الأحد، 25 نوفمبر 2012

ينعل أبو السورة!

غادرت مكتبة ديوان في الزمالك بعد أن قضيت حوالى ساعتين أطالع قصة جميلة غرقت في تفاصيلها، هناك تحت الكوبري لم أكن قد خرجت فعلاً من القصة.  كنت أقف على الرصيف مرتدياً بدلة رسمية، وإن كنت قد انتزعت ربطة العنق لأني دائماً أضيق بها.  كنت أطالع السيارات وأحاول أنتقاء تاكسي، فإذا أحدها يتوقف دون إشارة مني، توجهت نحوه ففتح نافذته.  قلت له متسائلاً: طريق مصر أسكندرية الصحراوي.  أشار لي برأسه موافقاً.
جلست على المقعد الأمامي، فإذا أنا اسمع شكوى، "والله ما كلت من الصبح، دنا راسي حتنفجر والله"... ألتفت إليه وقلت نعم.  أشار لي وهو يواصل الحديث: معليش دنا بكلم أمي، وعندها فقط لاحظت أنه يضع سماعة هاتف على أذنه.
واصل الحديث.  كان صوت "القرآن" منخفضاً وهو يتحدث بصوت عال...
- إنت بتعيطي ليه يا ماما، ما تعيطيش يا أمي... ربنا حيفرجها من عنده.  دنا والله ما كلتش حاجة من الصبح.. دنا راسي حتنفجر.. استغفر الله العظيم...مش عارف حعمل أيه.. دنا يا دوب كملت الألف جنيه..فاضل ميتين وعشرين.. بإذن الله حجيكم كمان ساعة ونص..
- ماما هو بابا بيعيط ليه؟... هو بابا بيعيط ليه؟.. طب أدهوني.. ....
- بابا بابا... انت بتعيط ليه؟... ما تعيطش يابابا.. بلاش تعيط يا بابا، ما أنت عارف الدكتور "آل" إيه.. المرض ده خفيف و"خبيس" وأنت لسه في المرحلة الأولى.. لسه ما دخلناش عالكيماوي.. بلاش يابابا تعيط ربنا كبير، ربنا حيحلها من عنده... بابا.. أنا حجيك كمان ساعة ونص... أديني ماما...
- ماما.. بلاش تعيطي "أدام" بابا... بلاش تعيطي أدامه.. أنا كمان ساعة ونص بإذن الله وحجيكم... مش عارف حعمل أيه.  أنا "أدامي" ساعة ونص.... يا رب.. دنا مكلتش حاجة من الصبح والله.. دنا دماغي حتنفجر... مش عارف حعمل أيه.. وبنتي والله أنا سهران للصبح، كان عنديها مغص طول الليل، خفت أوديها للدكتور "يؤل" عايز فلوس.. سبناها للصبح... معليش يا ماما حجيكم كمان ساعة ونص....
إلتزمت الصمت وأنا أصغي "مضطراً" لحديث السائق.
- استغفر الله العظيم.. يا رب.. يا رب... دنا من الصبح يا دوب كملت الألف جنيه، وصاحبي اللي عنده ليا فلوس رحت لعنده و"ألت له" ما أدانيش حاجة.... دنا مكلتش يا حاجة من الصبح.. دماغي حتنفجر.... يا رب .. يا رب.
كان هذه المرة يوجه كلامه إلي.
وجدتني أحدثة: هو والدك مريض؟  قال: عنده سرطان في الرئة... لما بيكح بيتعب.  لسه ما دخلش عالكيماوي.. عايزين نعمل ليه تحاليل حتتكلف 1200 جنيه.  الساعة تسعة حنعمل له التحاليل عايزين 1200 جنيه واللي ماعندوش يموت في البلد دي...

واصل حديثة:
وبنتي والله دي عندها شهرين...إمبارح ما "ادرتش" اوديها للدكتور علشان حيحتاج فلوس... نعمل إيه؟... يا حرام اديناها شوية أعشاب ونامت على بطنها... كان عنديها مغص..
قلت: ليه هو ما فيش مستشفيات للحكومة؟
قال: المستشفى الوحيدة المجانية "مأفولة".. في أضراب.. الدكاترة مضربين... يخرب بيتها البلد دي... ينعل أبو الرياسة على أبو السورة..... البلد "باضت"... واللي ممعاهوش يعمل أيه... ينعل أبو السورة.. 
إلتزمت الصمت..
خلال أكثر من عشر دقائق تالية إلتزمت فيها الصمت ظل يردد... يا رب... يا رب....
وصلت لمقصدي، أوقف السائق السيارة، وسألته: معاك فكة... قال نعم... أعطيته الأجرة وأعاد لي الباقي وكنت قد زدت على الأجرة.  خرجت من السيارة وتوجهت نحو الفندق... سمعته فجأة يناديني .. يا بيه.. يا بيه...
عدت لأرى ما المشكلة...
قال: ممكن يا بيه تسلفني؟  وأنا حردهم لك.......
أعتذرت له وقلت له أني مغادر....
"ينعل أبو السورة".........  أننا بحاجة لثورة أكبر من مجرد تغيير وجوه وأشخاص، نحن بحاجة لتغيير قيم ومفاهيم ليست جديدة، قيم ومفاهيم راسخة في وجدان الناس..
فكيف السبيل إلى ذلك يا ترى؟

الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

طريقتي....

أحياناً أشعر بأننا في اليمن نعيش حالة فريدة، فنحن نعيش هامش "حرية" قد لا نجده في أي مكان في العالم، وزاد "الطين بله" أحداث العام  الماضي واستغلال مختلف الأطراف لها لتحقيق مكاسب سياسية، فلم نعد نتساءل عن الواجبات بقدر تساؤلنا عن الحقوق، وبرغم ارتباط العنصرين ببعضهما إلا أن الكثيرين يهملون ذلك، فنرى من يطالب "الحكومة أو النظام..." بتحسين التعليم وهو نفسه لا يقوم بواجبه في عمله.
لم يتوقف "فيضان" المطالبة بالحقوق عند الموظفين في المرافق الحكومية، بل شمل أيضاً رجل الشارع فأصبحنا نعاني من تصرفات الناس وعدم مراعاتهم للآخرين ولعل لذلك عدة أسباب تتمثل في إنتشار الجهل كسبب رئيسيي ثم ما لعبه الإعلام من دور في "تجهيل" الناس.
بالأمس، وبينما "أضطررت" لقيادة سيارتي عند الساعة الحادي عشرة -في عز الزحمة- وشمس الشتاء الحارقة تلهب الأرض، كنت انتظر دخول شارع "صخر" وفي إنتظار إشارة رجل المرور كان صاحب التاكسي خلفي يطلق زمارته ( طريقته... بتشديد الراء.. كما تسمى هنا ).  تجاهلت الأمر للحظات.. عندما أشار لي رجل المرور فتحت نافذتي وطلبت منه أن يحرر مخالفة لهذا العابث خلفي.  سألني عن السبب قلت له "بيطرق"... تجاهل رجل المرور طلبي في تعجب.
إستمر سائق التاكسي خلفي في إطلاق زمارته وهو يسير خلفي بينما الطريق مزدحم ونحن ندخل شارع صخر.  لم أتحمل الأمر ففتحت النافذة وأعلنت أحتجاجي.  قال صاحب التاكسي: مالك؟.  قلت له: يا أخي أزعجتنا .. ايش مشكلتك؟.  رد علي:  طريقتي!

عندها لم أجد بداً من مواصلة السير.... وتذكرت حديث دار بيني وبين أحد الزملاء حول الوضع في اليمن... حينها قال: يا أخي عندنا في اليمن كل واحد يحكم نفسه بنفسه..... ولعل هذا هو تعريفنا اليمني الخاص بالديمقراطية، على طريقة... طريقتي!
 

الأحد، 4 نوفمبر 2012

يوميات معيد- حمداً لله على السلامة


 يوميات معيد

العيد فرصة للخروج من دائرة الروتين، ولكن أين الروتين في حياتنا، لقد أفتقدناه لذا فإن العيد كان مليئاً بالتأملات، كغيره من الايام، ولعل هذا هو الشيء الرتيب الذي أصبح يملأ حياتنا.

 

6. حمدا لله على السلامة

لم تكن عدن الهادئة هي التي اقلقت رحلتنا، ولم تخيفنا حتى "المنصورة" ب "ساحة شهدائها" الخالية على عروشها، ولم تكن تلك الأصوات التي تملأ الصحف والشاشات هي التي أخافتنا، بل كان حدثاً كدنا نقع ضحية له.

في طرقنا للعودة من تعز، وما أن تجاوزنا الحوبان ووصلنا لمشارف مفرق ماوية حتى لاحظنا الدخان يتصاعد في الأفق.  خطر ببالي أن يكون أولئك أطفال يلهون، ولكن سرعان ما بدأت أصوات الرصاص تصل مسامعنا.  توقفت لأستجلي الأمر.  الطريق مقطوع، والحرب قائمة....

مدرعات الجيش تصل مسرعة للمكان، سلم الله!....
لم يكن لنا خيار سوى العودة إلى "الحالمة"... لنعاود رحلتنا بعد ساعات...

الإعلام: مرة أخرى ينقل حكايات متناقضة ومختلف... قبائل شرعب تتقاتل على أراض...ملاحقة إرهابي.... إلخ...

يوميات معيد- عدن تنتظركم


يوميات معيد

العيد فرصة للخروج من دائرة الروتين، ولكن أين الروتين في حياتنا، لقد أفتقدناه لذا فإن العيد كان مليئاً بالتأملات، كغيره من الايام، ولعل هذا هو الشيء الرتيب الذي أصبح يملأ حياتنا.

 

5. عدن تنتظركم

عدن.. مدينة جميلة إعتادت على الترحيب بكل من زارها.  عدن أكتست بعرس خليجي عشرين فكانت مثل أميرة الزمان.  تزينت بأحسن زينة، ورحبت بمن أقبل إليها.  تناست في وقتها هالة من الخوف والهلع أطلقها من لا يريد لعدن أن تعود يوماً لتعيش، أستقبلت الزوار، وأحسنت صنع الفرح بين أهلها وزوارها. 

ماذا جرى يا عدن لتستسلمي؟  أصوات من التخويف والترهيب أصمت آذان من يحبك، وعبارات من الكراهية أخافت من يريد أن يصاحبك لحين من الزمان.  يا لها من آلة إعلامية رهيبة صورت عدن بصورة عاهرة تجمع حولها رجال السوء..

كذب الإعلام بأن عدن أستقبلت في العيد مئات الآلاف من الزوار، مثلما يكذب ويجعل الناس يهجرون عدن لأنها لم تعد تتسع إلا "للعدنيين"... كذب بأنها إحتفلت بتك الجموع من الناس.  عدن يا سادتي تتوق إليكم وتحن لأيام تلقونها فيها.  إبعدوا الخوف عنكم، فعدن والعدنيون يرحبون بمن يحبهم ويكن لهم المودة.  فاصموا آذانكم عن تلك الأصوات النشاز وثقوا بأنكم في ضيافة كريمة تحبكم.

يوميات معيد- إب


يوميات معيد

العيد فرصة للخروج من دائرة الروتين، ولكن أين الروتين في حياتنا، لقد أفتقدناه لذا فإن العيد كان مليئاً بالتأملات، كغيره من الايام، ولعل هذا هو الشيء الرتيب الذي أصبح يملأ حياتنا.

 

4. إب

اللواء الأخضر، كما يسمونه، جميل بطبيعته الخلابة، وتنوع المناظر فيه.  الجبال الخضراء، الوديان، التلال.  كل شيء يجذبك للطبيعة ويخاطبك.  القاعدة، النجد الأحمر، إب، جبل بعدان، الدليل، سمارة، يريم.... لا تكاد المناظر تغيب عن البال.

في مدن إب تبدو الصورة مقلوبة.  القاعدة مدينة عشوائية تزحف على جوانب التلة، الشوارع الضيقة والمشوهة تملؤها القاذورات.  ما أن تخرج من الطريق المزدوج الذي يوصلك لحدود محافظة إب حتى تصدم من وضع الطرق في القاعدة، حتى في الخط الدائري الذي لم يستكمل العمل به.

تجمعات الجمال تملأ الخط الدائري الواسع والمهمل.  أما إذا سلكت طريق وسط القاعدة فكمن يقع في حفرة وعليه أن يجتهد ليخرج منها.

لا يكون الحال افضل على طول الطريق المهمل بين القاعدة وإب، وعندما تدخل مدينة إب تحس بالأسى، فهذه أجمل مدن اليمن طبيعة اعتدت بجمالها فلم يطاله التشذيب، الشوارع مهملة متسخة، العبارات واللوحات القماشية تعلو الرؤوس بعبارات لا تعني شيئاً.  إب تتحول إلى كتلة خرسانية صامته في فوضى لا نظير لها.

الدليل، ممر صغير مكتظ، لا طريق ولا نظام ولا نظافة... وبحمد الله تسلك الطريق الدائري لتتجنب كل ذلك وتصعد نقيل سمارة الشهير.  بعيداً في الطبيعة تنسى هموم المدن ... تطل على سهل واسع يتشكل بألوان الأصغر والأخضر والبني، إنت مطل على كتاب... ومرة أخرى تغرق في فوضى المدن وطريق يشكو الإهمال المطلق.

لا يسعفك الوقت، فتصل بسرعة إلى يريم، مليحة غدر بها الزمان.  تكاد تجزم بأن الفوضى خلقت هنا، وأن الإهمال مصدره هنا، فلا طريق ولا نظام .... لتغادرها بأسرع ما تستطيع.

ما بك يا إب.. أما سمعت بأن هناك مدنية وتحضر، أليس يسكنك خيرة رجال اليمن، ألا يوجد آلاف من أبنائك في أصقاع الأرض وهم يجودون بأموالهم إليك؟  أما سمعت بأن هناك حكومة يا إب؟  لولا بضع طرق صنعتها إحتفالات العيد الوطني-برغم ما سادها من إهمال- لكدت أجزم أنك خارج الزمان.

يوميات معيد- الدحبشة


يوميات معيد

العيد فرصة للخروج من دائرة الروتين، ولكن أين الروتين في حياتنا، لقد أفتقدناه لذا فإن العيد كان مليئاً بالتأملات، كغيره من الايام، ولعل هذا هو الشيء الرتيب الذي أصبح يملأ حياتنا.

 

3. الدحبشة

وأنا ألهو بالرمال، مرة أخرى، يأتيني شاب علمت أنه في السنة الثانية الثانوي، من لحج كما أخبرني.  سألني عما أقوم به.  حديث متبادل فإذا هو يسألني: من أين أنت؟... أجنبي أو دحباشي؟.. فاجأني السؤال.  لم يكن يبدو على نبرة كلامه أي تهكم أو سخرية، بل على العكس.  فهمت أن "دحباشي" أصبحت كلمة دارجة تعني الآتي من الشمال!  أخبرني الشاب بأنه، والحمد لله سيحصل على عمل في الجيش بمجرد تخرجه من الثانوية، قال بأنه قرر أن يلتحق بالجيش رغم المخاطر لأنه مضمون.  وأكد في حديثة بأن "الدحبشة" ضروية.
عندما سألته ما رأيك بالإنفصال قال بكل حزم بأن هناك شلة معتوهين يريدون الإنفصال ولكن كلنا أهل ولا يمكن أن ينجح أولئك بمسعاهم، ولا فائدة ترجى من الإنفصال.

يوميات معيد- حورية البحر


يوميات معيد

العيد فرصة للخروج من دائرة الروتين، ولكن أين الروتين في حياتنا، لقد أفتقدناه لذا فإن العيد كان مليئاً بالتأملات، كغيره من الايام، ولعل هذا هو الشيء الرتيب الذي أصبح يملأ حياتنا.

 

حورية البحر

من عاداتي اللهو برمال الشاطيء، ويشترك معي أبنائي، وغالباً ما يجذب ذلك أعداداً من الأطفال الذين يأتون بدافع حب الأستطلاع وبعضهم يشاركنا في صنع لوحة ما.  في شاطئ العروس يحلو اللعب بالرمال الذهبية. 

تستهويني حورية البحر وقد بدأنا بصنعها بالرمال.  حضر العديد من الأطفال من أعمار مختلفة، يتساءلون عما نفعله.  حورية البحر!  ... من خمسة أطفال لم يفهم أحد ما أعنيه!  أحسست كأني آت من عالم آخر.  لم يسمع أطفالنا بحورية البحر من قبل، ولم يفد الوصف الذي أعطيته لهم كثيراً، لكنهم كانوا أكثر حماساً عندما أخبرتهم بأنها ستنزل البحر عند حلول الظلام!.  أطفالنا يفتقدون طفولتهم، فهم لا يقرأون الحكايات، ويفتقدون ما يشحذ خيالهم... في أي زمن نحن؟

 

يوميات معيد- عدن


يوميات معيد

العيد فرصة للخروج من دائرة الروتين، ولكن أين الروتين في حياتنا، لقد أفتقدناه لذا فإن العيد كان مليئاً بالتأملات، كغيره من الايام، ولعل هذا هو الشيء الرتيب الذي أصبح يملأ حياتنا.

 

عدن

الطريق إلى عدن يشوبها الكثير من التوجس.  الأخبار تقول بأن هناك الكثير من الحوادث والإعتداءات خاصة على "الدحابشة".  الطريق بدا خالياً نسبياً، حركة السيارات تكاد تكون منعدمة، بأستثناء اسواق القات التي تخنق الطريق وتوقف الحركة، وكلما توجهت جنوباً كلما قلت الحركة.  التوجس يزيد مع وصولنا منطقة الشريجة ولكن سرعان ما يتبدد الخوف، فلا شيء غير عادي.  دقائق وتملأ أعيننا أعلام "الجنوب" كما تسمى، ولحظات ونمر بنقطة تفتيش عسكرية يرفرف فوقها علم اليمن.   بائعي الليمون والجوافة يستوقفونك بالقرب من أحد المطبات، وتواصل السير حتى المثلث الشهير.  بدت نقطة التفتيش الشهيرة بالقرب من "الجمارك" السابقة في وضع عادي، ولم نلحظ أي شيء استثنائي، بل أننا أحسسنا بأن الأمر طبيعي أكثر من اللازم!  معسكر العند بدا مهجوراً على غير عادته، وسرعان ما وصلنا إلى لحج...

الرمال تملاء جنبات الطريق والوادي بدا هادئاً بخضرته المعهودة.  الطريق المزدوج بدا مهترئاً على غير عادته.  تطالعنا بعض الدراجات النارية، أحدها عليه راكبان يمسك أحدهما ببندق آلي.

بدت عدن على الأفق.  ترى أي طريق نسلك؟  نصحنا بتجنب المنصورة، وكنت قد سمعت أيضاً بتجنب المعلا... ولا بد أن هناك العديد من الطرق الأخرى المقطوعة.  لحسن الحظ كانت لدي معرفة بالطرق وعرفت ان طريق التسعين الدائري هو الأنسب.  على جانبي الطريق بدت العديد من الفنادق مقفلة.  الفنادق التي كانت في الماضي تمتلىء بالنشاط في مثل هذا الوقت كانت أبوابها مؤصدة.... بعض الفنادق فقط ظهرت على أبوابه بعض السيارات.

الطريق البحري بدا شاحباً، مع شحوب البحر الذي أنحسرت مياهه عن وحل على مساحات واسعة، ويبدو أن الطيور بدورها وجدت مأوى آخر فظهرت أعداد قليلة منها.

الطرق مليئة بالأوراق واكياس البلاستيك والمخلفات الأخرى... لوحة تندد "بالقتل" ... أعلام "الجنوب" وأخيراً وصلنا إلى المعلا.  بدت شاحبة كغيرها من مناطق عدن التي مررنا بها.  أطلال.. صور بأسماء "شهداء"... عبارات مختلفة..... فوضى... العمارات الشهيرة بدت كشاهد على معركة قامت وكأنها تشكو من إضرارها لشهادة تلك المعركة.

مرة أخرى شوارع شاحبة ووجوه شاحبة، منذ سنتين في مثل هذا الوقت من العام كانت الطرق تزدحم بالسيارات، أما الآن بدت على العكس من ذلك هادئة.  عبارات على الجدران " الجنوب الحر"  "استمر يا علي"  " على الحراكيش"  "أفديك بروحي يا جنوب"....  منتجع العروسة الشهير بدا هادئاً وبدون صعوبة وجدت غرفة.

كنت قبل ذلك توقفت لشراء بعض المشروبات وادوات اللعب الشاطئية.  بدا البائعان مسروران لرؤيتنا وأبديا غبطة.

الفندق كان كمن يقاوم التيار.  خدماته تقلصت إلى الحد الأدنى وبدا أن الجميع غير راض عن الوضع برغم أن معظم الغرف كانت مشغولة....

البحر وسحره، الشاطىء، الرمال الذهبية الناعمة... كلها بقيت شاهدة على عظمة المكان.  قضينا أوقاتاً جميلة... لاحظنا وجود قوارب للشرطة كانت تروح وتجيء وفجأة تذكرت أننا في موقع قد يكون مستهدفاً كونه يتبع مؤسسة الجيش!  لكني احسست بالراحة وانا أرى رجال الأمن يجوبون الشاطئ والقوارب تحرس البحر.  إمتلأ الشاطئ بالرواد.. من سكان عدن، كما من الزوار.

يوميات معيد- تعز


يوميات معيد

العيد فرصة للخروج من دائرة الروتين، ولكن أين الروتين في حياتنا، لقد أفتقدناه لذا فإن العيد كان مليئاً بالتأملات، كغيره من الايام، ولعل هذا هو الشيء الرتيب الذي أصبح يملأ حياتنا.

 

2. تعز

الحالمة شهرتها، والواقع يثير الكثير من التساؤل.  الوضع هادئ بعد أيام من المواجهات التي أغلقت الشارع الرئيس (والوحيد) في المدينة- شارع جمال، أخيراً فتح الشارع ولكن الترقب مازال سيد الموقف.  أصوات إطلاق النار والمفرقعات لا تكاد تنقطع.. لا داعي للقلق فتلك أصوات "الأفراح" أصبحت عادة كما علمنا وأصبح الناس يتفاخرون بإطلاق "العيار الثقيل" للتدليل على المكانة الإجتماعية.  ما أن يحل الليل حتى تملأ رأسك أصوات الدراجات النارية التي لا تنقطع حتى وان نامت المدينة بأكملها، كيف تتمكن من النوم؟  وكيف يتمكن سكان المدينة من النوم؟ ما أن يقترب موعد الفجر حتى تنطلق أصوات مكبرات الصوت ليس للأذان بل للتحضير له، وما أن ينتهي الأذان وتقام الصلاة حتى تبدأ خطب "التذكير" .... سنة جديدة أستنها البعض!

نزهة في آخر النهار على بعد مئات الأمتار من منتصف المدينة نحو جبل صبر تنسيك أنك في "مدينة".. فجأة تنتقل إلى قرى متناثرة صغيرة وسط طبيعة خضراء بديعة، وهواء عليل، ونصيحتي أن تحاول السير على الأقدام وأكتشاف الممرات الضيقة في الجبل... لا أنصحك بالتأخر فسرعان ما يحل الظلام فتجد نفسك في مأزق.

 

يوميات معيد- على الطريق


يوميات معيد
العيد فرصة للخروج من دائرة الروتين، ولكن أين الروتين في حياتنا، لقد أفتقدناه لذا فإن العيد كان مليئاً بالتأملات، كغيره من الايام، ولعل هذا هو الشيء الرتيب الذي أصبح يملأ حياتنا.
 
1. على الطريق
في السنوات الأخيرة تغيرت بعض العادات الخاصة بالعيد، وساهمت كثير من الظروف في ذلك، فبعد أن كان العيد فرصة للقاء الأقارب والأحباب، وكان الجميع يحرص على قضاء يوم العيد قريباً منهم، رأينا الكثيرون ممن يتخذون العيد فرصة للسفر والنزهة، ولا شك أن ذلك أفقدنا كثيراً من حلاوة العيد وأفتقدنا لقاءاتنا بأحبائنا وقت العيد، ويبدو أن كثيراً من الظروف قد ساهمت في تفضيل الكثيرون للسفر ومنها ظهور عدد من الإتجاهات الجديدة والمحببة خاصة منذ العام 1990 وظهور عدن-مثلاً- كوجهة محببة للأستكشاف والنزهة، أضف إلى ذلك إتساع نطاق الأسرة مما جعل زيارة العيد لدى الكثيرين واجباً يصعب القيام به، أما في الفترة الأخيرة فزيادة المشاكل والضغوط في المدن جعل من السفر أمراً ضرورياً لدى الكثيرين للخروج من دائرة خانقة من الفوضى.
هذا العيد كانت نزهتي قصيرة وشملت تعز وعدن.  الكثير من الأصدقاء نصحني أن أعدل عن فكرة السفر في هذه الظروف وفي ظل حوادث التقطع والأعتداءات على الطرقات، وبالطبع حذرني هؤلاء من تعز والتي شملتها مواجهات قبل أيام من العيد، أما عدن فقد أعلنوا أن السفر إليها ضرب من الجنون في وقت "يتعرض فيه الدحابشة" للمضايقات والأعتداء.  من علم بعزمي على السفر نصحني بأن أدبر سيارة لا تحمل الرقم 1 أو 2... ولما لم يكن لدي خيار آخر فقد استقليت سيارتي التي تحمل الرقم 1 واتجهت فجر الخميس- يوم الوقفة- نحو تعز. 
كانت الأخبار قد وصلتني حول إزدحام الطريق بين صنعاء وتعز بحيث أن السيارة تقطعه في 7-9 ساعات!  كما وصلتني الأخبار حول الحوادث العديدة على الطريق، وعن التقطعات.. لذا فقد كان السفر عند الفجر خطوة موفقة تجنبت من خلالها جميع المشاكل، مع أني لم أستطع تجنب أكثر من 115 مطباً على الطريق...
طريق صنعاء- تعز مازالت كما هي.  تملؤها الحفر وتفتقر إلى اللوحات الإرشادية، وتجد نفسك بين حين وآخر أمام مفاجأة جديدة.  الطريق يتسع أحياناً ويضيق أخرى فتجد نفسك في مواجهة سيارة في الجهة المقابلة.  التقاطعات غير واضحة والأسواق تعيق الحركة في منتصف المدن وعند أسواق القات...
تستمتع بالطبيعة الجميلة وقد ساعد على ذلك تأخر الأمطار هذا العام فلا تحس بأن الشتاء قد حل، بل إن الصيف لازال يسيطر على الوضع... مع ذلك لا تستطيع تجاهل ما تعانيه البيئة فالطرق ممتلئة بالمخلفات وأكياس البلاستيك تفترش كل شيء حتى كادت تسيطر على كل ما تقع عليه عيناك.