك. في ذلك الوقت كان المشترك لازال يحاور صالح ويقول أنه يتفهم مطالب الشباب، وفجأة قرر المشترك قطع إتصالاته مع صالح ومساندة الشباب في مطلبهم "إسقاط النظام".
دعا الرئيس صالح المشترك للحوار مجدداً دون طائل، قدم تنازلات تلو التنازلات بعضها جاوزمتطلبات المشترك نفسه ولكن ذلك لم يغير موقف المشترك، وكان رد المشترك بأن "الوقت قد تأخر".
لا شك بأن حسابات المشترك المعقدة وراء رفضه العودة للحوار وفيما يلي بعضاً منها:
- تقف "قبائل الإصلاح" وراء الدعم الكبير لساحة التغيير وإتساعها، وقبائل الإصلاح كما هو معروف يدعمها المعارض المعروف حميد الأحمر الذي قال أنه لا يريد صالح في الحكم.
- للجناح الديني المنظم لحزب الإصلاح أثر واضح للعيان في ساحة التغيير بصنعاء بحيث يبدو المايسترو لما يحدث.
- لاتزال هناك فئة من الشباب الرافضين للأحزاب بشكل عام ودورهم في ساحة التغيير، وهؤلاء يرفضون دور الأحزاب ومن غير المتوقع أن يسيروا وراء ما تتخذه من قرارات.
- إنضمام علي محسن- حليف الإصلاح لحركة الإحتجاج.
- لازال حزب الرئيس يمتلك من المال والسلطة ما يجعله ورقة قوية في أي أنتخابات قادمة.
- أحزاب اللقاء المشترك، باستثناء الإصلاح، لا تملك المقومات التنظيمية والميدانية لكسب أيه إنتخابات قادمة، فحتى الإشتراكي الذي "يمثل الجنوب" لا ينتظر منه أن ينجح في إختبار الإنتخابات.
- أحزاب اللقاء المشترك مختلفة الأيديلوجيات والتوجهات ولا يمكن أن يجمعها في المستقبل شيء.
إذن فأحزاب اللقاء المشترك لا يمكنها التحاور مجدداً مع نظام صالح لتلك الأسباب مجتمعة، فحزب الإصلاح هو الحزب الرئيسي فيها وأثره عليها واضح، أضف إلى ذلك أنها تعلم أن أية ترتيبات مستقبلية ترتبط بالإنتخابات لن تفيدها، وقيامها بالتحاور مع صالح في هذه المرحلة قد يجعلها ضد "حركة الشباب" التي لا أحد يستطيع معرفة ما تنتهي إليه، حتى الشباب أنفسهم.
أحزاب اللقاء المشترك لن تذهب للحوار مع صالح إلا في حالة مشاركة الشباب وضمن صفقة تضمن لها "حصة من الكعكة" في المستقبل.
الشباب
الشباب يمثلون مجموعة من الأفراد الذين سئموا من الفساد، ورأوا أن التغيير ضرورة لازمة لتحسين الحياة في اليمن. الشباب دفعهم الحماس وما رأوه في تونس ومصر فرأوا في التغيير حلاً للمشاكل المتراكمة التي تعاني منها البلاد. الشباب سئموا من نظام الرئيس صالح وفشله في تلبية طموحات اليمنيين. سئموا من الوعود والخطط والبرامج التي لا تعود إلا بمزيد من البؤس. الشباب أفراد رأوا في ثورتي تونس ومصر أنموذجاً يمكن من خلاله ولوج اليمن لعهد جديد تسوده العدالة والحرية.
كما حدث في مصر وتونس، جاء الشباب مندفعاً بدعوى الحاجة "لاسقاط النظام"، جمعت الشباب الساحات، مساحات من الحرية لا حدود لها، كان يختلفون في أشياء كثيرة، منهم دفعه اليأس من المستقبل، ومنهم من دفعته البطالة، ومنهم من دفعه كرهه للفساد، ومنهم من رأي في الميدان فرصة للتعبير عن مكنونات نفسه أو إظهار إبداعه. أصبحت الساحات ملتق للشباب يسعون فيها لإثبات أنهم قادرون.
مثلما حدث في مصر، لم تتطور رؤية الشباب، ولم يتفقوا على شيء بإستثناء رغبتهم برحيل النظام. مرت الأيام في ساحات التغيير، وتوسعت، فقد الشباب جزء من سيطرتهم على ساحة التغيير في صنعاء لصالح الأحزاب وفئات أخرى. إختلطت الأوراق، ظهر شباب يحملون "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود..." وغيرها...
كون الشباب جماعات وجماعات تعبر عنهم، وظلت تلك الجماعات تفتقد للمشروع والرؤية.
البدون
أقصد بالبدون عامة الشعب اليمني الذي مازال محتاراً بين هذه الفئات. البدون هم أغلبية الشعب اليمني الذين "لاشك" يتوقون لمستقبل أفضل، هم يريدون التغيير، يريدون رحيل الفساد والفاسدين، يريدون مستقبلاً تسوده العدالة. ما هي حسابات البدون.
الخائفون: أولئك يرون في رحيل نظام صالح مخاطرة كبيرة بل ويرون أن إستمرار الحال مع بعض الإصلاحات كفيل بتلبية طموحاتهم، إنهم يتمنون ألا يحدث شيء.
المندفعون: تواقون للتغيير، يرون في الثورة والشباب الأمل في مستقبل جميل طالما حلموا به، أستهوتهم ثورة مصر، وزادت آمالهم بتغيير الحال، نفوسهم مع التغيير وعملهم لا يزيد عن التمني.
المحتارون: فئة تنظر للواقع بعين فاحصة:
- الثورة آمل وآمال، ووعود بمستقبل زاهر.
- النظام الحالي: نظام فاسد منهار لا بد أن يتغير.
إذن ما الذي يمنعهم من تحديد موقفهم؟
- أولاً عدم وجود رؤية لتغيير سلمي، فتضارب المصالح وأختلاف الفرقاء يجعل من الصعب أن يتفقوا على حل ما.
- ثانياً مخاطر فشل الثورة ليست في سقوط النظام من عدمه، بل في ركوب الفاسدين الموجه، وقد كثر عددهم ضمن "الثوار"، فما هي ضمانات نجاح الثورة التي لم تستطع حماية نفسها من الفاسدين؟... أضف لذلك المخاطر الأخرى من صراع متوقع بين أعضاء تحالف المشترك فيما بينهم، والصراع المتوقع مع بقايا النظام السابق.
إذن هؤلاء مع التغيير لكنهم كل يوم يفقدون ثقتهم في قدرة الثورة على التغيير...
كانت تلك محاولة للإستقراء ولا شك أن الأحداث كل يوم ستجعلنا نغير وجهة نظرنا مع تغير الحسابات لدى الفرقاء....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق