الأربعاء، 30 مارس 2011

ماذا يريد الشباب الثائر؟

ماذا يريد الشباب الثائر؟

30 مارس 2011

سؤال مهم يتردد عما يريده الشباب الثائر في مختلف أنحاء اليمن.  لعله من الصعب الوصول لقائمة موحدة بأهداف الشباب من الثورة، لكن الحديث معهم ومتابعة ما يصدر عنهم يوفر لنا بعض الإجابة عن هذا السؤال.

في تونس، كما في مصر، خرج الشباب وغير الشباب يطالبون بإسقاط نظامين الأول صادر حرية المجتمع ووضعها ضمن إطار حزب واحد ولمصلحة فرد واحد، أما الثاني فقد إستغل سلطته ليبقى على رأس الحكم، أعطى بعض الحرية للعامة، لكنه حارب الفعاليات السياسية، استخدم كل وسيلة متاحة لحماية نفسه، وحرم الآخرين من الوصول، إستخدم أجهزة الأمن لقمع معارضيه، وكون منظومة للحماية كان من الصعب إختراقها.

في اليمن خرج الشباب يطالبون بالتغيير، تغيير النظام.  خرج الناس يملؤهم الأمل أن يكون التغيير فرصة لتحقيق طموحاتهم المختلفة والوصول لمستقبل أفضل.  في اليمن أصبح الرئيس أيضاً هو الهدف للتغيير وذلك لأنه عمل على مدى سنوات في تعزيز سلطته عبر أفراد أسرته وأقربائه.  أكثر من 40 من أقرباء الرئيس يمسكون بمفاصل مدنية وعسكرية في البلد.  هذا البلد الذي يعاني من فشل إثر آخر.  إذن وضع الشباب هدفاً محدداً رأوا أنهم من خلاله سيحققون حلم التغيير.

جاء الرئيس ليقدم تنازلاً تلو الآخر، وظل الشباب على موقفهم... رحيل الرئيس.  رحيل الرئيس عن الحكم أصبح المطلب الرئيسي والوحيد.  ما يبدو أن الشباب لا يريد الحديث عنه هو ما بعد الرئيس (وفي إعتقادي أن ذلك بتأثير من أحزاب اللقاء المشترك التي تؤجل الحديث عما بعد الرئيس خوفاً من الصراع القادم فيما بينها).  رحيل الرئيس قد يؤدي لتغيير، ولكن هل هو التغيير الذي نطمح له.

عندما يتم النقاش يقول الشباب أنهم سيظلوا حتى لو رحل الرئيس لحين تحقيق جميع مطالبهم، آخذين بذلك تجربة الشباب في مصر كمثال. الإختلاف الذي يهمله الشباب هو عدم وجود قوة ضامنة مثل قوة الجيش في مصر.  فلو إفترضنا أن الرئيس سيرحل غداً، ولو إفترضنا تولى مجموعة ما زمام الأمور فما هي "السلطة" التي ستتمتع بها المجموعة الجديدة لكي تتمكن من تلبية طلبات الشباب، حتى ولو رغبت في ذلك؟.

الأمر الآخر أنني لاحظت أثناء النقاش مع الشباب حول أولئك الذين "ركبوا" موجة الثورة عدد من ردود الأفعال المختلفة:
المجموعة الأولى: ترى أن ركوب أولئك موجة الثورة يزيدها قوة وهو لن يؤثر عليها، لأن الشباب ضمانة لتحقيق أهداف الثورة.
المجموعة الثانية: تقول أن إستخدام الشباب لهؤلاء لا يعدو أن يكون إستراتيجية مرحلية، بل ويزعمون أنهم سيحاكمونهم مستقبلاً ويقتصوا منهم بما فعلوه في الماضي.
المجموعة الثالثة: وهي مجموعة لاحظت أنها تتسع في الفترة الأخيرة ترى أن الأحق بالسلطة هم الشباب أنفسهم، وهم من يجب أن يحكموا في المستقبل، دون الأحزاب وغيرها من مراكز القوى.

إذن فمطالب الشباب بالتغيير ليست مجرد تغيير أنظمة بل هو رغبة في تولي مقاليد الأمور، بحيث يصبح الشباب طرفاً في السلطة.  هذا التطور في فكر الشباب لم نره في مصر ولا في تونس.  السؤال هو هل الشباب جاهزون لتحمل مثل هذه المسؤولية؟  وما الذي دفعهم لهذا النوع من التفكير وهو أشبه بتفكير فئة تسعى للسلطة أكثر من جماعة ثورة تسعى لإصلاح الحال.

قاموس مصطلحات الثورة- الثورة

قاموس مصطلحات الثورة- الثورة

مصطلح الثورة راسخ في أذهان اليمنيين.  إنه يعني خروج عن المألوف، إنه يعني الحلم والأمل، إنه يعني محاربة الظلم وخلق واقع جديد.  الثورة تعبير عن رغبة جماعية في تخطي الواقع والسير نحو المستقبل.  الثورة تعبر مقاومة للتسلط والظلم.  الثورة مرادف لقلب النظام ووضع أسس جديدة للحكم، وهو مرادف لحراك وصراع ومعاناة ضرورية لتحقيق هذا الهدف.
 الثورة ترتبط بالتخطيط والتنظيم ووضع الأهداف من قبل مجموعة محدودة ليس بهدف الوصول للسلطة، بل بهدف الوصول لمصلحة للمجتمع.  الثورة ترتبط بالتضحية والشهادة.
الثورة ترتبط بالصراع الحتمي بين المؤيدين والمعارضين، وترتبط بالنكسة مثلما ترتبط بالنصر.
الثورة ترتبط بالانتهازيين والوصوليين الذين يركبون الموجة ويسعون للوصول لأهداف أنانية.
الثورة ترتبط بالشرفاء الذين يضحون ليس لتحقيق مآرب ذاتية، بل ليسعد الآخرون.
الثورة ترتبط بصراع حول السلطة ومراكز قوى تحاول كل منها أيجاد مكان لها على الخارطة الجديدة.
الثورة ترتبط بمن يستغلها وهم ليسوا ممن ضحوا لأجلها.
الثورة ترتبط بتغيير حتمي في العلاقات الأجتماعية وبحراك إجتماعي يطول أو يقصر.
الثورة ترتبط بفشل وخبية أمل.
والثورة ترتبط بنجاح وأمل ومستقبل....

قاموس مصطلحات الثورة - التغيير

قاموس مصطلحات الثورة- التغيير


30 مارس 2011

مع مرور الأيام تتغير المصطلحات وتتبدل.   الكلمات تبدأ بمعنى، وتنتهي بمعنى آخر.  في زمن كالذي نعيشه، ومع تغير وتبدل الأمور وتسارع الأحداث تختلط الأمور بسبب تغير المفاهيم والمعاني.  في هذه المساحة أحاول متابعة بعض المصطحات والكلمات المتداولة وربما محاولة فهم معناها وما يطرأ عليها.

التغيير:  من أهم الكلمات المتداولة ولعلها أهم كلمة ظهرت منذ بدايات شهر فبراير الماضي.  التغيير كلمة جذبت الملايين من اليمنيين على مختلف أهوائهم وثقافاتهم.  التغيير في بادئ الأمر فهم منه إستبدال الأسس السليمة بأسس بالية أوصلت اليمن إلى حافة الهاوية.  التغيير كان يعني التخلص من نظام فاسد إستمر لسنوات معتمداً على تخريب القيم الأخلاقية للناس، ومستخدماً مقولة "الغاية تبرر الوسيلة" لتحقيق بقائه، بحيث أصبح بقاؤه هو الهدف دون سواه.
التغيير كان يعني إنشاء نظام جديد لا يعتمد على قوى التأثير في البلد، بل يعتمد على قاعدة العدل والمصلحة العامة.  نظام تذوب فيه الفئات تحت مظلة العدل والقانون.  نظام يكون فيه الفرد حراً، ويكون فيه الحاكم أجيراً يؤدي عمله.  نظام يتساوى فيه الجميع أمام القانون ولا يستثنى منه غني ولا شيخ ولا رئيس.
التغيير كان يعني إستثناء أولئك الذين أساءوا للبلد والناس.  أولئك الذي عطلوا القانون، استغلوا سلطاتهم لمصالح ذاتية، نهبوا المال العام والخاص، عطلوا مصالح الناس، استخدموا الدولة لتنفيذ أجنداتهم الخاص، وظلوا دائماً خارج نطاق المساءلة والعقاب.
التغيير كان يعني صنع آفاق جديدة تنطلق منه اليمن من نظام سياسي يشمل الجميع، إلى نظام إقتصادي وإجتماعي عادل، يوفر فرص النمو ويخلق للناس مستقبلاً يليق بكل مجتهد.
التغيير كان يعني معاقبة ومحاسبة كل من أساء بحسب إساءته.  إعطاء كل ذي حق حقه.
هذا هو التغيير كما فهمه عامة الناس منذ بداية الثورة منذ أسابيع، والآن لنتساءل ما بقي منه مع مرور الأيام.
التغيير الآن هو: سقوط علي عبدالله صالح.. هذا هو المرادف للتغيير في ذهن الشباب وغيرهم مع مرور ستة أسابيع من عمر الثورة.  لقد توارت الأهداف الأخرى مع تطور الأحداث.
الأحزاب المعارضة والمتناقضة، الفاسدون، المرتشون، المتنفذون، أعمدة النظام الحالي، وآخرون في الطريق هم الآن من أعمدة للثورة، وسط ترحيب.
أفق التغيير تضيق كل يوم، وآمال التغيير تتحول إلى كابوس يؤرق الحالمين.

الأحد، 27 مارس 2011

حسابات الفرقاء والبدون في اليمن.... !

حسابات الفرقاء والبدون في اليمن ..


25 مارس 2011م

مع تسارع الأحداث في اليمن تتجه الأطراف المختلفة لإتخاذ مواقف ما، عادة ما تكون هذه المواقف مفهومة فلكل طرف غايات معروفة ومفهومة، ولكل طرف وضع يحتم عليه إتخاذ موقف معين.  في أوقات كثيرة تختلط علينا الصورة، ونجد أننا لا نفهم موقف طرف ما، وذلك ربما يرجع لنقص المعلومات التي تصلنا عن طرف ما، أو عن الموقف نفسه..... في هذا الأزمة نحاول معرفة الأطراف المختلفة وذلك من خلال قراءة المواقف السابقة لها وما الذي تسعى لتحقيقه مستقبلاً.

النظام الحاكم وحزبه:
يقوم النظام الحاكم، كما هو معروف، على سلسلة من المصالح المركبة لمجموعة واسعة من المجتمع اليمني، ويضم النظام الحزب الحاكم ومجموعات أخرى هي أسرة الرئيس صالح، والمشائخ، ورجال الأعمال، وعدد من قادة الجيش.  لقد سعى النظام خلال عقود لحفظ هذه السلسلة وإن تبدلت الأشخاص أحياناً، فدفع بإمكانياته وسخرها لدعم أفراد هذه السلسلة في مقابل أن تقدم هي ما يلزم لدعم النظام وأستمراريته.  حزب المؤتمر يضم عناصر مختلفة من الأيديلوجيات والتوجهات الفكرية التي يربطها شيء واحد هو المصلحة، وقد ساهمت هذه التركيبة في إستمرار المؤتمر وتعزيز سيطرته على الدولة والحياة السياسية في البلاد.
الرئيس صالح كان دائماً منخرطاً في المؤتمر، مسيراً له.  كانت قرارات الرئيس جزءاً مهماً من المؤتمر، وكان أثره أكثر من مجرد رئيس لحزب فقد كان ينظر له دائماً على أنه هو الحزب.  إستخدم الرئيس صالح الحزب في تنفيذ سياساته، وأستخدم أعضاء المؤتمر الحزب في تعزيز سلطاتهم والحصول على إمتيازات في الدولة وخارجها.
من يمثلون النظام الحاكم وأعضاء حزب المؤتمر لا شك يرون في ثورة التغيير خطراً كبيراً.  الجميع لاشك شاهد ما حدث في تونس، وهم لا يرجون الا يكون مصيرهم مصير النظام التونسي.  في هذه الصورة فئتين، الأولى مازالت تعتقد بإمكانية الوصول لحلول ما خاصة مع وجود مصادر القوة المختلفة (السلطة والمال- فهي ترى أنه يمكنها الصمود مهما كان الثمن)، أما الأخرى فآمنت بأن التغيير قادم لا محالة، فإما التعامل معه على نحو ما لا يضر بمصالحها، أو الهروب حيث لاتزال الفرصة سانحة.
شبكة المصالح للنظام والحزب الحاكم لازالت تقاوم، وستستمر.  الإنقسامات في صفوفها لن تثنيها عن المحاولة لحماية مصالحها.  الرئيس يمثل عنصراً هاماً، لكنه ليس كل شيء، فما زال لدى البقية الكثير ليقولونه ويفعلونه.

المشترك:
أحزاب اللقاء المشترك تآلف مؤقت من أحزاب يجمعها شيء واحد "الوقوف ضد نظام الرئيس صالح وحزبه"، فهي تختلف في توجهاتها وأهدافها، فحزب الإصلاح حزب ديني يسعى لإقامة دولة إسلامية ويعتبر أن الشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد الذي يجب أن يحكم الدولة والناس، بل ويرى أن السعي لإقامة دولة إسلامية في اليمن هو هدف "مقدس" يجب على كل إنسان السعي وراءه، ولا يرى حزب الإصلاح غضاضة في التحالف مع القبائل أو حتى "حزب الشيطان" وهو الحزب الإشتراكي مادام ذلك سيؤمن له الوصول للسلطة، كما لا يرى حزب الإصلاح-ممثلاً في جناحه الديني- في التحالف مع الفساد والمفسدين مشكلة، ويعتبر ذلك استراتيجية مرحلية، ولا شك أن تحالف الحزب الديني مع القبائل (في الوقت الذي يدعو في الإسلام لعدم العصبية) هو تكتيك مرحلي.
من جهة أخرى نجد الحزب الإشتراكي يعتمد على مبادئ إشتراكية يسارية في الظاهر، وهو حزب حكم جنوب اليمن عقوداً من الزمان معتمداً على تلك الأيديلوجية، وبرغم أنه فشل في نهاية الأمر وسعى نحو الوحدة في عام 1990م بعد أن انكشف الغطاء السوفيتي له إلا أنه إستمر بنفس الأيديلوجية يساعده في ذلك من تبقى من كوادره التي كانت على رأس السلطة في السنين الأولى للوحدة، ثم أنه أصبح يمثل "الجنوب" ومصالحه.  الحزب الإشتراكي يسعى لإقامة دولة مدنية حديثة، يرفض التوجهات الدينية ويرى في اليمين ماضياً يجب أن نتجاوزه.
الأحزاب الصغيرة الأخرى في تحالف المشترك أثرها محدود جداً على الساحة اليمنية.  أكبرها هو الحزب الناصري وهو أقرب إلى الإشتراكي منه إلى الإصلاح، وحزب الحق وهو حزب فئوي صغير، إضافة لحزبي البعث والقوى الشعبية وهما جزبان صغيران غير ممثلان في البرلمان.
أحزاب اللقاء المشترك إجتمعت على معارضة نظام الرئيس صالح، وأختلفت في وضع رؤية لكيفية التغيير.  أتفقت على أن النظام الحالي لم يعد يلبي طموحات الناس، واختلفت في وضع بديل لتسويقه للناس.  أحزاب اللقاء المشترك التي تمكن نظام صالح من إقصائها عن صنع القرار في البلد إستطاعت تكوين جبهة لمواجهته، وقد نجحت هذه الجبهة في الضغط على نظام صالح فاضطر للتحاور معها.
على مدى سنتين أو تزيد إستمرت الحرب السياسية والإعلامية بين صالح واللقاء المشترك، فتارة تهدأ وتارة تشتد.  خلال السنتين حدث حوار بين الطرفين وعقدت إتفاقيات عدة نفذ القليل منها.  كانت الأستراتيجية لدى الطرفين هي وضع الطرف الآخر في الزاوية للحصول على أعلى قدر من التنازلات، أستغل المشترك الأزمة في الجنوب وأزمة الحوثيين في الشمال وأزمة القاعدة للضغط على صالح، ولم يكن لدى أحزاب اللقاء المشترك ما تخسره وويظهر أن ذلك قد غاب عن نظام صالح فسعى للقيام بتعديلات دستورية وعقد الإنتخابات منفرداً.  سعى المشترك بكل قواه لإحباط محاولة صالح فاستعان بالشارع الذي لم تكن إستجابته بالقوة المطلوبة، وبدا أن صالح سيكسب الرهان.

جاءت أحداث تونس ومصر لتفتح آفاقاً جديدة أمام المشترك.  قام عدد من الشباب بحركتهم التي أكتسبت زخماً بعد سقوط نظام مبارك.  في ذلك الوقت كان المشترك لازال يحاور صالح ويقول أنه يتفهم مطالب الشباب، وفجأة قرر المشترك قطع إتصالاته مع صالح ومساندة الشباب في مطلبهم "إسقاط النظام".

دعا الرئيس صالح المشترك للحوار مجدداً دون طائل، قدم تنازلات تلو التنازلات بعضها جاوزمتطلبات المشترك نفسه ولكن ذلك لم يغير موقف المشترك، وكان رد المشترك بأن "الوقت قد تأخر".

لا شك بأن حسابات المشترك المعقدة وراء رفضه العودة للحوار وفيما يلي بعضاً منها:
- تقف "قبائل الإصلاح" وراء الدعم الكبير لساحة التغيير وإتساعها، وقبائل الإصلاح كما هو معروف يدعمها المعارض المعروف حميد الأحمر الذي قال أنه لا يريد صالح في الحكم.
- للجناح الديني المنظم لحزب الإصلاح أثر واضح للعيان في ساحة التغيير بصنعاء بحيث يبدو المايسترو لما يحدث.
- لاتزال هناك فئة من الشباب الرافضين للأحزاب بشكل عام ودورهم في ساحة التغيير، وهؤلاء يرفضون دور الأحزاب ومن غير المتوقع أن يسيروا وراء ما تتخذه من قرارات.
- إنضمام علي محسن- حليف الإصلاح لحركة الإحتجاج.
- لازال حزب الرئيس يمتلك من المال والسلطة ما يجعله ورقة قوية في أي أنتخابات قادمة.
- أحزاب اللقاء المشترك، باستثناء الإصلاح، لا تملك المقومات التنظيمية والميدانية لكسب أيه إنتخابات قادمة، فحتى الإشتراكي الذي "يمثل الجنوب" لا ينتظر منه أن ينجح في إختبار الإنتخابات.
- أحزاب اللقاء المشترك مختلفة الأيديلوجيات والتوجهات ولا يمكن أن يجمعها في المستقبل شيء.

إذن فأحزاب اللقاء المشترك لا يمكنها التحاور مجدداً مع نظام صالح لتلك الأسباب مجتمعة، فحزب الإصلاح هو الحزب الرئيسي فيها وأثره عليها واضح، أضف إلى ذلك أنها تعلم أن أية ترتيبات مستقبلية ترتبط بالإنتخابات لن تفيدها، وقيامها بالتحاور مع صالح في هذه المرحلة قد يجعلها ضد "حركة الشباب" التي لا أحد يستطيع معرفة ما تنتهي إليه، حتى الشباب أنفسهم.

أحزاب اللقاء المشترك لن تذهب للحوار مع صالح إلا في حالة مشاركة الشباب وضمن صفقة تضمن لها "حصة من الكعكة" في المستقبل.

الشباب
الشباب يمثلون مجموعة من الأفراد الذين سئموا من الفساد، ورأوا أن التغيير ضرورة لازمة لتحسين الحياة في اليمن.  الشباب دفعهم الحماس وما رأوه في تونس ومصر فرأوا في التغيير حلاً للمشاكل المتراكمة التي تعاني منها البلاد.  الشباب سئموا من نظام الرئيس صالح وفشله في تلبية طموحات اليمنيين.  سئموا من الوعود والخطط والبرامج التي لا تعود إلا بمزيد من البؤس.  الشباب أفراد رأوا في ثورتي تونس ومصر أنموذجاً يمكن من خلاله ولوج اليمن لعهد جديد تسوده العدالة والحرية.
كما حدث في مصر وتونس، جاء الشباب مندفعاً بدعوى الحاجة "لاسقاط النظام"، جمعت الشباب الساحات، مساحات من الحرية لا حدود لها، كان يختلفون في أشياء كثيرة، منهم دفعه اليأس من المستقبل، ومنهم من دفعته البطالة، ومنهم من دفعه كرهه للفساد، ومنهم من رأي في الميدان فرصة للتعبير عن مكنونات نفسه أو إظهار إبداعه.  أصبحت الساحات ملتق للشباب يسعون فيها لإثبات أنهم قادرون.
مثلما حدث في مصر، لم تتطور رؤية الشباب، ولم يتفقوا على شيء بإستثناء رغبتهم برحيل النظام.  مرت الأيام في ساحات التغيير، وتوسعت، فقد الشباب جزء من سيطرتهم على ساحة  التغيير في صنعاء لصالح الأحزاب وفئات أخرى.  إختلطت الأوراق، ظهر شباب يحملون "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود..." وغيرها...
كون الشباب جماعات وجماعات تعبر عنهم، وظلت تلك الجماعات تفتقد للمشروع والرؤية.

البدون
أقصد بالبدون عامة الشعب اليمني الذي مازال محتاراً بين هذه الفئات.  البدون هم أغلبية الشعب اليمني الذين "لاشك" يتوقون لمستقبل أفضل، هم يريدون التغيير، يريدون رحيل الفساد والفاسدين، يريدون مستقبلاً تسوده العدالة.  ما هي حسابات البدون.

الخائفون: أولئك يرون في رحيل نظام صالح مخاطرة كبيرة بل ويرون أن إستمرار الحال مع بعض الإصلاحات كفيل بتلبية طموحاتهم، إنهم يتمنون ألا يحدث شيء.
المندفعون: تواقون للتغيير، يرون في الثورة والشباب الأمل في مستقبل جميل طالما حلموا به، أستهوتهم ثورة مصر، وزادت آمالهم بتغيير الحال، نفوسهم مع التغيير وعملهم لا يزيد عن التمني.
المحتارون: فئة تنظر للواقع بعين فاحصة:
- الثورة آمل وآمال، ووعود بمستقبل زاهر.
- النظام الحالي: نظام فاسد منهار لا بد أن يتغير.
إذن ما الذي يمنعهم من تحديد موقفهم؟
- أولاً عدم وجود رؤية لتغيير سلمي، فتضارب المصالح وأختلاف الفرقاء يجعل من الصعب أن يتفقوا على حل ما.
- ثانياً مخاطر فشل الثورة ليست في سقوط النظام من عدمه، بل في ركوب الفاسدين الموجه، وقد كثر عددهم ضمن "الثوار"، فما هي ضمانات نجاح الثورة التي لم تستطع حماية نفسها من الفاسدين؟... أضف لذلك المخاطر الأخرى من صراع متوقع بين أعضاء تحالف المشترك فيما بينهم، والصراع المتوقع مع بقايا النظام السابق.
إذن هؤلاء مع التغيير لكنهم كل يوم يفقدون ثقتهم في قدرة الثورة على التغيير...


كانت تلك محاولة للإستقراء ولا شك أن الأحداث كل يوم ستجعلنا نغير وجهة نظرنا مع تغير الحسابات لدى الفرقاء....

الجمعة، 25 مارس 2011

جمعة الهدوء

جمعة الهدوء

25 مارس 2011م

إختلف الفرقاء حول تسمية جمعتنا المباركة هذه، ولعل هذا الإختلاف يعبر عن تغير في المواقف، إختلف المعتصمون من المشترك والشباب فمنهم من سماها بجمعة الزحف، ومنهم من سماها جمعة الرحيل، بينما أتى النظام هذه المرة بتسمية لامست حاجة اليمنيين، ونجحت في إستدرار تعاطفهم فسماها جمعة التسامح.

كان معظم الناس في العاصمة صنعاء يتمنون ألا تأتي هذه الجمعة التي توجسوا شراً منها حيث كانت النفوس مشحونة، والتوقعات تنذر بكارثة وشيكة، خاصة بعد ما حدث خلال الجمعة السابقة من سقوط عشرات القتلي والتداعيات التالية لذلك خلال الأسبوع من إنقسام الجيش.  الآلاف غادروا العاصمة فعلاً، وآخرون جهزوا أنفسهم للأسوأ.  أعلن النظام رسمياً عن دعوته للناس للتوجه لساحة السبعين لإظهار التأييد "للدستور" ورفض " الإنقلاب والفوضى".  كانت دعوة النظام للناس للمشاركة في "درء الفتنة".

في المقابل حشد الشباب طاقاتهم، وكذلك أحزاب المشترك وكانوا هذه المرة مختلفين حول تسمية الجمعة.  جاءت تصريحات أحد قادة حزب الإصلاح بإسم المعتصمين في ساحة التغيير بتسمية الجمعة بجمعة الزحف وإعلانه أن المعتصمين سيدخلون للرئيس حتى غرفة نومه لتثير سخط الشباب الذين رأوا أن المشترك يستأثر بالموقف.  أصر الشباب على تسمية جمعة الرحيل، وقالوا أنهم لن يتجهوا لقصر الرئاسة.

الإستقطاب من قبل الطرفين طال الشارع، فالنظام استخدم جميع وسائله لدعوة الناس للمشاركة، وكذلك الطرف الآخر لعبت قناة الجزيرة المنبر الذي دعا من خلال الناس لدعم الثورة في ساحة التغيير.  ظلت الآمال معلقة بأن يحدث شيء ما يمنع المواجهة بين الطرفين.  ترددت الأنباء عن إتفاقات تحت الطاولة وتفاوض وغيره، ومرت الساعات، وجاءت الجمعة دون أن يحدث شيء.

صباح الجمعة في صنعاء بدا كئيباً.  الشمس لم تشرق كما هي عادتها، وساد المدينة هدوء نسبي.  مع إقتراب صلاة الجمعة بدأت الحركة كثيفة، من الناس من يتجه نحو ميدان التغيير، ومنهم ما كان متجهاً لميدان السبعين.  مع بدء صلاة الجمعة إتضحت الصورة:
ميدان التغيير كعادته يمتلئ بالناس،
وميدان السبعين أيضاً يمتلئ بالحشود، ولأول مرة.
ميدان التغيير لم يشهد الزخم الذي شهده الجمعة السابقة، وميدان السبعين يفاجئ الجميع....

البعض قال أن المئات الآلاف من المحتشدين في ميدان السبعين هم من "المرتزقة" و "العملاء" و "البلاطجة" و "أفراد الأمن".. إلخ... البعض (مثل قناة الجزيرة دراما) أصر على التقليل من أعداد المحتشدين أو وصفهم بالرجعيين الذين لا يؤمنون بالتغيير... أما البعض فقد ذهب إلى حد القول بأن الأمر لا يعدو "صورة تلفزيونية مدبلجة" وأن الميدان لم يشهد شيئاً مما ظهر على الشاشة!!

أياً كان الأمر، فقد فاجأ الحشد الجميع، بل أزعم أنه فاجأ حتى النظام نفسه، والرئيس الذي قدم قبل يوم واحد تنازلات جديدة بقبوله بشروط أحزاب المشترك، ولعله ما كان ليقدم على ذلك لو كان على ثقة بنجاح هذا الحشد.  هذا الحشد فاجأ الجميع هذه المرة فهو في يوم جمعة حيث لا "حوافظ دوام" ولا وسيلة للضغط، وحيث من المستحيل "دفع المعلوم"، وحيث لا يمكن أيضاً تصور أنهم من الجنود فالرئيس لن يغامر بدفع جنوده إلى الساحة بينما هو في أمس الحاجة إليهم في هذه الأيام.  جاء  الحشد بعد تخلي أعداد متزايدة من المسئولين عن النظام خلال الأسبوع المنصرم.

إذن نجح الرئيس صالح للمرة الأولى في إيقاف عجلة الزمن، أقول أيقاف عجلة الزمن وليس عكس أتجاهها.  نجح في إثبات أن هناك الملايين ممن يقفون خلفه، وممن يعارضون "ثورة الشباب" التي أصبحت "ثورة الشباب والقبائل والعسكر".  لعل السؤال الأول المطروح: ما سبب نجاح نظام الرئيس صالح في تنظيم هذا الحشد بعد أن بدا مفلساً خلال أسابيع من الإحتجاجات؟.

لقد نجح النظام في تنظيم هذا الحشد لعدة أسباب لعل أهمها أن أعمدة النظام التي قررت البقاء بجانب الرئيس رأت في هذا الفرصة الأخيرة لحفظ مصالحها والدفاع عنها، لذا فقد بذلت كل ما في وسعها لإنجاح هذا المسعى.  السبب الثاني هو بدء التململ من قبل الشارع، خاصة أولئك الذين لا ينتمون للنظام أو للتغيير من الوضع، فها هو الأسبوع السادس يمر دون حدوث إنفراج، وبدأ الناس يحسون بثقل الأزمة سواء إقتصادياً أو حتى نفسياً.  الجمعة السابقة أثقلت الناس بجرحها، وأنقسام الجيش زاد من إمكانية حدوث مواجهة عسكرية لا يحمد عقباها.  السبب الثالث هو حدوث تغير، كما أزعم، في مواقف الكثيرين تجاه "الثورة" ويرجع ذلك لإنضمام أعداد متزايده من أصحاب المصالح والفاسدين للثورة، وتوج ذلك بإنضمام أحد أهم قادة الجيش اليمني.  ترحيب "الثوار" بهؤلاء جعل الكثيرين يشككون في الثورة ومقاصدها.  هناك أسباب أخرى تتمثل في نجاح أجهزة الأعلام الرسمية في استعادة بعض الثقة على إثر موجة الأخبار المضللة عن الاستقالات الجماعية التي قادتها بعض القنوات، أضف إلى ذلك الطريقة الأستفزازية التي طرح بها عضو حزب الإصلاح الدعوة للزحف "لغرفة نوم" الرئيس.

يخطىء من يقول بأن من أحتشدوا لميدان السبعين هم من مؤيدي الرئيس صالح ونظامه، بل أزعم أن أغلبيتهم جاء للميدان للأسباب السابقة، فهم تعبوا من الأزمة وخافوا من حدوث مواجهات عسكرية، أضف إلى ذلك أنهم فقدوا الثقة في إمكانية حدوث تغيير على يد ثورة تستقطب "نفس وجوه الفساد" بل وترحب بهم.  والتأكيد هنا على أن المحتشدين في ميدان السبعين لا شك يريدون التغيير، مثل غالبية اليمنيين، لكنهم فقدوا ثقتهم بالشباب.

جمعة الهدوء إذن .. نشكر الله أن مرت بسلام.. ونرجو أن يعيد الجميع حساباتهم وينظروا لأبعد من مصالحهم الآنية الذاتية... فالمستقبل يمكن أن يتسع للجميع، والتغيير مفروغ منه...

الخميس، 24 مارس 2011

ثورة الشباب... والقبائل والعسكر


ثورة الشباب... والقبائل والعسكر

"الثورة يقوم بها الشرفاء ويستفيد منها الأوغاد" مقولة مشهورة لم أتمكن من معرفة صاحبها، مقولة طالما سمعتها عن ثورة سبتمبر 1962م وغيرها من الثورات العربية ونحن نعيش الإنتكاسة تلو الأخرى منذ أفول زخم الثورة العربية في منتصف القرن الماضي.  لم أكن أتصور أنني سأعايش عهداً آخر للثورة والثورات العربية في القرن العشرين لم يمض عليها نصف قرن من الزمان.
ثورات العالم العربي لم تصمد كثيراً، فسرعان ما أنحرفت عن مسارها وتحولت لخدمة أنظمة مستبدة، وبخلاف الثورة الفرنسية التي مازال العالم يتغنى بها لليوم، سرعان ما بدأ التشكيك في الثورات التي إجتاحت العالم العربي منتصف القرن الماضي.  خلال أقل من نصف قرن رأينا المصريون يترحمون على العهد الملكي، واليمنيون يتساءلون إن كان حالهم الآن أفضل مما لو بقيت الإمامة والإستعمار، وهكذا في بقية الدول العربية التي فشلت في تحقيق أدنى طموحات شعوبها.  الكثيرون أصبحوا ينظروا للثورة كعدو، بل وزعم البعض أن الثورة قوضت الكثير من الأشياء الجميلة وخلقت واقعاً مضطرباً لم يتمكن من تحقيق شيء.
هل فشل الأنظمة أدى إلى فشل الثورات العربية، أم أن فشل الثورات هو من جاء بهذه الأنظمة؟  لا شك أن القضية جدلية!
تجتاح العالم العربي في الوقت الحاضر ثورات جديدة في شكلها، جديدة في مضمونها، وبالرغم من تباين الأحوال في مختلف الأقطار العربية إلا أن القاسم المشترك هو خذلان الأنظمة العربية لطموحات الشعوب.  الثورة بدأت في تونس لتنتقل مثل "النار في الهشيم" إذا صح التعبير لبقية دول العالم العربي، ولم يجدي ما قامت به الأنظمة من إجراءات إسعافية، ولن تنفع عمليات التجميل التي تتم إلا أنها قد نتجح في تأخير وقت الثورة.

في اليمن، حيث كان الإحتقان السياسي على أشده، جاءت ثورة مصر لتضيف الزيت على النار.  خرج الشباب، وكان خروجهم مفاجئاً حتى للمعارضة نفسها التي ظلت حتى تنحي مبارك عن السلطة تطالب النظام بالإصلاحات، وكان أقصى طموحاتها أن تتمكن من وضع أسس مناسبة لإنتخابات نزيهة.  سرعان ما تطورت حركة الشباب وأكتسبت زخماً برغم أن مطالبهم لم تكن سوى "تقليداً" لمطالب الشباب في مصر، وبالرغم من إختلاف الظروف فإن هذه الحركة سرعان ما أكتسبت تأييداً من أعداد متزايدة.

رأى تكتل أحزاب اللقاء المشترك، وهو أكبر الحركات المعارضة الذي كان يتفاوض مع نظام الرئيس صالح، أن "يترك الأمر للشارع" في بداية الأمر، ثم عاد بعد أيام "ليعلن تأييده لحركة الشباب وإنضمامه إليها".  هذا التحول المفاجئ في موقف المشترك يفسره موقف أسرة الشيخ عبدالله الأحمر، وهو موقف يعبر عن قطاعات واسعة من القبائل، ولا يخفى على أحد دور هذه الأسرة في حزب الإصلاح الإسلامي المعارض (احد أحزاب المشترك).  أضف إلى ذلك أن أسرة الشيخ الأحمر التي تملك أثراً سياسياً كبيراً ظلت على مدى ثلاثة عقود في تحالف مع الرئيس صالح وإعلانها إنفصام هذا التحالف كان يعني إنقلاباً في موازين القوى، لم يكن لأحزاب اللقاء المشترك أن تتركه دون أستغلال بعد أن اكتسب مصدراً جديداً للتأثير.

سرعان ما سيطرت أحزاب اللقاء المشترك على "ساحة التغيير" الرئيسية في صنعاء لعدة أسباب لعل أبرزها القدرات التنظيمية لحزب الإصلاح والتي كانت ضرورية لإستمرار حركة الإحتجاج، ثم الدعم الذي قدمته أسرة الشيخ الأحمر وقبائلها، وأخيراً فإن أعضاء التكتل الين يمثلون أطيافاً سياسية متعددة ألقى بزخم جديد إلى الساحة.

ساحة التغيير الرئيسية في صنعاء هي مسرح يمكن للمرء أن يلحظ فيه تغير "الثورة" وما يطرأ عليها، وهو مشهد فريد من نوعه.

في الأيام الأولى كانت الساحة ملتقً للشباب، تملؤه الحيوية والنشاط، كانت الأمور تتبلور.  كان الشباب يسيطرون على الساحة، يسيطرون على مداخلها، ويسيطرون على قلبها.  يتأكدون عند الدخول من عدم وجود السلاح لدى الزائر، يرحبون به، كانت الخيام تنصب والشباب يروحون ويجيئون، كان الشباب يعبر عن نفسه من خلال إبداعات تنوعت، فمنهم الرسام صنع لوحاته وأبدعها، ومنهم المتحدث أعتلى منصته وجهر بكلماته، ومنهم الفنان ترنم بأناشيده وسخر بفكاهته، ومنهم الرياضي يقود فريقه، ولا ننسى المخزن على الرصيف وما حمله رأسه من هموم.

تجد في كل ركن من الساحة شاباً أو مجموعة من الشباب يبهرونك بحماسهم وجدهم، كأنهم يبنون بسواعدهم عالماً جديداً.  منهم من ينصب الخيام، ومنهم من يهتم بالأمن ومنهم من يهتم بالإعلام وحتى النظافة كان لها نصيب كبير من جهد الشباب.  كانت تعبيرات الشباب تتوزع وتتنوع بتنوع المجتمع اليمني، وكان الفضاء مفتوحاً، وكان وسط الساحة يلتهب بالأغاني الوطنية وهتافات: "الشعب يريد إسقاط النظام".  الزوار من شباب وكهول ونساء وأطفال يأتون، يلقون كلمهاتهم يبعثون الحماس، يعبرون عن مشاكلهم وطموحاتهم وسط هتافات وتشجيع... أصبح لمن ليس لهم صوت أن يعبروا على الملأ وأن يقولوا ما يشاءون، كان الجميع يتحرك بحرية، الشباب والشابات، الرجال والنساء، كان الكل يحترم الكل، كانت الساحة مهرجاناً مفتوحاً مليئاً بالحيوية لم تر له اليمن مثيلاً.

أسبوع، أسبوعان، ثلاثة، خمسة، تمر الأيام وتنظم للساحة جماعات جديدة وأفراد، المهنيون،ـ ممثلو الحارات والمناطق في صنعاء وغيرها، المثقفون، الأكاديميون وأخيراً التكتلات السياسية التي أنظم لها المشترك بأحزابه.  كان يمكن ملاحظة الخيام تزيد وتنصب كل يوم، ونطاق الساحة يتسع، وكانت كل جمعة تحمل زخماً جديداً تأتي به القبائل من خارج صنعاء، فيزيد عدد المعتصمين منهم.

توسعت الساحة وزاد عدد الخيام، وكذلك المعتصمين، تغيرت الوجوه وتبدلت، أصبح أفراد الجيش هم الذي يتولون تفتيش الداخلين للساحة، سرعان ما تلحظ تبدل الوجوه فرجال القبائل بأزيائهم التقليدية يروحون ويرجعون، ولكن الأغلبية تحت سقوف الخيام، يمضغون القات ويدخنون.  زاد عدد المخزنين إذن، وقل عدد الرياضيين الذين كانوا يملأون الساحة نشاطاً.  إنتشرت المخلفات، وظهرت لوحات تحث على النظافة!... مقاطع من الساحة لم تعد تختلف عن جارتها تلك... في التحرير..

منذ دخول الساحة تلتقي أذنيك بخطاب عبر مايكروفون، بعضهم يلقون كلمات، بعضهم يعلن إنضمامه للثورة.  تسير مسافة وأنت تبحث عن مصدر الصوت فلا تجده.  أثناء ذلك تمر على أحد الخيام وعليها قائمة "بالأسرة الحاكمة" .. تدقق فيها فإذا قد تم شطب بعض الأسماء!!! وبعضها كتب بجانبه كلمة "إنضم"... بينما تأخذ صورة لتلك اللوحة يأتي أحد الشباب "هذا كان أول مطلوب للثورة؟" يقول... ثم يرحل...

مازال نفس الصوت يلاقي أذنيك وأنت تتجه نحو مركز الساحة من ميكروفون معلق على عمود الإنارة، الخيام منصوبة على الجانبين، تلاحظ أن الأرصفة بدت عارية؟  ماذا جرى؟، تلحظ أنه تم إستخدام كسوتها بعد تفتيتها لنصب الخيام!...أختفى المخزنون من على الأرصفة! أصبحت معظم الخيام تحمل إسم الجماعة الخاصة بها.. قبيلة فلان.. جماعة علان... إختفت الأسماء المبتكرة (خيمة الصمود.. خيمة التحدي...إلخ)... تطالعك لوحات كبيرة لشهداء مذبحة الجمعة منصوبة على الخيام وهي تقول شهيد (منطقة كذا)....

طالت المسافة وأنت تسير بجانب الخيام المنصوبة وبداخلها أناس أتخذوا مواضع التخزين... بدا على بعضهم الحماس في الحديث، وآخرون أجتمعت أنظارهم على شاشة تلفاز صغيرة، وقلة كانوا مشغولون بشئون آخرى.

تتساءل أين الشباب؟... أين المتحدث الذي كان في هذا الركن، وأين الفنان الذي كان يعرض لوحاته هناك، وأين .. وأين؟ حتى تصل إلى مركز الساحة، بضع مئات من الناس تجمعوا هناك يستمعون إلى المتحدث عبر المايكرفون، تكتشف أنه نفس مصدر الصوت الذي طالعك عند دخول الساحة.. الآن مدير الأوقاف بمديرية معين يعلن إستقالته، ويتبعه متحدث يلقى كلمات: الكافر... وووو..... النساء حولهن سياج من الشباب لحمايتهن وهن يفترشن الأرض، الرجال في الجانب الآخر حول المنصة....

بين الخيام يجلس مجموعة من الشباب، أحدهم يقول "كيف ذلحين بيتفاوضوا وقد تركوا الشباب؟  لازم نبين مطالبنا، لازم يتفاوضوا مع الشباب!  .......

العسكر على مداخل ساحة الأعتصام، ورجال القبائل يملأون الساحة....  المبادئ التي قام الشباب بثورتهم لأجلها أصبحت مجالاً للتفاوض، الفساد ومحاربته، والعدل وإقامته، كثير من الشباب يحاولوا إقناع أنفسهم بأن سياسة "مهادنة" الفاسدين وقبولهم في "الثورة" والتجاوز عن بعض متطلبات الثورة هو أمر ضروري، لماذا؟ .. لنجاح الثورة ، كما يقولون.

التفاوض يجري الآن بين العسكر والقبائل والسياسيين، والشباب الذي ضحى بالدم تخلى عن مبادئ ثورته مبكراً..... هذه ليست الثورة الفرنسية!


الاثنين، 21 مارس 2011

آخر الرجال الشرفاء.. والثورة في اليمن


آخر الرجال الشرفاء والثورة في اليمن

21 مارس 2011

كنت أرجو في مثل هذا اليوم أن أحتفل بعيد الأم، فهو رمز للوفاء على كل حال، وهو إشارة إلى تكريم من يعطي ممن يأخذ، ولكن الأحداث كانت أكبر مني.....
اليوم، وفي تطور درامي تسارعت الأحداث في اليمن، ولازال البعض غير مصدقين لما يحدث.  إنضمام الأخ غير الشقيق للرئيس علي عبدالله صالح إلى "ثورة الشباب" وبكامل قواته هو تحول خطير للوضع في اليمن وما يمكن أن تسفر عنه الأيام القادمة.  لمن لا يعرفه فعلي محسن الأحمر ظل على مدى سنوات اليد الطولى لعلي عبدالله صالح، قاد قطاعات واسعة من الجيش في مواجهات عدة لعل أهمها حرب 1994م ثم الحروب المتوالية ضد الحوثيين.  علي محسن الأحمر حليف قوي لحزب الإصلاح بل أحد أركانه الثلاثة: مشائخ الدين ومشائخ القبائل وعلي محسن.
سيطرة حزب الإصلاح على ساحة التغيير في صنعاء بدأت عبر استغلال قدراته التنظيمية، وقد ظل يعمل بحياء من خلف الستار في إدارة أمور الساحة التي توسعت، وظل حزب الإصلاح يعمل في خلفيه المسرح هناك فأعطى كل لاعب دوره، واحتفظ لنفسه ربما بدور المخرج.  مشائخ القبائل كانوا السباقين للتواجد في ساحة التغيير، ثم تبعهم مشائخ الدين، ومع تطور الأمر ظهر على محسن في الخلفية وكان ظهوره منسقاً يوم الجمعة الدامية، فأصبحت مداخل ساحة التغيير التي يسيطر عليها هي الوحيدة "الآمنة"، وقد كانت هذه التوطئة النهائية لدخول على محسن نفسه الساحة.
في أيام مضت حدثت مشادات عدة بين الشباب الصافي النية وبين عناصر الأصلاح التي ساءها أن ترى إسم علي محسن الأحمر في قائمة تتضمن 42 إسماء من عائلة الرئيس صالح المطلوب رحيلها، او محاكمتها.  كان علي محسن يحتل المرتبة الثالثة أو الرابعة، وقد تجده في المرتبة 15 او 16 ضمن قوائم كانت توضع وتوزع في ساحة التغيير.  بعضهم قال أن علي محسن كان في الجيش قبل الرئيس، وبعضهم أشار إلى أنه يدعم الثورة، أما الشباب فلم يسرهم ذلك، وكان الحوثيون أيضاً هناك غير مسرورين بمحاولة تجميل الرجل، وكذلك الحزب الإشتراكي الذي يراه عدواً لدوداً لدوره أثناء حرب 1994م.
إذن تغلب حزب الإصلاح في النهاية، وجاء علي محسن بعدته وعديده لينظم "للثورة".  كان الشباب قبل ذلك مهيئون لدخول على محسن الساحة، فخلال أيام دار نقاش حول دخول عناصر أخرى محسوبة على النظام، بل إنها لا تتمتع بأي مصداقية وتاريخها في الفساد أسود من تاريخ الرئيس صالح نفسه، لم يكن الشباب يحسبون لهذا الأمر حساباً، ولكنهم رضخوا للأمر الواقع قائلين أنهم سيقبلون كل من ينظم إليهم كاستراتيجية مرحليه، وحماسهم يقول بأنه في المستقبل ستكون لهم الكلمة الفصل في محاكمتهم.  كما قلنا فإن ما حدث يوم الجمعة كان قد هيأ الساحة ومهدها لدخول علي محسن وألتزم الشباب والحوثيون والاشتراكيون الصمت.
إنضمام  على محسن للثورة ليس جديداً فقد إنظمت عناصر أخرى من النظام لكنها المرة الأولى التي ينظم فيها جزء من النظام "دون أن يقدم استقالته"، والأهم أن هذه هي المرة الأولى التي ينظم فيها قائد من قادة الجيش.  إنضمام علي محسن سيحول الثورة عن أحد أهم أهدافها وهو إسقاط نظام الرئيس صالح، وليس إسقاط الرئيس صالح فقط، وإنضمامه يمثل رمزياً أول تنازل في مطالب الشباب بمحاكمة قائمة ال 42 الذي تضم الرئيس وأقاربه.  
من ناحية أخرى فإن إنضمام علي محسن كذلك يمثل تراجعاً عن مطلب مهم من مطالب الثورة، وهو محاسبة من يتهمون بالفساد، وأولئك الذين ساهموا في دعم نظام صالح واستمراره وقيامه بإنتهاك حقوق الناس.  وقد شجع إنضمام علي محسن أقطاب عديدة لنظام صالح لحذو حذوه فتوالت الإستقالات وبيانات التأييد للثورة من مشائخ للقبائل ووزراء وسفراء وأعضاء لمجلس النواب وغيرهم، ولسان حالهم يقول "يا فكيك".....  
هل ننتظر إنضمام عناصر أخرى من قائمة ال 42 ل "ساحة التغيير"، وما قولكم في إنضمام الرئيس صالح نفسه، ونفتح "صفحة جديدة" كما أقترح أحد الأخوة المحتمسين في معرض نقاش على الفيس بوك؟

السبت، 19 مارس 2011

ثورة اليمن وآفاق المستقبل


ثورة اليمن وآفاق المستقبل
19 مارس 2011


اليمن ليست تونس كما أنها ليست مصر ولكن ذلك لا يعني أن آثار ثورة الشعوب العربية التي أنطلقت شرارتها في تونس لن تطالها، ولا يعني أيضاً عدم وجود تشابه في المطالب والمبررات لقيام تلك الثورات، فالشعوب العربية ومنذ منتصف القرن الماضي تحكم من قبل نخب إعتمدت على شرعيات ثورية تآكلت مع الزمن بعد أن أتت على أسس قيامها، وبعد أن فشلت في تكوين الدولة الحديثة، وفي تلبية تطلعات الشعوب، وأعتمدت تلك النخب على القوة والمال لمواصلة حكمها، وأصبح هدفها الرئيسي هو البقاء.
تختلف اليمن عن تونس ومصر، فهي ومنذ سنوات تعاني من أزمات سياسية وأقتصادية متلاحقة، كما أن النظام نفسه يتسم بالضعف وعدم القدرة على السيطرة بعد أن إستطاعت القوى الأخرى تعزيز مراكزها على حساب سلطة الدولة.  اليمن هي أحدث الدول العربية حيث لم يمض على تأسيسها أكثر من عشرين عاماً، ومنذ قيامها عانت من حروب وقلاقل متكررة، إبتداء بحرب صيف 1994م وإنتهاء بحرب الحوثيين السادسة 2010م، تلك سبعة حروب خلال عشرين سنة.
بعد الإنتخابات التشريعية لعام 2003م والتي أعادت توزيع السلطة بحيث أستطاع الرئيس صالح وحزبه الاستئثار بحصة الأسد على حساب القوى الأخرى، والأنتخابات الرئاسية والمحلية لعام 2006م والتي عززت موقف الرئيس فأصبح هو السلطة المطلقة بلا منازع، منذ ذلك الحين بدأت القوى الأخرى تدرك بأن وجودها وأستمرارها بات على المحك.  وقد عزز هذا الشعور لدى القوى المعارضة ما قام به الحزب الحاكم من تعديلات دستورية متكررة كان الغرض منها دائماً تعزيز موقعها في السلطة، لذلك شرعت تلك القوى بالتكتل، كما شرعت قوى أخرى بإشعال الحرائق ونقل المعركة إلى الشارع.
منذ عام 2006 واليمن في أزمات متلاحقة، حروب، مواجهات، تظاهرات، عمليات خطف، عمليات تفجير، عمليات مضادة، أزمات إقتصادية، إحتجاجات، مظاهرات.. والمزيد.  أربع سنوات مرت لم يخل فيها يوم من مؤشر على تفاقم الأوضاع، وكان النظام يتعامل مع كل أزمة على حدة.  كان يسعى لأيجاد مسكنات لحل كل مشكلة، بعيداً عن القانون في أغلب الأوقات، بعيداً عن الدولة نفسها، سعى النظام لتقويض سلطته بنفسه، فحيناً إستخدم القوة ليس بغرض تطبيق القانون وفرض سيطرته، بل بغرض المناورة.  أما في معظم المناسبات فقد إستخدم النظام التفاوض مع الجهات المختلفة.  دفع الأموال وأستخدم التوازنات لإطفاء تلك المشاكل، وليس لحلها.
أربع سنوات لم يستطع النظام فيها أن يستوعب أنه في أزمة، وأن البلد في أزمة، فساهم في تفاقم الأزمات.  هل كان القائمون على النظام يعون أنهم يقوضون بقاءهم بأيديهم؟  أم انهم آمنوا بقدرتهم على السيطرة على الأمور إلى درجة أنهم لم يعيروا بعض الأمور الخطيرة أي إهتمام؟.  الحرب ضد الحوثيين كانت تسوق على أنها نزهة، وفي كل مرة كانت تبدأ وتنتهي بدون معرفة أسبابها.  خروج مناطق كثيرة من البلد عن سيطرة الحكومة بدا أمراً عادياً، فمن خروج صعدة والجوف، إلى خروج شبوة وأبين والضالع.  قطع الطرق والأختطاف أصبح أمراً مألوفاً.
زادت الأزمات وزادت مؤشراتها، فظهر الفساد على السطح بشكل غير مسبوق، وأصبح الناس يعانون ليل نهار من عجز النظام.  الكهرباء تقطع لساعات، ووراؤها فساد، والماء غير متوفر ووراؤه الفساد، والغاز المنزلي قلما يوجد ووراؤه الفساد، التعليم فقد مستواه ووراؤه الفساد، والخدمات الصحية سيئة ووراؤها الفساد.  صار المواطن يدفع ثمن الفساد من جهده وماله ونفسه، تعطلت أمور الناس فأحجموا عن العمل، وهربوا من الاستثمار، وتعطلت السياحة مثلما تعطلت قطاعات أخرى.  زاد عدد العاطلين وذهب الأمل في تحسن الأوضاع أدراج الرياح.
سخر النظام من منتقديه علناً، وقلل من شأن الأزمات، بل وجعل من هموم الناس جزءاً من الحياة اليومية لا يعيرها ما يلزم من الأهتمام.  في الوقت الذي كان يشكو من نقص الإيرادات وكان يفرض مزيداً من الضرائب كان يسبح على مستنقع من الفساد ظهرت رائحته فأزكمت الأنوف.  أدعى أنه يحارب الفساد، فزاد منه، وأظهر أنه يصلح الأمور فزاد خرابها. 
لم يحتفظ نظام الرئيس صالح الذي كان يشتهر باللعب على جميع الحبال، وإرضاء الفرقاء، لم يحتفظ لنفسه بحليف، فبعد هزيمة الإشتراكيين طلق الإسلاميين، وحارب الحوثيين، وواجه السلفيين.  أصبح نظام الرئيس يلعب على الساحة لوحده، فتحمل كل ما على الساحة.  على ماذا أعتمد نظام الرئيس صالح؟، اعتمد على شرعية دستورية مشكوك في أمرها، وأعتمد على منظومة مركبة من أصحاب المصالح من المؤتمر الشعبي الحاكم، ولعله أعتمد أيضاً على قوة الأمن والجيش التي رأها قوة ضامنة، ومن خلال الإعتماد على عدد من أفراد أسرته، وحلفائه، عمل الرئيس على ضمان الجيش والأمن، ولم يكن شيئاً ليحدث لولا تغير موازين القوى التي أفرزتها الثورة التونسية.
برغم كل الفساد، وبرغم إنتشار الظلم، وبرغم الأزمات المتلاحقة، وبرغم إنسداد الأفق على معظم اليمنيين فإنهم كانوا يتعاملون مع الوضع، يحدوهم أمل أن تتغير الأمور، ويمنعهم الخوف ليس من النظام كما هو الحال في تونس ومصر، وإنما من الماضي وتجاربه التي لا يمكن أن ينسوا قساوتها.  يتذكرون ثورة التحرر من الملكية والإستعمار، ويرون ما آلت إليه الأمور، ولعل لسان حال الكثيرين منهم يقول "ما الذي ستفرزه ثورة أخرى، وتغيير آخر".  تعامل الناس مع الفساد، فمنهم من أستمرأه وأستفاد منه، والغالبية سيقت إلى المشاركة فيه، وأنغمس الجميع فيه بمبررات مختلفة إما للإضطرار أو للحاجة أو لتشويش ساد قيم المجتمع.  إنقلبت الموازين، وكان ذوي اللب يعجبون كيف يمكن لمجتمع أن يستمر على هذا المنوال، ويتساءلون هل ستتغير الأمور يوماً ما؟.
مراكز للقوى في المجتمع باتت تعتمد على توزيع المصالح، فمن ينتمي لتلك المجموعة له الأولوية في الحصول على إمتياز ما.  لم يستثنى من ذلك أحد، القبائل، الحزب الحاكم، الأحزاب المعارضة، والتكتلات الأخرى، كان الجميع يسعى لتأمين المصالح لأعضائه، وكان الجميع لا يأبه لقيم أو نظام أو قانون، وأصبحت الدولة عند هؤلاء مثل جيفة تجمع عليها النسور، ونسي الجميع أنه قد يأتي يوم لا يجدون سوى العظم!!!...    
إستمر الصراع السياسي، وكل يستعمل فيه أسلحته، فنظام صالح يعتمد على أغلبية وسلطة يمسك بها، والمعارضة تحاول الحصول على أية مكاسب إثر خسارتها في الإنتخابات وتحولها لقوة ثانوية، والكثيرون آثروا إستخدام أساليب أخرى من الإحتجاجات إلى اللجوء للسلاح والعنف.  تعامل نظام صالح مع الاحتجاجات على طريقة إخمادها بالقوة، وباءت بعض المحاولات لبحث الأسباب وحل المشكلات بالفشل لأن المؤمنين بالسلطة وقوتها كانت أقرب للساحة.  أما المعارضة فقد عمل صالح على المراوغة والتسويف، فهو لم يهملها تماماً، لكن أستطاع تحجيم مطالبها وتأخير تنفيذها، ويبدو أن حرصه على أن يبدو نظامه بصورة حسنه أمام العالم جعلته لا يقدم على تجاهلها.
الإتفاقات المتكررة مع المعارضة أنتهت بالفشل، ويبدو أن السبب أن نظام صالح لم يكن مقتنعاً بأنه بحاجة لتقديم تنازلات، وحتى نهاية 2010م كان النظام واثقاً من قدرته على تسيير الأمور منفرداً، فعمد على وضع تعديلات دستورية جديدة، بل وأعلن ذهابه للإنتخابات منفرداً، متجاهلاً بذلك كل من تم الإتفاق عليه مع المعارضة، وقد كان النظام يشكو، ومازال، بأن المعارضة ترفع من مطالبها في كل جولة للتفاوض، وقد كان هذا صحيحاً فالمعارضة كانت تدرك حاجة صالح إليها، وكانت مماطلته في الوصول لإتفاق وتنفيذه تعزز من موقفها، ويبدو أن ذلك هو تماماً عكس ما أراده الرئيس صالح من إحراج المعارضة بحيث ترضى بما يمنحه أياها في نهاية المطاف.
حتى مع قيام إنتفاضة تونس ورحيل الرئيس التونسي كان المؤتمر الشعبي الحاكم مازال مصراً على التعديلات الدستورية على الذهاب إليها منفرداً، وكانت المعارضة تحاول إحباط هذا المسعى، وحتى بداية شهر فبراير عندما نجحت المعارضة ممثلة باللقاء المشترك بتنظيم أول حركة أحتجاج لاقت نجاحاً، فإن مطالبها لم تتعد رفض هذه التعديلات الدستورية.
تطورت الأمور بشكل منفصل، فقد إستمر مجموعة من طلاب جامعة صنعاء بتنظيم أحتجاجات يومية داخل الجامعة، وكان ذلك بتأثر واضح بالثورة التي قامت في مصر، وقد إستمرت الأحتجاجات وتطورت للتتحول لإعتصامات محدودة، ما لبتث أن توسعت.  إحتجاجات الطلاب كان مطلبها واضحاً وهو "إسقاط النظام".
لعل المعارضة ممثلة بأحزاب اللقاء المشترك تفاجأت بالتطور الجديد، ولم تكن في البداية مؤمنة بإمكانية نجاح تحرك الطلاب، وقد كان الرئيس صالح أسرع في التفاعل مع تحرك الطلاب فأعلن أنه لن يترشح لولاية أخرى كما أنه لن يورث الحكم لإبنه، وقدم عرضاً للحوار مع المعارضة وتكوين حكومة وحدة وطنية.  سارعت أحزاب اللقاء المشترك بالموافقة على عرض الرئيس، لكنها عادت في اليوم التالي ووضعت شروطاً إضافية في مقابل موافقتها على عرض الرئيس.  وقتها لم تكن أحزاب اللقاء المشترك قد إلتحقت بالشباب، وإنما كانت تستغل التطورات لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة.
قررت أحزاب اللقاء المشترك الألتحاق بالشباب ومساندة تحركهم، ويبدو أنها وجدت في ذلك الضمانة الوحيدة لمزيد من الضغط على نظام صالح الذي تحاورت معه على مدى سنتين وعقدت إتفاقات كان مصيرها الفشل.  هل تحول موقف أحزاب اللقاء المشترك وقتها ليتطابق مع مطالب الشباب ب "رحيل النظام" أم كان موقفاً "تكتيكياً؟... يبدو أن موقفها كان تحركاً لتحقيق المزيد من المكاسب، ولكن الجناح المتشدد في المعارضة نجح في تحويل خياراتها بشكل جذري لصالح الشيخ حميد الأحمر الذي كان مجاهراً بضرورة رحيل الرئيس.
كان لإنضمام أحزاب المعارضة للإعتصام في ساحة الجامعة وإعلان موقفها المساند للشباب أثر كبير على توسع حركة الأحتجاج، فقد ساهمت القدارت التنظيمية لحزب الإصلاح في إعطاء صورة ناصعة عن حركة الإحتجاج، وقد أدى ذلك لإنضمام قوى من مختلف التوجهات، ولأسباب مختلفة إلى الساحة.  أصبحت الساحة تمثل رمزاً للشباب المتطلع للمستقبل، ولأولئك الذين سئموا من العيش في ظل هذا الفساد، وللمعارضين للنظام، وللمظلومين من مختلف الشرائح، بل وللعاطلين عن العمل، وأولئك الذين يبحثون عن مساحة أمل، أو يسعون لإبراز مواهبهم أو عرض إبداعاتهم الفنية. 
من جهة أخرى تحولت الساحة إلى موقع للمتطلعين لتحقيق مكاسب شخصية، من قادة أحزاب ونقابات وجماعات، أولئك الذين لم يحصلوا على فرصة مناسبة، أو رأوا أن هذه هي فرصتهم لتحقيق طموحات سياسية، وسرعان ما تطور الأمر ليلتحق بها بعض "المتكسبين" من نظام صالح نفسه، ممن قدروا أنهم سيكونوا في أمان لألتحاقهم ب"الثورة" وسيحموا أنفسهم مما قد يتحول مستقبلاً ل"مساءلات" كما يحدث الآن في مصر وتونس.
هناك أسباب أخرى للإنضمام للساحة منها العلاقات الأسرية، ففلان وفلان ممن يرتبطون بفلان من قادة المعارضة لا بد أن يلحق بالركب، كما أن البعض أستفزتهم مواقف السلطة والإعتداءات على المعتصمين، فرأوا مبدئياً أن مكانهم في ساحة التغيير، ومنهم يرى أن قضاء وقت فراغه، أو الحصول على "مدكى" على الرصيف أو في أحد الخيام يحقق له مبتغاه.
وصلت التحركات والإعتصامات لمرحلة متقدمة، فتوسعت في صنعاء، وظهرت في مدن أخرى.  زاد الضغط على النظام فرأى وضع "مبادرة جديدة".  مرة أخرى خرج الرئيس صالح بمبادرته، ورأى هذه المرة أن يعرضها على حزبه ومناصريه.  هل لأنه أراد فقط "إبراء الذمة" وأستخدامها كوسيلة لجلب المزيد من المؤيدين؟ أم لأن سبل التواصل مع المعارضة قد أنقطعت؟.  مبادرة الرئيس كانت على ما يبدو أسلوب لتحدي المعارضة فقد وضعت مطالبها "السابقة" للتنفيذ، ولكنها أغفلت أمرين هامين: الأول أنها تأتي من الرئيس الذي فُقدت فيه الثقة من قبل المعارضة والشباب، والثاني أنها لم تخاطب المعارضة وإنما قدمت "تنازلات" لا شك أنها سترفع من جديد سقف المطالب بدلاً من أن توجد حلاً للأزمة.
نظام الرئيس صالح يراهن على أستمرار الوضع على ما هو عليه وعلى قدرته على التعامل مع التظاهرات والإعتصامات بشكل لا يزيد من تفاقم الأمور، ولعله يرى أن فشل الاحتجاجات في التحول إلى ثورة شاملة، وإلتزام أغلبية اليمنيين الصمت هو في الواقع تأييد للنظام، ومن غير المستبعد أنه أيضاً يراهن على أن الأصوات "المطالبة بالتغيير" ستخفت تدريجياً. 
في المقابل نرى زخماً لدى المحتجين الذي يحققون بعض المكاسب، ولديهم إيمان بنجاحهم في تحقيق مساعيهم "لاسقاط النظام"، فالهجوم على المعتصمين يوم الجمعة الماضي وما خلفه من ضحايا أحرج نظام صالح وكان من نتائج تلك الحادثة إنضمام مزيد من الشخصيات المعروفة للمحتجين، ويرى المحتجون أيضاً أن الأغلبية الصامته لن تلبث أن تنظم ل"الثورة".
لا شك أن الغالبية العظمى من اليمنيين يتوقون للتغيير، وتختلف أسباب التطلع للتغيير كما سبق، وحتى على مستوى نظام الرئيس صالح، فإن التغيير أصبح هو اللغة السائدة مع الأختلاف بالطبع في نوعية التغيير المطلوب عن ذلك الذي تطالب به فئات أخرى.  إذن فإن التغيير هو مطلب عامة الناس في اليمن وهو أمر لا يمكن تجاوزه بأي حال، فكيف يمكن الوصول له.
نظام صالح أصبح غير قادر على التغيير وقد أثبتت الأيام السابقة ذلك، فتوالي الإستقالات يحرج النظام وقيام أي تغيير حقيقي سيؤدي إلى  إنهيار كامل.  نظام صالح يلعب في الوقت الضائع وليس لديه إلا محاولة الخروج بخسائر مقبولة، وكل ذلك مرهون بموقف الطرف الآخر.
المحتجون من معارضة وشباب وغيرهم، أولئك في ساحات الأحتجاج خاصة في صنعاء يقولون أنهم هناك لإسقاط النظام، أو بالأصح إسقاط الرئيس، ويتفق الجميع على هذا المطلب دون سواه.  أظهرت الأيام السابقة أن مراكز للقوى قد سيطرت على ميدان التغيير في صنعاء، فحزب الإصلاح استحوذ على الميدان، وأتى مؤشر جديد ظهر بقوة يوم الجمعة الماضي، عندما أستولت قوات على محسن على المداخل القريبة من معسكره الرئيسي، وعلي محسن حليف قوي لحزب الإصلاح منذ زمن بعيد.  إذن فقد أضاف الإصلاح لسيطرته اللوجستية على الميدان عنصر آخر وهو القوة التي سيكون لها دور حاسم مهما طال أمد الإعتصام.
الأمر الأخير في هذا المسرح هو عدم وجود تصور واضح لما بعد صالح، فبعكس تونس ومصر، لا يمتلك اليمن عنصراً محايداً، فالجيش اليمني لا يمكن تصور تخليه عن الرئيس، خاصة وأن على رأسه الكثير من أسرة الرئيس والموالين له.  الجيش لا يمكن أن يتسلم السلطة لنقلها بالرغم من حديث بعض المتفائلين عن "الضباط الأحرار".  الأصح أن إنقسام الجيش هو المرجح....
إذن فإن صور التغيير في اليمن قاتمة والسيناريوهات تتلخص في وجود صفقة ما يتبادلها الأطراف ويوافقون عليها على أحسن الأحوال سواء جاءت هذه الصفقة سريعاً، او انتظرت مزيداً من الدماء التي قد تسيل في مواجهات عسكرية لا يتوقع أن يكون لها القدرة على الحسم....
إذن قثورة اليمن لن تكون مثل تلك في مصر أو تونس، فستكون ثورة لإعادة توزيع الأدوار.. وإن غد لناظره قريب...

الخميس، 17 مارس 2011

ثورة الشباب... هل سرقت؟


ثورة الشباب... هل سرقت؟

17 مارس 2011م

قد لا أكون مبالغاً في القول أن الإحباط يسود غالبية اليمنيين هذه الأيام، فالبرغم من أن المؤشرات تدل على أن الغالبية كانت ومازالت تدعم التغيير، فقد رأينا كيف عبر اليمنييون عن ذلك من خلال دعمهم للثورتين التونسية والمصرية، ولا يكاد يخلو حديث اليمنيين من التغني بهاتين الثورتين، ولا شك أن اليمنيين عانوا ويعانوا من فشل النظام القائم في تلبية طموحاتهم، ومهما أختلفت الظروف فإن النتيجة واحدة وهي رغبة اليمنيين بالتغيير، وتلك الرغبة عززتها نجاح التونسيين والمصريين في إحداث هذا التغيير، ولكن لماذا الإحباط؟
مرت خمسة أسابيع منذ إنطلاق حركة الشباب للتغيير، التي كانت في بدايتها مليئة بالعنفوان، تماماً كعنفوان الشباب، وكان الناس على مختلف مشاربهم يتحدثون عنها بإعجاب، وأمل الناس أن تسير بسرعة نحو تحقيق التغيير المطلوب.  في الأسبوع الثاني والثالث بدأت الصورة تتضح أكثر، فالظروف مختلفة والزخم لم يكن كافياً، وقد أستفاد النظام من تجربتي تونس ومصر فأستطاع إحتواء الثورة.  في الأسبوع الثالث إنضمت المعارضة ممثلة باللقاء المشترك للثورة، وبسرعة أستطاعت أخذ زمام المبادرة من الشباب في ساحة التغيير الرئيسية في صنعاء.  في البداية بدا أن المعارضة تلعب دوراً تنظيمياً فقد كانت قدرات حزب "الإصلاح" التنظيمية مطلوبة لتنظيم الساحة، وقد استطاع الإصلاح بذكاء توزيع الأدوار بحيث لم يظهر مباشرة، وكان هناك اتفاقات لتوزيع الأدوار فأعطيت كل القوى دوراً ما.
سرعان ما ألتحقت بالساحة قوى جديدة مثل النقابات وممثلي المهن مثل الأطباء والمهندسين وبعض القوى "القبلية" بل والطائفية مثل الحوثيين والسلفيين.  هذه القوى طالبت بحصتها من "ساحة التغيير" وقد حصلت عليها.  في ساحة التغيير تكون مجتمع يمني مصغر بدا أنموذجاً رائعاً لما يمكن أن تكون عليه اليمن في المستقبل من تعايش في سلام.
الصورة لم تكتمل، فقد لحقت بعض الشخصيات والمواقف التي جعلت "غالبية اليمنيين" تعيد تفكيرها فيما يحدث في "ساحة التغيير".  شخصيات يشوبها بعض الشوائب، فذاك شخصية تتسم بالطائفية المفرطة والتعصب، وتلك كانت بالأمس أحد الأذرع الأساسية للنظام، وأخرى تشتهر بالفساد، ورابعة من عائلة تاريخها يتميز بالعمالة والتفريط بالوطن، وهكذا.... هؤلاء لديهم المال والنفوذ ولديهم الحضور ليظهروا، وقد روج لهم "كدليل على فشل نظام الرئيس صالح" واستخدموا كذلك... بل وبالغ البعض بالإحتفاء بهم...
إذن فقد دخل "ساحة التغيير" الكثير مما يثير القلق، وقد أصبحت "ساحة التغيير" صورة جديدة لنظام "التوافقات" و "التوازنات" و "المصالح" وأصبح "الفاسدون" يمرحون فيها كغيرهم، بل وفي الصف الأمامي في كثير من الأوقات.
الشباب مازلوا هناك، ولكنهم لم يعودوا في المقدمة، فالمال والنفوذ واصحاب المصالح أمسوا هناك يقودون الركب ويقررون.  الشباب مازلوا يحملون حلمهم، وحلم الملايين، الأغلبية التي تتطلع للتغيير، ولكن أين يتجه الركب؟  وما هي النتيجة؟  ... لا شك أن الشباب أقل قدرة من "السياسيين" من أصحاب "السوابق" الذين يمتلكون الخبرة، فهل يخدعون؟.. من هم قادة الغد، هل للشباب نصيب فيها، وكيف يتحول "الفاسدون" لقادة الثورة، وماذا ستكون نتيجة هذا؟
ملايين اليمنيين يحملون الأمل بالتغيير، لكن الشك وأحياناً الأحباط أصابهم، فهم لا يثقون بالثورة و "بقادتها الجدد"، فهل يستعيد الشباب ثورتهم لتكتمل؟