مازالت الأحداث تتسارع في اليمن، وكل يوم يأتي بمزيد من الغموض حول الوضع في اليمن، وبقدر هذا الغموض تزداد التساؤلات حول مختلف الأحداث والمواقف، وغالباً ما تختلط الأمور علينا فتارة نستنتج شيئاً، ثم سرعان ما نعيد النظر فيه. فيما يلي بعض التساؤلات الهامة التي تطرح ومحاولة لإستقراء بعض الإجابات:
- من الذي يسيطر على ساحة التغيير في صنعاء؟
وهو سؤال مهم يعبر عن الثورة وتفاعلاتها. في البداية كان الشباب بغض النظر عن إتجاهاتهم هم المسيطرون على الساحة، يديرون شؤونها، ويدبرون أمورها. هذا الوضع لم يدم لأكثر من أسبوعين إذ سرعان ما سيطرت عناصر حزب الإصلاح على إدارة الساحة، وبدا ذلك ماثلاً للعيان، وقد كان دور الإصلاح نتيجة لخبراته التنظيمية، وقد عملت عناصر الإصلاح على إشراك بقية الشباب وغيرهم في الإدارة من خلال اللجان المشتركة وإن احتفظ الإصلاح لنفسه بالدور الرئيسي.
زاد عدد المتواجدين من "رجال القبائل" في الساحة، وكانت كل جمعة تضيف العديد منهم، وجاءت هذه الزيادة على حساب الشباب، ولكن الأمور ظلت كما هي. عقب الجمعة المأساة التي قتل فيها عدد كبير من المتظاهرين سرعان ما أنزل علي محسن قواته "لحماية الساحة" كما قيل. منذ ذلك الحين أصبحت مداخل الساحة بشكل كامل تحت سيطرة قوات علي محسن. ماذا يعني ذلك؟
سيطرة قوات علي محسن على الساحة أمنياً كان يعني تعزيز سيطرة الإصلاح على الساحة، فالقدرات التنظيمية للجناح الديني في حزب الإصلاح، ثم تزايد عدد القبائل (الجناح القبلي للحزب)، ثم سيطرة عسكرية على الساحة (يمكن القول أنها تتبع ما أصبح يعرف بالجناح العسكري للحزب)....
- ما دور الشباب، الأحزاب، وبقية الفعاليات في ساحة التغيير؟
بدأ الشباب حركتهم وبادروا، وكان دورهم ومازال بمثابة الروح لهذه الثورة، أما الأحزاب فقد جاءت لتركب الموجة وجاءت مشاركتها مبنية على حسابات سياسية ومصلحية. بقية الفعاليات من جماعات وممثلي لمناطق وغيرها يختلف دورهم بأختلاف مواقعهم، فمنهم من يشارك تنظيمياً، ومنهم من لا يتعدى وجوده إشغال مساحة من الفضاء. إذن من الجهات المؤثرة في إتخاذ القرارات التي باتت مركزية في ساحة التغيير؟
- حزب الإصلاح بثقله التنظيمي والعددي والعسكري لا شك يلعب الدور الرئيسي.
- الحزب الناصري الذي يبدي ظهوراً ملحوظاً.
- القبائل سواء من المنظمين للإصلاح أو المستقلين.
- الحوثيين ومن يواليهم.
- المنشقين عن النظام السابق.
إضافة لعدد من العوامل، فإن قضية خطبة الجمعة تمثل مؤشراً لتقسيم "الساحة" حيث يقوم كل جمعة خطيب ممثل عن مركز من مراكز القوى في الساحة، ونلاحظ هنا غياب الشباب تماماً، فالخطب السابقة شملت الحوثيين والإصلاح ثم المنشقين عن النظام.
لا شك أن بعض المظاهر البسيطة توضح كيف تغيرت ساحة التغيير فاليوم إضافة للحكومة المركزية والأمن الذي يسيطر وضعت مزيد من القيود، فأصبح التصوير مثلاً ممنوع في الساحة، وذلك يعبر عن تحول جذري في طريقة التفكير ليست بالطبع من صنع الشباب.
- كيف يفكر "الفرقاء" في ساحة التغيير جماعياً، وعلى حدة؟
في ساحة التغيير "مخضرية" وهو تعبير يمني مشهور يعبر عن إختلاط الصالح بالطالح، وهذه المخضرية لا يمكن تصور إنفصام مكوناتها، فالمصلحة واحدة وتتمثل في رحيل نظام الرئيس صالح. يتفق الفرقاء بأن رحيل النظام صالح يجب أن يتم تحت الضغط وليس عبر ترتيب يتفق عليه، حيث يتفقون أن ذلك أكثر جدوى لهم عبر تسلم السلطة مباشرة وترتيب الأوراق للمرحلة المقبلة. الفرقاء قد إتفقوا ولا شك على "الحصص" في المرحلة المقبلة، وهو أتفاق يظل طي الكتمان لأسباب كثيرة لعل أهمها عدم تشتيت الفكر فيما سيأتي والتركيز على فكرة "رحيل النظام".
على المستوى الفردي يفكر كل عضو من أعضاء هذا التحالف في كيفية تعزيز موقفه، سواء خلال هذه الأزمة أو في المستقبل. كل عضو يرى بشكل مبدئي أنه "الأحق والأصلح" لتلبية تطلعات الشعب اليمني، وجميع الفرقاء (الإصلاح، الحوثيون، الإشتراكي، الناصري) لديهم أطر عقائدية تجعل من الصعب التنازل عنها. الإصلاح والحوثيون على السواء يراهنون على إستراتجية طويلة الأمد تضمن تفوقهم على الآخرين، فتنظيمهما يشمل جميع العناصر اللازمة لبناء "دولة" خاصة بعد إنضمام علي محسن رسمياً للثورة (للإصلاح)....
مازال لدينا "ثوار النظام الحاكم" وهم من العسكريين الذين ظهر إنتماؤهم لحزب الإصلاح، إضافة إلى عدد من المدنيين. هؤلاء يسعون من خلال "معرفتهم" إلى حماية إنفسهم، ولا شك أن ذلك لن يتم إلا من خلال إخذهم لدور في الثورة. ظهور حمود الهتار خطيباً للجمعة في ساحة التغيير لم يكن مفاجأة إلا للشباب الذين مازال الكثير منهم يتصور أنهم يمتلكوا زمام الأمور من خلال تواجدهم في الساحات....
- ما حكاية التفاوض والمفاوضات، وهل هناك من مخرج تفاوضي للأزمة؟
لا شك بوجود جهود تفاوضية غير رسمية ظلت دائماً محاطة بالسرية، فجميع من قام بتلك الجهود يخشى الفشل نتيجة لحساسية الموقف، لذا عمل الوسطاء بصمت. المؤكد أن عمليات الوساطة لم تسفر عن شيء، ويبدو أن الطرفين مازالا يراهنان على إحراز مزيد من المكاسب على حساب الآخر.
لا يبدو أن هناك مخرج تفاوضي على ضوء تطور الأحداث بالرغم من وجود "وساطة" خليجية أثير حولها الكثير من اللغط، فجاء وزير خارجية قطر ليعلن ما يراه بنوداً للإتفاق حتى قبل بدء أي محادثات. هذا الأمر أثار الإستغراب بل والأستهجان من الناس الذين كانوا يأملون جدية مثل هذه الجهود، فإذا هي تتحول لفرقعة إعلامية جديدة لا أحد يدري الهدف منها.
- ما قيمة التطورات المتلاحقة على الساحة والمتمثلة في خروج بعض المناطق عن سيطرة الدولة لمصلحة الحوثيين، وأخرى لمصلحة القاعدة، وثالثة لمصلحة الإصلاح؟
قلما تأخذ هذه التطورات إهتمام الإعلام سواء الرسمي أو المضاد. الإعلام الرسمي لا يريد يعلن إفلاسه من خلال الإعتراف بخروج مناطق واسعة عن سيطرته، أما الحوثيين والقاعدة والإصلاح فيرون أن الصمت سيفيد في تحقيق المزيد من المكاسب على الميدان، وعدم تشتيت الإنتباه عن "فكرة الرحيل".
- ما قيمة دخول القبائل على خط المواجهة بعد قيام قوات علي محسن بقتل العديد منهم، رجال الوساطة، متظاهرون مؤيدون للرئيس، وبعض القادة العسكريين؟
لا شك أن نظام الرئيس صالح يحاول إستخدام جميع الأوراق، ويبدو أن علي محسن قد "وقع في فخ" القبائل، فها هي عدد من القبائل تعلن الحرب عليه. إن تأثير القبائل على كل حال هو أثر مؤقت وسيعتمد على مدى قدرتها على حشد رجالها والوصول لعلي محسن.
- مملكة اللواء الأول مدرع إلى أين؟
تمتد سيطرة على حسن خارج نطاق المعسكر المعروف باللواء الأول مدرع، وهي مساحة محدودة على كل حال. إضافة للمعسكر كون على محسن درعاً بشرياً حول المعسكر بآلاف من البشر، وهو ما يعرف بساحة التغيير من الجهة الجنوبية، أما من الجهة الشمالية فتمتد مساحات جامعة الإيمان التابعة للإصلاح، وخلفها مساحات أخرى يمتلكها علي محسن حتى طريق عمران على بعد أكثر من 5 كيلومتر. إضافة لذلك فإن المنطقة المجاورة للجامعة يعرف عنها بوجود عدد كبير من قادة الإصلاح والمؤيدين له.
ماذا ننتظر من التغيير؟
الكثير من اليمنيين يرون في التغيير أمراً محتوماً وضرورياً، لكن لا أحد يستطيع التكهن بنتائج هذا التغيير. بالأمس كان الشباب يعلنون ثورة شاملة على الفساد، واليوم ذهبت هذه الأحلام أدراج الرياح، ولعل ذلك يرجع لما يلي:
- تخلي الشباب عن مبادئ الثورة مقابل الحصول على التأييد من مختلف فعاليات المجتمع.
- سيطرة الأحزاب المعارضة على الثورة وتجييرها لمصلحتها واستغلالها في سبيل تحقيق غايات سياسية.
- دخول فعاليات لا تمتلك التأييد وألتحاقها "بالثورة" مثل عناصر النظام السابق والحوثيون وغيرهم.
- دخول عناصر أخرى ضمن معادلة التغيير مثل القاعدة والحراك الجنوبي...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق