الأحد، 25 نوفمبر 2012

ينعل أبو السورة!

غادرت مكتبة ديوان في الزمالك بعد أن قضيت حوالى ساعتين أطالع قصة جميلة غرقت في تفاصيلها، هناك تحت الكوبري لم أكن قد خرجت فعلاً من القصة.  كنت أقف على الرصيف مرتدياً بدلة رسمية، وإن كنت قد انتزعت ربطة العنق لأني دائماً أضيق بها.  كنت أطالع السيارات وأحاول أنتقاء تاكسي، فإذا أحدها يتوقف دون إشارة مني، توجهت نحوه ففتح نافذته.  قلت له متسائلاً: طريق مصر أسكندرية الصحراوي.  أشار لي برأسه موافقاً.
جلست على المقعد الأمامي، فإذا أنا اسمع شكوى، "والله ما كلت من الصبح، دنا راسي حتنفجر والله"... ألتفت إليه وقلت نعم.  أشار لي وهو يواصل الحديث: معليش دنا بكلم أمي، وعندها فقط لاحظت أنه يضع سماعة هاتف على أذنه.
واصل الحديث.  كان صوت "القرآن" منخفضاً وهو يتحدث بصوت عال...
- إنت بتعيطي ليه يا ماما، ما تعيطيش يا أمي... ربنا حيفرجها من عنده.  دنا والله ما كلتش حاجة من الصبح.. دنا راسي حتنفجر.. استغفر الله العظيم...مش عارف حعمل أيه.. دنا يا دوب كملت الألف جنيه..فاضل ميتين وعشرين.. بإذن الله حجيكم كمان ساعة ونص..
- ماما هو بابا بيعيط ليه؟... هو بابا بيعيط ليه؟.. طب أدهوني.. ....
- بابا بابا... انت بتعيط ليه؟... ما تعيطش يابابا.. بلاش تعيط يا بابا، ما أنت عارف الدكتور "آل" إيه.. المرض ده خفيف و"خبيس" وأنت لسه في المرحلة الأولى.. لسه ما دخلناش عالكيماوي.. بلاش يابابا تعيط ربنا كبير، ربنا حيحلها من عنده... بابا.. أنا حجيك كمان ساعة ونص... أديني ماما...
- ماما.. بلاش تعيطي "أدام" بابا... بلاش تعيطي أدامه.. أنا كمان ساعة ونص بإذن الله وحجيكم... مش عارف حعمل أيه.  أنا "أدامي" ساعة ونص.... يا رب.. دنا مكلتش حاجة من الصبح والله.. دنا دماغي حتنفجر... مش عارف حعمل أيه.. وبنتي والله أنا سهران للصبح، كان عنديها مغص طول الليل، خفت أوديها للدكتور "يؤل" عايز فلوس.. سبناها للصبح... معليش يا ماما حجيكم كمان ساعة ونص....
إلتزمت الصمت وأنا أصغي "مضطراً" لحديث السائق.
- استغفر الله العظيم.. يا رب.. يا رب... دنا من الصبح يا دوب كملت الألف جنيه، وصاحبي اللي عنده ليا فلوس رحت لعنده و"ألت له" ما أدانيش حاجة.... دنا مكلتش يا حاجة من الصبح.. دماغي حتنفجر.... يا رب .. يا رب.
كان هذه المرة يوجه كلامه إلي.
وجدتني أحدثة: هو والدك مريض؟  قال: عنده سرطان في الرئة... لما بيكح بيتعب.  لسه ما دخلش عالكيماوي.. عايزين نعمل ليه تحاليل حتتكلف 1200 جنيه.  الساعة تسعة حنعمل له التحاليل عايزين 1200 جنيه واللي ماعندوش يموت في البلد دي...

واصل حديثة:
وبنتي والله دي عندها شهرين...إمبارح ما "ادرتش" اوديها للدكتور علشان حيحتاج فلوس... نعمل إيه؟... يا حرام اديناها شوية أعشاب ونامت على بطنها... كان عنديها مغص..
قلت: ليه هو ما فيش مستشفيات للحكومة؟
قال: المستشفى الوحيدة المجانية "مأفولة".. في أضراب.. الدكاترة مضربين... يخرب بيتها البلد دي... ينعل أبو الرياسة على أبو السورة..... البلد "باضت"... واللي ممعاهوش يعمل أيه... ينعل أبو السورة.. 
إلتزمت الصمت..
خلال أكثر من عشر دقائق تالية إلتزمت فيها الصمت ظل يردد... يا رب... يا رب....
وصلت لمقصدي، أوقف السائق السيارة، وسألته: معاك فكة... قال نعم... أعطيته الأجرة وأعاد لي الباقي وكنت قد زدت على الأجرة.  خرجت من السيارة وتوجهت نحو الفندق... سمعته فجأة يناديني .. يا بيه.. يا بيه...
عدت لأرى ما المشكلة...
قال: ممكن يا بيه تسلفني؟  وأنا حردهم لك.......
أعتذرت له وقلت له أني مغادر....
"ينعل أبو السورة".........  أننا بحاجة لثورة أكبر من مجرد تغيير وجوه وأشخاص، نحن بحاجة لتغيير قيم ومفاهيم ليست جديدة، قيم ومفاهيم راسخة في وجدان الناس..
فكيف السبيل إلى ذلك يا ترى؟

الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

طريقتي....

أحياناً أشعر بأننا في اليمن نعيش حالة فريدة، فنحن نعيش هامش "حرية" قد لا نجده في أي مكان في العالم، وزاد "الطين بله" أحداث العام  الماضي واستغلال مختلف الأطراف لها لتحقيق مكاسب سياسية، فلم نعد نتساءل عن الواجبات بقدر تساؤلنا عن الحقوق، وبرغم ارتباط العنصرين ببعضهما إلا أن الكثيرين يهملون ذلك، فنرى من يطالب "الحكومة أو النظام..." بتحسين التعليم وهو نفسه لا يقوم بواجبه في عمله.
لم يتوقف "فيضان" المطالبة بالحقوق عند الموظفين في المرافق الحكومية، بل شمل أيضاً رجل الشارع فأصبحنا نعاني من تصرفات الناس وعدم مراعاتهم للآخرين ولعل لذلك عدة أسباب تتمثل في إنتشار الجهل كسبب رئيسيي ثم ما لعبه الإعلام من دور في "تجهيل" الناس.
بالأمس، وبينما "أضطررت" لقيادة سيارتي عند الساعة الحادي عشرة -في عز الزحمة- وشمس الشتاء الحارقة تلهب الأرض، كنت انتظر دخول شارع "صخر" وفي إنتظار إشارة رجل المرور كان صاحب التاكسي خلفي يطلق زمارته ( طريقته... بتشديد الراء.. كما تسمى هنا ).  تجاهلت الأمر للحظات.. عندما أشار لي رجل المرور فتحت نافذتي وطلبت منه أن يحرر مخالفة لهذا العابث خلفي.  سألني عن السبب قلت له "بيطرق"... تجاهل رجل المرور طلبي في تعجب.
إستمر سائق التاكسي خلفي في إطلاق زمارته وهو يسير خلفي بينما الطريق مزدحم ونحن ندخل شارع صخر.  لم أتحمل الأمر ففتحت النافذة وأعلنت أحتجاجي.  قال صاحب التاكسي: مالك؟.  قلت له: يا أخي أزعجتنا .. ايش مشكلتك؟.  رد علي:  طريقتي!

عندها لم أجد بداً من مواصلة السير.... وتذكرت حديث دار بيني وبين أحد الزملاء حول الوضع في اليمن... حينها قال: يا أخي عندنا في اليمن كل واحد يحكم نفسه بنفسه..... ولعل هذا هو تعريفنا اليمني الخاص بالديمقراطية، على طريقة... طريقتي!
 

الأحد، 4 نوفمبر 2012

يوميات معيد- حمداً لله على السلامة


 يوميات معيد

العيد فرصة للخروج من دائرة الروتين، ولكن أين الروتين في حياتنا، لقد أفتقدناه لذا فإن العيد كان مليئاً بالتأملات، كغيره من الايام، ولعل هذا هو الشيء الرتيب الذي أصبح يملأ حياتنا.

 

6. حمدا لله على السلامة

لم تكن عدن الهادئة هي التي اقلقت رحلتنا، ولم تخيفنا حتى "المنصورة" ب "ساحة شهدائها" الخالية على عروشها، ولم تكن تلك الأصوات التي تملأ الصحف والشاشات هي التي أخافتنا، بل كان حدثاً كدنا نقع ضحية له.

في طرقنا للعودة من تعز، وما أن تجاوزنا الحوبان ووصلنا لمشارف مفرق ماوية حتى لاحظنا الدخان يتصاعد في الأفق.  خطر ببالي أن يكون أولئك أطفال يلهون، ولكن سرعان ما بدأت أصوات الرصاص تصل مسامعنا.  توقفت لأستجلي الأمر.  الطريق مقطوع، والحرب قائمة....

مدرعات الجيش تصل مسرعة للمكان، سلم الله!....
لم يكن لنا خيار سوى العودة إلى "الحالمة"... لنعاود رحلتنا بعد ساعات...

الإعلام: مرة أخرى ينقل حكايات متناقضة ومختلف... قبائل شرعب تتقاتل على أراض...ملاحقة إرهابي.... إلخ...

يوميات معيد- عدن تنتظركم


يوميات معيد

العيد فرصة للخروج من دائرة الروتين، ولكن أين الروتين في حياتنا، لقد أفتقدناه لذا فإن العيد كان مليئاً بالتأملات، كغيره من الايام، ولعل هذا هو الشيء الرتيب الذي أصبح يملأ حياتنا.

 

5. عدن تنتظركم

عدن.. مدينة جميلة إعتادت على الترحيب بكل من زارها.  عدن أكتست بعرس خليجي عشرين فكانت مثل أميرة الزمان.  تزينت بأحسن زينة، ورحبت بمن أقبل إليها.  تناست في وقتها هالة من الخوف والهلع أطلقها من لا يريد لعدن أن تعود يوماً لتعيش، أستقبلت الزوار، وأحسنت صنع الفرح بين أهلها وزوارها. 

ماذا جرى يا عدن لتستسلمي؟  أصوات من التخويف والترهيب أصمت آذان من يحبك، وعبارات من الكراهية أخافت من يريد أن يصاحبك لحين من الزمان.  يا لها من آلة إعلامية رهيبة صورت عدن بصورة عاهرة تجمع حولها رجال السوء..

كذب الإعلام بأن عدن أستقبلت في العيد مئات الآلاف من الزوار، مثلما يكذب ويجعل الناس يهجرون عدن لأنها لم تعد تتسع إلا "للعدنيين"... كذب بأنها إحتفلت بتك الجموع من الناس.  عدن يا سادتي تتوق إليكم وتحن لأيام تلقونها فيها.  إبعدوا الخوف عنكم، فعدن والعدنيون يرحبون بمن يحبهم ويكن لهم المودة.  فاصموا آذانكم عن تلك الأصوات النشاز وثقوا بأنكم في ضيافة كريمة تحبكم.

يوميات معيد- إب


يوميات معيد

العيد فرصة للخروج من دائرة الروتين، ولكن أين الروتين في حياتنا، لقد أفتقدناه لذا فإن العيد كان مليئاً بالتأملات، كغيره من الايام، ولعل هذا هو الشيء الرتيب الذي أصبح يملأ حياتنا.

 

4. إب

اللواء الأخضر، كما يسمونه، جميل بطبيعته الخلابة، وتنوع المناظر فيه.  الجبال الخضراء، الوديان، التلال.  كل شيء يجذبك للطبيعة ويخاطبك.  القاعدة، النجد الأحمر، إب، جبل بعدان، الدليل، سمارة، يريم.... لا تكاد المناظر تغيب عن البال.

في مدن إب تبدو الصورة مقلوبة.  القاعدة مدينة عشوائية تزحف على جوانب التلة، الشوارع الضيقة والمشوهة تملؤها القاذورات.  ما أن تخرج من الطريق المزدوج الذي يوصلك لحدود محافظة إب حتى تصدم من وضع الطرق في القاعدة، حتى في الخط الدائري الذي لم يستكمل العمل به.

تجمعات الجمال تملأ الخط الدائري الواسع والمهمل.  أما إذا سلكت طريق وسط القاعدة فكمن يقع في حفرة وعليه أن يجتهد ليخرج منها.

لا يكون الحال افضل على طول الطريق المهمل بين القاعدة وإب، وعندما تدخل مدينة إب تحس بالأسى، فهذه أجمل مدن اليمن طبيعة اعتدت بجمالها فلم يطاله التشذيب، الشوارع مهملة متسخة، العبارات واللوحات القماشية تعلو الرؤوس بعبارات لا تعني شيئاً.  إب تتحول إلى كتلة خرسانية صامته في فوضى لا نظير لها.

الدليل، ممر صغير مكتظ، لا طريق ولا نظام ولا نظافة... وبحمد الله تسلك الطريق الدائري لتتجنب كل ذلك وتصعد نقيل سمارة الشهير.  بعيداً في الطبيعة تنسى هموم المدن ... تطل على سهل واسع يتشكل بألوان الأصغر والأخضر والبني، إنت مطل على كتاب... ومرة أخرى تغرق في فوضى المدن وطريق يشكو الإهمال المطلق.

لا يسعفك الوقت، فتصل بسرعة إلى يريم، مليحة غدر بها الزمان.  تكاد تجزم بأن الفوضى خلقت هنا، وأن الإهمال مصدره هنا، فلا طريق ولا نظام .... لتغادرها بأسرع ما تستطيع.

ما بك يا إب.. أما سمعت بأن هناك مدنية وتحضر، أليس يسكنك خيرة رجال اليمن، ألا يوجد آلاف من أبنائك في أصقاع الأرض وهم يجودون بأموالهم إليك؟  أما سمعت بأن هناك حكومة يا إب؟  لولا بضع طرق صنعتها إحتفالات العيد الوطني-برغم ما سادها من إهمال- لكدت أجزم أنك خارج الزمان.

يوميات معيد- الدحبشة


يوميات معيد

العيد فرصة للخروج من دائرة الروتين، ولكن أين الروتين في حياتنا، لقد أفتقدناه لذا فإن العيد كان مليئاً بالتأملات، كغيره من الايام، ولعل هذا هو الشيء الرتيب الذي أصبح يملأ حياتنا.

 

3. الدحبشة

وأنا ألهو بالرمال، مرة أخرى، يأتيني شاب علمت أنه في السنة الثانية الثانوي، من لحج كما أخبرني.  سألني عما أقوم به.  حديث متبادل فإذا هو يسألني: من أين أنت؟... أجنبي أو دحباشي؟.. فاجأني السؤال.  لم يكن يبدو على نبرة كلامه أي تهكم أو سخرية، بل على العكس.  فهمت أن "دحباشي" أصبحت كلمة دارجة تعني الآتي من الشمال!  أخبرني الشاب بأنه، والحمد لله سيحصل على عمل في الجيش بمجرد تخرجه من الثانوية، قال بأنه قرر أن يلتحق بالجيش رغم المخاطر لأنه مضمون.  وأكد في حديثة بأن "الدحبشة" ضروية.
عندما سألته ما رأيك بالإنفصال قال بكل حزم بأن هناك شلة معتوهين يريدون الإنفصال ولكن كلنا أهل ولا يمكن أن ينجح أولئك بمسعاهم، ولا فائدة ترجى من الإنفصال.

يوميات معيد- حورية البحر


يوميات معيد

العيد فرصة للخروج من دائرة الروتين، ولكن أين الروتين في حياتنا، لقد أفتقدناه لذا فإن العيد كان مليئاً بالتأملات، كغيره من الايام، ولعل هذا هو الشيء الرتيب الذي أصبح يملأ حياتنا.

 

حورية البحر

من عاداتي اللهو برمال الشاطيء، ويشترك معي أبنائي، وغالباً ما يجذب ذلك أعداداً من الأطفال الذين يأتون بدافع حب الأستطلاع وبعضهم يشاركنا في صنع لوحة ما.  في شاطئ العروس يحلو اللعب بالرمال الذهبية. 

تستهويني حورية البحر وقد بدأنا بصنعها بالرمال.  حضر العديد من الأطفال من أعمار مختلفة، يتساءلون عما نفعله.  حورية البحر!  ... من خمسة أطفال لم يفهم أحد ما أعنيه!  أحسست كأني آت من عالم آخر.  لم يسمع أطفالنا بحورية البحر من قبل، ولم يفد الوصف الذي أعطيته لهم كثيراً، لكنهم كانوا أكثر حماساً عندما أخبرتهم بأنها ستنزل البحر عند حلول الظلام!.  أطفالنا يفتقدون طفولتهم، فهم لا يقرأون الحكايات، ويفتقدون ما يشحذ خيالهم... في أي زمن نحن؟

 

يوميات معيد- عدن


يوميات معيد

العيد فرصة للخروج من دائرة الروتين، ولكن أين الروتين في حياتنا، لقد أفتقدناه لذا فإن العيد كان مليئاً بالتأملات، كغيره من الايام، ولعل هذا هو الشيء الرتيب الذي أصبح يملأ حياتنا.

 

عدن

الطريق إلى عدن يشوبها الكثير من التوجس.  الأخبار تقول بأن هناك الكثير من الحوادث والإعتداءات خاصة على "الدحابشة".  الطريق بدا خالياً نسبياً، حركة السيارات تكاد تكون منعدمة، بأستثناء اسواق القات التي تخنق الطريق وتوقف الحركة، وكلما توجهت جنوباً كلما قلت الحركة.  التوجس يزيد مع وصولنا منطقة الشريجة ولكن سرعان ما يتبدد الخوف، فلا شيء غير عادي.  دقائق وتملأ أعيننا أعلام "الجنوب" كما تسمى، ولحظات ونمر بنقطة تفتيش عسكرية يرفرف فوقها علم اليمن.   بائعي الليمون والجوافة يستوقفونك بالقرب من أحد المطبات، وتواصل السير حتى المثلث الشهير.  بدت نقطة التفتيش الشهيرة بالقرب من "الجمارك" السابقة في وضع عادي، ولم نلحظ أي شيء استثنائي، بل أننا أحسسنا بأن الأمر طبيعي أكثر من اللازم!  معسكر العند بدا مهجوراً على غير عادته، وسرعان ما وصلنا إلى لحج...

الرمال تملاء جنبات الطريق والوادي بدا هادئاً بخضرته المعهودة.  الطريق المزدوج بدا مهترئاً على غير عادته.  تطالعنا بعض الدراجات النارية، أحدها عليه راكبان يمسك أحدهما ببندق آلي.

بدت عدن على الأفق.  ترى أي طريق نسلك؟  نصحنا بتجنب المنصورة، وكنت قد سمعت أيضاً بتجنب المعلا... ولا بد أن هناك العديد من الطرق الأخرى المقطوعة.  لحسن الحظ كانت لدي معرفة بالطرق وعرفت ان طريق التسعين الدائري هو الأنسب.  على جانبي الطريق بدت العديد من الفنادق مقفلة.  الفنادق التي كانت في الماضي تمتلىء بالنشاط في مثل هذا الوقت كانت أبوابها مؤصدة.... بعض الفنادق فقط ظهرت على أبوابه بعض السيارات.

الطريق البحري بدا شاحباً، مع شحوب البحر الذي أنحسرت مياهه عن وحل على مساحات واسعة، ويبدو أن الطيور بدورها وجدت مأوى آخر فظهرت أعداد قليلة منها.

الطرق مليئة بالأوراق واكياس البلاستيك والمخلفات الأخرى... لوحة تندد "بالقتل" ... أعلام "الجنوب" وأخيراً وصلنا إلى المعلا.  بدت شاحبة كغيرها من مناطق عدن التي مررنا بها.  أطلال.. صور بأسماء "شهداء"... عبارات مختلفة..... فوضى... العمارات الشهيرة بدت كشاهد على معركة قامت وكأنها تشكو من إضرارها لشهادة تلك المعركة.

مرة أخرى شوارع شاحبة ووجوه شاحبة، منذ سنتين في مثل هذا الوقت من العام كانت الطرق تزدحم بالسيارات، أما الآن بدت على العكس من ذلك هادئة.  عبارات على الجدران " الجنوب الحر"  "استمر يا علي"  " على الحراكيش"  "أفديك بروحي يا جنوب"....  منتجع العروسة الشهير بدا هادئاً وبدون صعوبة وجدت غرفة.

كنت قبل ذلك توقفت لشراء بعض المشروبات وادوات اللعب الشاطئية.  بدا البائعان مسروران لرؤيتنا وأبديا غبطة.

الفندق كان كمن يقاوم التيار.  خدماته تقلصت إلى الحد الأدنى وبدا أن الجميع غير راض عن الوضع برغم أن معظم الغرف كانت مشغولة....

البحر وسحره، الشاطىء، الرمال الذهبية الناعمة... كلها بقيت شاهدة على عظمة المكان.  قضينا أوقاتاً جميلة... لاحظنا وجود قوارب للشرطة كانت تروح وتجيء وفجأة تذكرت أننا في موقع قد يكون مستهدفاً كونه يتبع مؤسسة الجيش!  لكني احسست بالراحة وانا أرى رجال الأمن يجوبون الشاطئ والقوارب تحرس البحر.  إمتلأ الشاطئ بالرواد.. من سكان عدن، كما من الزوار.

يوميات معيد- تعز


يوميات معيد

العيد فرصة للخروج من دائرة الروتين، ولكن أين الروتين في حياتنا، لقد أفتقدناه لذا فإن العيد كان مليئاً بالتأملات، كغيره من الايام، ولعل هذا هو الشيء الرتيب الذي أصبح يملأ حياتنا.

 

2. تعز

الحالمة شهرتها، والواقع يثير الكثير من التساؤل.  الوضع هادئ بعد أيام من المواجهات التي أغلقت الشارع الرئيس (والوحيد) في المدينة- شارع جمال، أخيراً فتح الشارع ولكن الترقب مازال سيد الموقف.  أصوات إطلاق النار والمفرقعات لا تكاد تنقطع.. لا داعي للقلق فتلك أصوات "الأفراح" أصبحت عادة كما علمنا وأصبح الناس يتفاخرون بإطلاق "العيار الثقيل" للتدليل على المكانة الإجتماعية.  ما أن يحل الليل حتى تملأ رأسك أصوات الدراجات النارية التي لا تنقطع حتى وان نامت المدينة بأكملها، كيف تتمكن من النوم؟  وكيف يتمكن سكان المدينة من النوم؟ ما أن يقترب موعد الفجر حتى تنطلق أصوات مكبرات الصوت ليس للأذان بل للتحضير له، وما أن ينتهي الأذان وتقام الصلاة حتى تبدأ خطب "التذكير" .... سنة جديدة أستنها البعض!

نزهة في آخر النهار على بعد مئات الأمتار من منتصف المدينة نحو جبل صبر تنسيك أنك في "مدينة".. فجأة تنتقل إلى قرى متناثرة صغيرة وسط طبيعة خضراء بديعة، وهواء عليل، ونصيحتي أن تحاول السير على الأقدام وأكتشاف الممرات الضيقة في الجبل... لا أنصحك بالتأخر فسرعان ما يحل الظلام فتجد نفسك في مأزق.

 

يوميات معيد- على الطريق


يوميات معيد
العيد فرصة للخروج من دائرة الروتين، ولكن أين الروتين في حياتنا، لقد أفتقدناه لذا فإن العيد كان مليئاً بالتأملات، كغيره من الايام، ولعل هذا هو الشيء الرتيب الذي أصبح يملأ حياتنا.
 
1. على الطريق
في السنوات الأخيرة تغيرت بعض العادات الخاصة بالعيد، وساهمت كثير من الظروف في ذلك، فبعد أن كان العيد فرصة للقاء الأقارب والأحباب، وكان الجميع يحرص على قضاء يوم العيد قريباً منهم، رأينا الكثيرون ممن يتخذون العيد فرصة للسفر والنزهة، ولا شك أن ذلك أفقدنا كثيراً من حلاوة العيد وأفتقدنا لقاءاتنا بأحبائنا وقت العيد، ويبدو أن كثيراً من الظروف قد ساهمت في تفضيل الكثيرون للسفر ومنها ظهور عدد من الإتجاهات الجديدة والمحببة خاصة منذ العام 1990 وظهور عدن-مثلاً- كوجهة محببة للأستكشاف والنزهة، أضف إلى ذلك إتساع نطاق الأسرة مما جعل زيارة العيد لدى الكثيرين واجباً يصعب القيام به، أما في الفترة الأخيرة فزيادة المشاكل والضغوط في المدن جعل من السفر أمراً ضرورياً لدى الكثيرين للخروج من دائرة خانقة من الفوضى.
هذا العيد كانت نزهتي قصيرة وشملت تعز وعدن.  الكثير من الأصدقاء نصحني أن أعدل عن فكرة السفر في هذه الظروف وفي ظل حوادث التقطع والأعتداءات على الطرقات، وبالطبع حذرني هؤلاء من تعز والتي شملتها مواجهات قبل أيام من العيد، أما عدن فقد أعلنوا أن السفر إليها ضرب من الجنون في وقت "يتعرض فيه الدحابشة" للمضايقات والأعتداء.  من علم بعزمي على السفر نصحني بأن أدبر سيارة لا تحمل الرقم 1 أو 2... ولما لم يكن لدي خيار آخر فقد استقليت سيارتي التي تحمل الرقم 1 واتجهت فجر الخميس- يوم الوقفة- نحو تعز. 
كانت الأخبار قد وصلتني حول إزدحام الطريق بين صنعاء وتعز بحيث أن السيارة تقطعه في 7-9 ساعات!  كما وصلتني الأخبار حول الحوادث العديدة على الطريق، وعن التقطعات.. لذا فقد كان السفر عند الفجر خطوة موفقة تجنبت من خلالها جميع المشاكل، مع أني لم أستطع تجنب أكثر من 115 مطباً على الطريق...
طريق صنعاء- تعز مازالت كما هي.  تملؤها الحفر وتفتقر إلى اللوحات الإرشادية، وتجد نفسك بين حين وآخر أمام مفاجأة جديدة.  الطريق يتسع أحياناً ويضيق أخرى فتجد نفسك في مواجهة سيارة في الجهة المقابلة.  التقاطعات غير واضحة والأسواق تعيق الحركة في منتصف المدن وعند أسواق القات...
تستمتع بالطبيعة الجميلة وقد ساعد على ذلك تأخر الأمطار هذا العام فلا تحس بأن الشتاء قد حل، بل إن الصيف لازال يسيطر على الوضع... مع ذلك لا تستطيع تجاهل ما تعانيه البيئة فالطرق ممتلئة بالمخلفات وأكياس البلاستيك تفترش كل شيء حتى كادت تسيطر على كل ما تقع عليه عيناك.
 

السبت، 6 أكتوبر 2012

إذا بليتم


إذا بليتم....

تطالعنا الأخبار من شتى مصادرها عن حال من الصعب على ذوي العقل منا تجاوز التفكير فيها.  إضافة لمعاناتنا اليومية التي تبدأ بالكهرباء ولا تنتهي بمحاولة السير في الشوارع التي أصبحت مثل توب بالٍ مليء بالثقوب، والت تعج بكائنات غريبة تحارب من أجل الوصول بدون هدف ولا طريق واضح.

اليوم نسمع أن الرئيس هادي أعلن أنه "يتم أخذ الإذن منه" عند توجيه ضربات أمريكية  للقاعدة، وبالأمس سمعنا من علي محسن أنه "كان الرجل الأول" وما يزال، وأنه "من خطط للثورة ونفذها"، وسمع من يقول أنه "يحارب أمريكا" بنهب سفارتها، وآخرون ينصرون الرسول صلى الله عليه وسلم بالشتم والسب والقذف، وغيرهم سيقضي على الفساد وسيوفر الرخاء للشعب اليمني بعد ذهاب "النظام السابق"، ومنهم من سينشر الأمن في صنعاء، وسيوحد الجيش، وربما يقضى على البغاء!

أضف إلى ذلك من يريد المحاكمة، ولا يرضى بالمبادرة. يحتمون (ممن؟) بجنود (الثورة)، يفترشون (الشارع)، ينتظرون أن تنضج الطبخة التي (احترقت)، ويأملون بأن تعود (ليلة القدر) من جديد!  يلوكون المبادئ وهم من يبيعها كل يوم، ينتظرون من (يقدم لهم ما عجزوا عن إنتزاعه)، مجلس الأمن؟  النظام السابق؟  النظام الحالي؟  الشيطان؟  لا فرق....

الكل يجاهر اليوم بما لديه، لم يعد هناك (محرم) أو (خطوط حمر) أو غيرها، اصبح الكل (عارياً) يا رب كما خلقتني!  ممن يخاف؟ ولم يخاف؟ ليس هناك حدود... والكل يريد الكشف عن (عورته) قبل أن يكشف عنها الآخرون!  الكل يرى أنها من (الشجاعة) ونسوا أو تناسوا أن هناك (حكمة) محمدية لو استخدموها لربما حفظوا شيئاً من (ماء) وجوههم....

(إذا بليتم فأستتروا) ... صدق رسول الله

الفساد...توطئة


الفساد.... توطئة

كلمة تتردد كل يوم، ومازالت تملأ اسماعنا منذ سنوات، كلمة نمقتها بقدر معناها، ونحس أنها تخنقنا وتقضي على بهجة حياتنا، كلمة طالما تغنى بها أرباب الإعلام على مدى سنوات، فمنهم من يدعي أنه ضد الفساد ويكيل الشتائم والسباب لهذه الآفة، ومنهم من ركب ركب الحكومة فتغنى بمكافحة هذه الآفة وكأنه الفارس المنقذ....

بدأت إحتجاجات الشباب بإسم مكافحة الفساد والقضاء عليه، وإذا بالفساد نفسه يقضي على آمال الشباب وطموحات الأمة، ليبقى الفساد ويمد أذرع جديدة، ويتغلغل بجذوره ليصل لكل مناح الحياة، وبحيث أصبحنا نحس أننا لن نعيش بدونه، ولن يستقيم لنا حال إلا إذا تعايشنا معه وقبلناه بيننا.

مازال البعض "يتغنى" بإسم الفساد، يدعي كرهه له، يحاول إقناعنا بأن "الآخر" هو الشيطان المفسد، ويصور لنا أنه الفارس المنقذ، هناك من تعود على قدح التهم وإلصاقها وياحبذا تكون تلك التهم متعلقة بهذا الغول الذي نكرهه جميعاً، الفساد.  مازالت أسماعنا وأنظارنا تطالع كلمات السب والذمام لأولئك "الفاسدين" الذين يجب أن نقضي عليهم، ومازال الكثيرون –لسوء الطالع- يصدقون ذلك وتذهب آمالهم بعيداً بأننا لا محالة سنعيش يوماً، بدون فساد.

نغمض أعيننا، وندير روؤسنا عندما يتعلق الأمر بشيء يخصنا.  نغض الطرف عندما يرتكب أحد أطفالنا خطأ، ندافع عنه، نحاول جاهدين حمايته.  نسعى بكل قوانا لإقناع أنفسنا أن إبننا عبقري يستحق النجاح وأكثر، ونندفع بكل قوانا لنثبت ذلك، فهو لا بد أن يكون الأول بين زملائه- ولو أضطرينا لاستخدام وسائل الضغط التي تحت أيدينا. 

نرى نساؤنا يحرمن مما عينه الشرع لهن من ميراث، وجيل بعد جيل نصم آذاننا عن شكواهن، هذا إذا لم نشارك في هذا الظلم، وهذا الجرم، نمنع نساؤنا من أبسط حقوقهن، وندعي أننا نحافظ على عفتهن، ونحن منغمسون في إرتكاب الرذائل، نعم فنحن القوامون ولن يطالنا ما يطالهن.  نتمنى أن يلحق أبناؤنا بناتنا، لديهم من الجد والإجتهاد ما يمكنهم من النجاح، وعندما تخيب آمالنا تضع من العقبات آمام بناتنا ما يمنعهن من التقدم، فيصبح الولد الفاشل هو الآمر والناهي وهو القائم على توجيه البنت.

نصحوا صباحاً وعيوننا مثقلة، بعد يوم من العمل، مساء من الكيف، وليل من السهر، نحاول دفع أولادنا للحاق بالمدرسة، "يا الله... لماذا لا يبدأون المدرسة الساعة التاسعة؟"،  يلبس الأولاد كيفما اتفق، يذهبون دون إفطار- يكفيهم بعض المال لشراء ساندويتش أو بسكويت، "حمداً لله... ذهبوا وخلصنا من هذا الهم"....

الفطور، إذا لم يكن هنا في البيت، فهناك في المطعم، على قارعة الطريق، على الرصيف، نعم على الرصيف، أما الوجبة فلا يهم نوعها طالما تملأ الجوف، ومتى يكون هذا؟، بعد أن نثبت أننا "قد بدأنا يوم العمل" فوقعنا أو بصمنا .. لافرق.

نبدأ عملنا بهدوء لا نريد أزعاجاً، نقتطع وقتاً للفطور، لا ندري كيف يمر يومنا، المهم أن لا يفوتنا أن نقتطع وقتاً لنؤمن مستلزمات الكيف.  قد يتطلب الأمر الحصول على المال اللازم لذلك، ولكن كيف؟.  يمكننا أن نساعد هذا المسكين في إتمام معاملته، وقد تفى مشاركتنا في تلك اللجنة أو ذاك الإجتماع، أو حتى قيامنا بمجهود )جبار( في تنفيذ مهام عملنا اليومي.  نحن نتلقى أجراً زهيداً، فلماذا يطلب منا كل هذا، لماذا العناء، فهذا الأجر لا يكفي... لا يكفي.  ثم إن خروجنا مبكراً لا يضير، فالغد موجود لإنجاز مهام اليوم.

في سوق "القات" الذي- وبحمد الله- إقترب منا حتى كاد يصل لكل باب، يجلس عبدالله- المقوت- على الرصيف، جديد يقسم عبدالله أن "القات" مش مبودر، وبأنه "طعيم" وبأنني لن أجد أفضل منه. "يا له من رجل غشاش- غالباً ما يخدعني بقات رديء"، سأجرب هذا اليوم أيضاً.

الغداء، ما هو؟، شيء يولد "حرارة" لازمة لجلسة تخزينة معتبرة.  بسرعة، يكفي أن يشتمل على بعض السلته والبسباس.  لا داعي لإجتماع الأسرة طالما أنني مستعجل، وبسرعة سأكون جاهزاً للمقيل.

ها هي الأم تنتهي من الغداء، وتكمل تنظيف المطبخ، وحان الوقت للراحة.  رحلة "تفرطه" قصيرة للجيران ستفي بالغرض.  طبعاً حبذا يكون هناك ما يعدل الرأس ويكيف المزاج، فالمساواة هنا مطلوبة وتساعد على زيادة الألفة بين الزوج والزوجة.  "حسناً أيها الأولاد، انتبهوا لدروسكم وواجباتكم، لا تقوموا بأي حركة تزعج أبيكم وضيوفه، يمكنكم مشاهدة التلفاز، سأرجع قبيل المغرب".

يحل الليل، الأب مازال في مقيله، والأم عادت للتو من نزهتها، "هيا أيها الأولاد- أذهبوا للنوم... يمكنهم أكل بعض السندوتشات قبل ذهابكم للفراش".... الأم تلتحق بالتلفاز.....

إنتهى يوم آخر.

الأحد، 8 يوليو 2012

ثلثين... وثلث

ليست من عادتي الألتحاق بمجالس القات، ليس بسبب أني لا أخزن، ولكن لأن الموضوع الذي يتعاطاه المخزنون منذ أكثر من سنة معروف، وليس هناك من جديد.  المهم أن الظرف ساقني إلى إحدى هذه المجالس وقد طرح سؤال شهير ومتداول هو ما الذي حدث في اليمن؟

ساق الحاضرون وجهات نظرهم في نظام وتتابع، مع مداخلات جدلية خارجه عن النص، وتراوحت الأراء ما بين تفاؤل تام، وتشاؤم كامل.  بعض الحاضرين رأى أن "التغيير" قد حدث وأن الأمور الآن تسير نحو "مستقبل مزدهر"، بينما أنكر آخرون هذا الأمر وعبروا عن خيبة أملهم بما جرى وبما آلت إليه الأمور.  كل طرف ساق مبرراته التي أشترك في كثير منها الطرفان مع اختلاف في طريقة استخدامها.

قال البعض بأن التغيير قد حدث وأن هناك مؤشرات كثيرة تدل على أن "اليمنيين" قد تركوا الماضي وراء ظهورهم وأن "ثورتهم" كانت ثورة ضد إرث من الخوف والتخاذل، وأنهم لن يرضوا بأن يعودوا للماضي، وأشاروا إلى "إتحاد اليمنيين" على مختلف توجهاتهم لتحقيق هذا الهدف، وأكدوا بأن المستقبل "مشرق".

الطرف الآخر قال بأن التغيير لم يحدث، بل كان محاولة أعادت الأمور للماضي والدليل على ذلك أن التغيير أقتصر على استبدال الرئيس وتقاسم الكراسي وليس تغييراً في المفاهيم العامة، وأزداد الأمر سوءاً بانهيار منظومة القيم بشكل غير مسبوق أدى إلى زيادة أنتشار الفساد.

الأختلاف ظهر جلياً:هل حدث "تغيير" أم لم يحدث؟، أو هل حدثت "ثورة" أم لم تحدث؟ ونظراً لأن لكل طرف مبرراته وأطروحاته، فقد إقترح أحدهم اللجوء للطريقة التقليدية في حل الخلافات في اليمن، ثلثين... وثلث.....

الطريف أن النقاش قادنا إلى محاولة معرفة لمن "الثلثين" فبينما أكد الطرف الذي يقول بوقوع ثورة أن الثلثين هي للثورة التي غيرت مجرى تاريخ اليمن، يقول الطرف الآخر بأن الثلثين مازالت من نصيب من لا يقولون بوجود ثورة.

على غير عادة اليمنيين جاءت المبادرة الخليجية فقسمت الأمر نصفين على الظاهر، لكن يتبقى أن الرئيس ومجلس النواب وغيرهما من مراكز القوى والسلطة مازالت من نصيب المؤتمر ومن يدور في فلكه......

الأربعاء، 13 يونيو 2012

ليلة القدر

حكاية سمعتها على أوجه مختلفة، وفيها من الخيال الكثير، وهي تثير في الأطفال الخيال، حكاية ليلة القدر التي تقول بأن شابة طالما تمنت أن يطول شعرها ليكتمل جمالها، وحلمت كثيراً بتحقق هذه الأمنية.

في رمضان وبينما يتوجه الناس لربهم طالبين مغفرته، يسعى الكثيرون لأن تكون ليلة القدر ضيفهم، ففيها تتحقق الأماني، ويحصل الإنسان على مراده مهما كان، ورضى الله هو السبيل لليلة القدر، وعبادة الله والتقرب إليه يوصل العبد لليلة تتحقق فيها أحلامه.
الشابة قررت أن تبذل الكثير من الجهد تقرباً إلى الله في رمضان، وعملت بجد لأجل الوصول لليلة القدر، ولليلة القدر، حسب الرواية، ثلاث أمنيات لا غير.

بينما الشابة تتطلع للسماء من نافذة غرفتها، تأتيها ليلة القدر مفاجأة، ويكون عليها أن تذكر أمانيها، تقول " يا ليلة القدر كبري راسي" - أي أطيلي شعري- فإذا رأس الشابة يكبر بحيث لم تعد قادرة على إدخاله من النافذة.

وهي في أزمتها تلك تتمنى ولسان حالها يقول " يا ليلة القدر صغري راسي"- لتتخلص من محنتها تلك، ويتحول رأس شابتنا إلى مسخ صغير كحبة الفول.

لا تجد الشابة بداً من أن تتمنى أمنيتها الأخيرة " يا ليلة القدر ردي راسي إلى مكانه"- أي كما كان.

وهكذا تمضي ليلة القدر وتمضي معها أحلام شابتنا، ولسوء تقديرها لا "تستفيد" من فرصة لا تأتي "إلا مرة".....

اليوم لسان حال الكثير من اليمنيين يقول: "يا ليلة القدر ردي راسي إلى مكانه"، فمازلنا نتمنى أن تعود أيام نتمتع فيها بشيء من السكينة والأمان، بل والأمل في المستقبل.

الثلاثاء، 5 يونيو 2012

الجيش الثالث


الجيش الثالث



كان معظم المتابعين للأزمة التي عصفت باليمن منذ بداية العام 2011 يجزمون أنها ستؤدي إلى صراع عسكري، منهم من جزم بأن اليمن ستكون صومال أخرى (بعد الصومال والعراق)، ومنهم من أكد أن الحرب ستنتهي سريعاً حال سيطرة طرف على الأمور، وقد جاءت الأحداث لتؤكد عدم صحة هذه التوقعات.

ما أن بدأت الأزمة تتفاقم حتى تمردت إحدى الفرق الرئيسية في الجيش اليمني، وكانت تلك حركة مفاجئة كونها جاءت من الجهة التي كان يفترض ولاءها المطلق لحكم الرئيس صالح، ومقارنة بمصر التي قام الجيش نفسه بالإطاحة بالرئيس، لم يتوقع المراقبون أن يكون للجيش دور في الإطاحة بحكم الرئيس صالح.  خروج هذه الفرقة وقائدها المشهور بولائه أيضاً للإسلاميين كان مفاجأة فهو يتصل بصلة القرابة للرئيس صالح وكان من المستبعد أن يذهب بؤلائه لهم إلى حد الخيانة للشخص الذي تربطه أيضاً القبلية وغيرها من الصلات.

كانت حركة التمرد تلك مبرراً للقول بأن الحرب قادمة لا محالة، وانتظر الناس أياماً بعد أيام، فإذا الرئيس صالح يتصرف بهدوء وكأن شيئاً لم يكن، ولم يظهر على السطح ما يستوجب القلق.  تطورت المواجهات بين القوات المساندة لصالح وتلك التابعة لعلي محسن ولكن بشكل غير مباشر، فقد استخدم علي محسن المتظاهرين ليوسع نفوذه، وصار تمدد خيام الإعتصام (حتى ولو كانت خاوية) على طول شارع الدائري علامة على توسع هذا النفوذ، بينما أستمرت قوات الأمن في مقاومة هذا التوسع واعتبر شارع الزبيري هو الخط الأحمر الذي مثل رمزاً للغلبة لم يتجاوزه أحد رغم المحاولات المحدودة.

أسابيع مرت، فإذا نحن نسمع بأن علي محسن يتسلم مخصصاته ومخصصات فرقته كالعادة من وزارة المالية، وتلك المبالغ الضخمة لم يقتطع منها ريال واحد.  منهم من قال أن الأمر تم "بالقوة" أو "بالترهيب"، ولكن سرعان ما سقطت هذه المقولات بعد أن استمر الأمر لشهر آخر وثالث ورابع.... إذن قرر الرئيس صالح استمرار تمويل "المتمردين" عليه وعلى حكمه.

لا يزال الأمر يحير الكثيرون، ومنهم من ذهب للقول بأن الرئيس صالح "تآمر" مع علي محسن ليقوم بتمرده بعدما أعيته التظاهرات ولم يجد وسيلة للخروج من مأزقه، فكأن تمرد علي محسن كان سفينة النجاة! وبرغم مرور أكثر من سنة وتخلي الرئيس صالح عن الحكم إلا أن البعض مازال يؤمن بنظرية "المؤامرة" المزعومة.

استمر الأمر، كما أسلفنا، كما هو، ولم تقم الحرب المفترضة بين القوات الموالية للرئيس صالح، وتلك المتمردة عليه، وبرغم حدوث مواجهات، إلا أنها كانت محدودة، وربما محسوبة، واستمر كلاً من الطرفين يحاول استخدام "الشارع" لإثبات قوته، ويبدو أن الأمر كان يسير في مصلحة الرئيس صالح الذي ظلت حكومته متماسكة، وكان اكتشابه للتعاطف الشعبي واضحاً على حساب علي محسن.

جاءت محاولة أغتيال الرئيس صالح وأركان حكمه في ذروة الصراع، وكانت كمشهد تمثيلي غير محسوب، وقد ذهب البعض من المتعاطفين مع الأحتجاجات، في محاولة منهم للتخلص من عبء الجريمة وتبعاتها، إلى حد القول بأن الرئيس صالح هو من "دبر" هذه العملية!

بدا المشهد درامياً، والرئيس صالح يقول كعائد من الموت "مادمتم بخير فإنا بخير" وسرعان ما تأكد أنه أعطى توجيهاته بكل قوة بعدم الرد أو الهجوم، في وقت بدا للكثيرين أن الفرصة ملائمة ليقوم بضرب قوات علي محسن في الصميم، وفي وقت لم يكن فيه بحاجة لتقديم تبرير.  هذا الموقف، من جديد فاجأ المراقبين الذين انتظروا ساعة الصفر، وحتى مغادرة صالح للسعودية للعلاج لم تؤدي إلى اشتعال الحرب.

مواجهات الحصبة تمت فور مغادرة الرئيس للسعودية، وقد فشلت في فرض الأمر الواقع بتقسيم صنعاء وعزل المطار، الذي لو تم كان سيؤدي إلى قلب موازين القوى، ومرة أخرى كانت ردة فعل قوات الجيش محسوبة تماماً كما لو كان الرئيس صالح نفسه هو من يدير المعركة، وانتفت فكرة "الإنتقام" التي توقع الكثيرون أن يقوم بها إبنه الذي يسيطر على الجيش.

يستمر إنقسام الجيش إذن، ويستمر الرئيس نفسه بتمويل "المتمردين"، بينما تقوم عملية سياسية أثبتت أن الرئيس صالح يسعى للخروج من الحكم بطريقة سلمية، ومن الغريب أن العملية السياسية التي عرفت بالمبادرة الخليجية لم تعالج "تمرد" الجيش بشكل مباشر، ولا إلى حل مشكلة "المعتصمين"، بل ركزت على "نقل السلطة" كهدف رئيسي، فكانت كوضع مسكن على الألم.

خطوات تليها خطوات، تلك المبادرة الخليجية التي أطالت عمر الأزمة، وخلقت رأياً عاماً يزداد سخطه يوماً بعد يوم على القوى السياسية والأوضاع بشكل عام.  حكومة الوفاق التي تشكلت من حزب الرئيس صالح وقوى المعارضة لم تتمكن خلال شهور من تحسين الأوضاع، حيث ازدادت الامور سوءاً خاصة من الناحية الأمنية.

المشكلة في رأي الكثيرين هي إنقسام الجيش، حيث يسعى طرفا الأزمة إلى التمسك بأوراق اللعبة.  الطريف أنه خلال الأزمة كان هناك طرفان، الجيش الموالي للحكومة والجيش المتمرد، أما بعد المبادرة فقد اصبحنا نسمع بأن هناك جيش موالي للرئيس السابق، وجيش علي محسن، ويبدو أنهما الآن يوضعان بوصفها جيشين متمردين، وظهرت في شوارع صنعاء قوات جديدة تتبع ما يسمى باللجنة الأمنية، وهذه القوات "الهزيلة" حسبما يظهر للعيان هي الجيش الثالث في اليمن...

كان حل الجيش العراقي بداية لمأساة تعيشها العراق منذ أكثر من عقد من الزمن، فهل يتكرر السيناريو في اليمن؟

الأحد، 19 فبراير 2012

والحقوق الضائعة

... والحقوق الضائعة

بالأمس كنت أتردد في دعوة اليمن ببلد الحقيقة التائهة، ولكني متأكد أن الكثيرين لن يختلفوا معي، بل وأزعم أنهم سيؤيدون ما ذهبت إليه، وهكذا فإني أضيف الحقوق الضائعة للقائمة.

قبل حوالي عام كامل خرج مجموعة من الشباب ينشدون التغيير.  دعوات التغيير لم تأت عبر البحار فقط، بل إن التغيير حاجة أحس بها الكثيرون لكنهم لم يقوموا بشيء لأجله.  خرج الشباب يدفعهم الحماس، ويملىء قلوبهم الأمل بمستقبل أفضل.

حياتنا أمتلأت بالأوساخ، سئمنا كلمات الكذب والرشوة والخيانة والخديعة والغدر والظلم والاختطاف والقتل،وووو كلها كلمات تملأ حياتنا، بل تملئ كل زاوية فيها حتى أصبح الكثيرون يفرون من حياتهم وراء القات أو غيره.

حياة جميلة وادعة، يملؤها العدل ويعطي كل ذي حق حقه.  حياه يكون الصدق أساسها، والحب عمادها، والعطاء والبذل للآخرين مسارها.  حياة تسير وفقاً لمنهج "كل نفس بما كسبت رهينة".

لم يخرج الشباب لوحدهم، بل لحق بهم عشرات الالاف ممن يتطلعون لمستقبل أفضل وحياة أجمل.  خرجوا تدفعهم مبادئ سامية، وليس حقداً أو حسداً أو طمعاً.....

ومرت الأيام، وكشف المستور، واتفق الذئب والراعي على قسمة القطيع......

اليوم مازال آلاف من البشر الذين يسكنون في المساكن المطلة على شارع الدائري وبعض فروعه يئنون من سلب حقوقهم. 

شوارعهم تحولت لمستنقعات، ودخولهم وخروجهم إليها مرهون بما لا يرضاه أحد منا.  سلبت حقوق هؤلاء لعام كامل، وها هو عام جديد يبدأ ولم يلق أحد بالاً لهؤلاء.

أين أنتم يا من خرجتم لاستلاب حقوقكم من "النظام" الظالم الفاسد، أين أنتم تسلبون هؤلاء حريتهم وحقوقهم؟  ماذا تقولون؟  أهذا يبرر إستمراركم في الظلم؟  ومن يقتص منكم؟  هل سألتم يوماً أنفسكم؟

الحقيقة التائهة

الحقيقة التائهة

قد لا أجاوز الصواب إذا أدعيت أننا في اليمن بلد الحقيقة التائهة.  والحقيقة تتوه في بلادنا منذ أول يوم نخرج فيه للدنيا.  فبخلاف ما أعطى الله البشر من نعمة تنظيم حياتهم، يولد الطفل لدينا ولا يجري تسجيله أو الاعتراف بوجوده، ولا يعتبر هذا "جرما" كما تنص عليه قوانين البشر التي طوروها، بل أمراً أعتيادياً، وللوالدين حق تعديل هذا الميلاد متى شاءا.

تصبح الحاجة لشهادة الميلاد أمراً واقعاً، إن رغب الوالدان بإدخال الطفل للمدرسة، ورغم كل القوانين لا تزال رغبة الأهل هي المعيار الأول والأخير، وفي الشهادة من يتذكر متى جاء هذا للدنيا، وما قيمة اليوم أو السنة، المهم أن تكون الشهادة كافية لإدخاله المدرسة.

سرعان ما نكتشف كم كنا "أجواداً"- وهو تعبير يمني يدل على بساطة التفكير وليس الكرم- عند تصديقنا لكل ما يقال، وعند أيماننا بقيم ومبادئ لا يلتزم بها حتى أقرب الناس إلينا.  ونحتار فيما نقرأ ونشاهد، وكيف نتعامل ونتصرف.

دوي هائل من الصحف والقنوات والمواقع ولهم جرا، ومرة أخرى أعذروني، إن أطلقت على أصحابها بأصحاب الأقلام المأجورة، فلا تستطيع من ذلك الدوي تبين الحقيقة مهما كانت بسيطة.

اليوم فقط، ننتظر الدقائق لنتحقق، يوم الغد الأثنين وبعده الثلاثاء إجازة رسمية، مئات المواقع والرسائل والأتصالات، كلها تؤكد الأمر، ولكن أين هو البيان الرسمي في الإعلام الرسمي؟  أين الحقيقة في ذلك؟  وننتظر وننتظر؟  أيذهب أولادنا بعد ساعات للمدرسة أم لا؟

وننتظر وننتظر... لا شيء... وكالعادة تتوه الحقيقة....

الأربعاء، 25 يناير 2012

بين أحلام التغيير وأوهامه


بين أحلام التغيير وأوهامه
قبل حوالي اثني عشر شهراً بدأت الأزمة في اليمن تشتد وتأخذ منحى آخر، في مثل هذا اليوم بالتحديد، عندما شاهد اليمنيون كغيرهم من البشر، شاهدوا تنحي الرئيس المصري عن منصبه بعد أيام فقط من بدء الاحتجاجات، بعد هذا اليوم بالذات ترآي لليمنيين حلم التغيير، ومثل إسقاط مبارك حافزاً لا يمكن إهماله.  حينها فقط لم تكن المعارضة مستعدة بعد، بل إنها لم تكن تعتقد بإمكانية تكرار المشهد المصري، والدليل على ذلك ما منيت به من فشل في دعوتها للتظاهر التي لم تلق التجاوب المأمول، واستمرت لأسابيع طوال تماطل، تارة تتحاور مع النظام الحاكم، وتارة لا تبدي موقفاً واضحاً.

مرت الأيام وتحولت الاحتجاجات البسيطة التي قام بها طلاب جامعة صنعاء إلى بذرة أستثمرتها قوى المعارضة بسرعة، ولم يتمكن النظام الحاكم في اليمن من مقاومة المد، المد الذي تمثل في تعاطف شعبي عارم، ورغبة في التغيير.  هو حلم طالما راود كل يمني، حلم بمستقبل يتخلص فيه اليمني من أوحال علقت به فلم يعد يستطيع التقدم.  الفساد لوث مناحي الحياة، بدءاً من السياسة وأربابها، وانتهاء بالمواطن العادي الذي استمرأ الفساد فصار سلوكاً يومياً ومرضاً عضالاً.  أنقلبت أسس الحياة رأساً على عقب، تبدلت القيم وتغيرت، وسيطرت نزعة المصلحة على كل ما يحيط بالإنسان، أصبحت المثل نكتة يتغنى بها الجميع، والنزاهة طيفاً من الأحلام.  أصبح اللص شجاعاً، والمرتشي جرئياً، والمعتدي مقداماً، وأصبح الأمين جباناً، والصادق رعديداً، والعادل لا يتماشى مع العصر.

إمتلأت أفواه اليمنيين بالقات، والأغلبية تعافه وتلعنه، وتنافسوا على كل شيء، وتحولت علاقات الناس إلى ضرب من النفاق الإجتماعي تغلب عليه المصلحة، وتنازع الأقارب والأباعد على المصالح والمال، ولم يترك أحدهم وسيلة من وسائل الكذب والتدليس إلا استخدمها لينتزع مصلحته سواء بحق أو بغير حق من أخيه.
اصبحت الثروة هي كل ما يهم، فتهافت الناس على الأراضي، واستخدموا كل وسيلة للكسب، أنشأوا المشاريع والمؤسسات والشركات، ولم تسلم الجمعيات والمنظمات الخيرية التي تدر ذهباً على أصحابها، وأصبح كل شيء للبيع، كل شيء.
جاءت الموجة عاصفة، وجاء كل بحلمه، في مستقبل "أنظف"، وتصور الكثيرون أن هذا المد لا يمكن أن ينكسر، وكانت ذكرى مشاهد مصر حاضرة، وتحولت الاحتجاجات إلى مهرجان كبير، مهرجان للإبداع أستطاع فيه الكثيرون من التعبير عن أنفسهم، وكادت تتحول لتسونامي يقضي على أدران وأوحال علقت على مدى سنون وعقود، بل وقرون بالمجتمع اليمني، ولكن هيهات.
سرعان ما استفاقت القوى التي رأت في هذا المد هلاكاً محدقاً، وتحركت بكل قوتها، تحركت لحماية نفسها، ركبت الموجة، أثقلتها، وأوجدت لنفسها موطئاً ومكاناً داخلها، ولم يستطع أحد منع هذه القوى وهي تدعي "دعمها" للتغيير، وهي لا تريد سوى حماية نفسها، وسرعان ما تحولت تلك القوى لموجة مضادة كسرت تلك الموجة قبل أن تصل لهدفها.

أصبح التغيير مرهوناً إذن بهؤلاء دون غيرهم، وأصبح اليمنيون كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولكن الوقت كان قد أزف ولم يعد لدى اليمنيين خيار سوى السير لآخر الطريق.  التغيير لم يعد سوى حالة من العناد لا بد من السير فيها، ونتائجه لم تعد تعني شيئاً للكثيرين، فذلك الزخم إنتهى، وتلك الأسس النبيلة التي بني عليها لم تعد سوى طرفة مضحكة مبكية بعد أن أثبتت الأحداث أن القادمين على تلك الموجة، والذين هم أساس الداء قد تحولوا إلى دواء.

التغيير تحول إلى وهم كبير بعد أن تم تقسيم الكعكة من جديد، وبعد أن تغيرت بعض الوجوه.  ذهبت أحلام التغيير التي أتت في لحظة تاريخية قد لا تعود لعقود، كلها ذهبت أدراج الرياح، ورجع اليمنيون لبيوتهم يندبون حظهم العاثر، ويتمنون فقط أن يعودوا لسنوات "عجاف" مضت، ينعمون فيها بأحلام قد تتحقق.