الأربعاء، 13 يونيو 2012

ليلة القدر

حكاية سمعتها على أوجه مختلفة، وفيها من الخيال الكثير، وهي تثير في الأطفال الخيال، حكاية ليلة القدر التي تقول بأن شابة طالما تمنت أن يطول شعرها ليكتمل جمالها، وحلمت كثيراً بتحقق هذه الأمنية.

في رمضان وبينما يتوجه الناس لربهم طالبين مغفرته، يسعى الكثيرون لأن تكون ليلة القدر ضيفهم، ففيها تتحقق الأماني، ويحصل الإنسان على مراده مهما كان، ورضى الله هو السبيل لليلة القدر، وعبادة الله والتقرب إليه يوصل العبد لليلة تتحقق فيها أحلامه.
الشابة قررت أن تبذل الكثير من الجهد تقرباً إلى الله في رمضان، وعملت بجد لأجل الوصول لليلة القدر، ولليلة القدر، حسب الرواية، ثلاث أمنيات لا غير.

بينما الشابة تتطلع للسماء من نافذة غرفتها، تأتيها ليلة القدر مفاجأة، ويكون عليها أن تذكر أمانيها، تقول " يا ليلة القدر كبري راسي" - أي أطيلي شعري- فإذا رأس الشابة يكبر بحيث لم تعد قادرة على إدخاله من النافذة.

وهي في أزمتها تلك تتمنى ولسان حالها يقول " يا ليلة القدر صغري راسي"- لتتخلص من محنتها تلك، ويتحول رأس شابتنا إلى مسخ صغير كحبة الفول.

لا تجد الشابة بداً من أن تتمنى أمنيتها الأخيرة " يا ليلة القدر ردي راسي إلى مكانه"- أي كما كان.

وهكذا تمضي ليلة القدر وتمضي معها أحلام شابتنا، ولسوء تقديرها لا "تستفيد" من فرصة لا تأتي "إلا مرة".....

اليوم لسان حال الكثير من اليمنيين يقول: "يا ليلة القدر ردي راسي إلى مكانه"، فمازلنا نتمنى أن تعود أيام نتمتع فيها بشيء من السكينة والأمان، بل والأمل في المستقبل.

الثلاثاء، 5 يونيو 2012

الجيش الثالث


الجيش الثالث



كان معظم المتابعين للأزمة التي عصفت باليمن منذ بداية العام 2011 يجزمون أنها ستؤدي إلى صراع عسكري، منهم من جزم بأن اليمن ستكون صومال أخرى (بعد الصومال والعراق)، ومنهم من أكد أن الحرب ستنتهي سريعاً حال سيطرة طرف على الأمور، وقد جاءت الأحداث لتؤكد عدم صحة هذه التوقعات.

ما أن بدأت الأزمة تتفاقم حتى تمردت إحدى الفرق الرئيسية في الجيش اليمني، وكانت تلك حركة مفاجئة كونها جاءت من الجهة التي كان يفترض ولاءها المطلق لحكم الرئيس صالح، ومقارنة بمصر التي قام الجيش نفسه بالإطاحة بالرئيس، لم يتوقع المراقبون أن يكون للجيش دور في الإطاحة بحكم الرئيس صالح.  خروج هذه الفرقة وقائدها المشهور بولائه أيضاً للإسلاميين كان مفاجأة فهو يتصل بصلة القرابة للرئيس صالح وكان من المستبعد أن يذهب بؤلائه لهم إلى حد الخيانة للشخص الذي تربطه أيضاً القبلية وغيرها من الصلات.

كانت حركة التمرد تلك مبرراً للقول بأن الحرب قادمة لا محالة، وانتظر الناس أياماً بعد أيام، فإذا الرئيس صالح يتصرف بهدوء وكأن شيئاً لم يكن، ولم يظهر على السطح ما يستوجب القلق.  تطورت المواجهات بين القوات المساندة لصالح وتلك التابعة لعلي محسن ولكن بشكل غير مباشر، فقد استخدم علي محسن المتظاهرين ليوسع نفوذه، وصار تمدد خيام الإعتصام (حتى ولو كانت خاوية) على طول شارع الدائري علامة على توسع هذا النفوذ، بينما أستمرت قوات الأمن في مقاومة هذا التوسع واعتبر شارع الزبيري هو الخط الأحمر الذي مثل رمزاً للغلبة لم يتجاوزه أحد رغم المحاولات المحدودة.

أسابيع مرت، فإذا نحن نسمع بأن علي محسن يتسلم مخصصاته ومخصصات فرقته كالعادة من وزارة المالية، وتلك المبالغ الضخمة لم يقتطع منها ريال واحد.  منهم من قال أن الأمر تم "بالقوة" أو "بالترهيب"، ولكن سرعان ما سقطت هذه المقولات بعد أن استمر الأمر لشهر آخر وثالث ورابع.... إذن قرر الرئيس صالح استمرار تمويل "المتمردين" عليه وعلى حكمه.

لا يزال الأمر يحير الكثيرون، ومنهم من ذهب للقول بأن الرئيس صالح "تآمر" مع علي محسن ليقوم بتمرده بعدما أعيته التظاهرات ولم يجد وسيلة للخروج من مأزقه، فكأن تمرد علي محسن كان سفينة النجاة! وبرغم مرور أكثر من سنة وتخلي الرئيس صالح عن الحكم إلا أن البعض مازال يؤمن بنظرية "المؤامرة" المزعومة.

استمر الأمر، كما أسلفنا، كما هو، ولم تقم الحرب المفترضة بين القوات الموالية للرئيس صالح، وتلك المتمردة عليه، وبرغم حدوث مواجهات، إلا أنها كانت محدودة، وربما محسوبة، واستمر كلاً من الطرفين يحاول استخدام "الشارع" لإثبات قوته، ويبدو أن الأمر كان يسير في مصلحة الرئيس صالح الذي ظلت حكومته متماسكة، وكان اكتشابه للتعاطف الشعبي واضحاً على حساب علي محسن.

جاءت محاولة أغتيال الرئيس صالح وأركان حكمه في ذروة الصراع، وكانت كمشهد تمثيلي غير محسوب، وقد ذهب البعض من المتعاطفين مع الأحتجاجات، في محاولة منهم للتخلص من عبء الجريمة وتبعاتها، إلى حد القول بأن الرئيس صالح هو من "دبر" هذه العملية!

بدا المشهد درامياً، والرئيس صالح يقول كعائد من الموت "مادمتم بخير فإنا بخير" وسرعان ما تأكد أنه أعطى توجيهاته بكل قوة بعدم الرد أو الهجوم، في وقت بدا للكثيرين أن الفرصة ملائمة ليقوم بضرب قوات علي محسن في الصميم، وفي وقت لم يكن فيه بحاجة لتقديم تبرير.  هذا الموقف، من جديد فاجأ المراقبين الذين انتظروا ساعة الصفر، وحتى مغادرة صالح للسعودية للعلاج لم تؤدي إلى اشتعال الحرب.

مواجهات الحصبة تمت فور مغادرة الرئيس للسعودية، وقد فشلت في فرض الأمر الواقع بتقسيم صنعاء وعزل المطار، الذي لو تم كان سيؤدي إلى قلب موازين القوى، ومرة أخرى كانت ردة فعل قوات الجيش محسوبة تماماً كما لو كان الرئيس صالح نفسه هو من يدير المعركة، وانتفت فكرة "الإنتقام" التي توقع الكثيرون أن يقوم بها إبنه الذي يسيطر على الجيش.

يستمر إنقسام الجيش إذن، ويستمر الرئيس نفسه بتمويل "المتمردين"، بينما تقوم عملية سياسية أثبتت أن الرئيس صالح يسعى للخروج من الحكم بطريقة سلمية، ومن الغريب أن العملية السياسية التي عرفت بالمبادرة الخليجية لم تعالج "تمرد" الجيش بشكل مباشر، ولا إلى حل مشكلة "المعتصمين"، بل ركزت على "نقل السلطة" كهدف رئيسي، فكانت كوضع مسكن على الألم.

خطوات تليها خطوات، تلك المبادرة الخليجية التي أطالت عمر الأزمة، وخلقت رأياً عاماً يزداد سخطه يوماً بعد يوم على القوى السياسية والأوضاع بشكل عام.  حكومة الوفاق التي تشكلت من حزب الرئيس صالح وقوى المعارضة لم تتمكن خلال شهور من تحسين الأوضاع، حيث ازدادت الامور سوءاً خاصة من الناحية الأمنية.

المشكلة في رأي الكثيرين هي إنقسام الجيش، حيث يسعى طرفا الأزمة إلى التمسك بأوراق اللعبة.  الطريف أنه خلال الأزمة كان هناك طرفان، الجيش الموالي للحكومة والجيش المتمرد، أما بعد المبادرة فقد اصبحنا نسمع بأن هناك جيش موالي للرئيس السابق، وجيش علي محسن، ويبدو أنهما الآن يوضعان بوصفها جيشين متمردين، وظهرت في شوارع صنعاء قوات جديدة تتبع ما يسمى باللجنة الأمنية، وهذه القوات "الهزيلة" حسبما يظهر للعيان هي الجيش الثالث في اليمن...

كان حل الجيش العراقي بداية لمأساة تعيشها العراق منذ أكثر من عقد من الزمن، فهل يتكرر السيناريو في اليمن؟