الأربعاء، 15 يونيو 2011

مقارنات مؤسفة


مقارنات مؤسفة
مرة أخرى تدفعنا الوقائع للمقارنة، وبدون إدراك منا نجد أنفسنا مجبرين على وضع الصور متوازية في أذهاننا، وهذه المقارنات يطلقها الناس حيثما تجمعوا وحيثما تحدثوا عن الواقع المعاش.
"ثورة شباب اليمن" التي قامت لمحاربة الفساد فقدت تدريجياً رؤيتها، فأصبحت عنواناً فقد معناه.  كانت "ثورة سلمية"  تسعى لتغيير واقع اليمن إلى الأفضل.  كانت ساحة الجامعة ترحب بالقادمين، وكان الترحيب حاراً وكأنه يدعو كل يمني إلى هذا الفضاء الجديد، وبالأمس كانت الساحة لا تنظر للون شعر القادم أو ملبسه، بل كانت تتطلع نحو يمن للجميع.  كانت الساحة تشكو "جور النظام" وتعديه على حقوق الناس، وتبشر بمستقبل يتساوى فيه الناس وتنفتح آفاق النجاح للمجتهد بقدر ما يشاء، ويعاقب فيه المسئ بقدر إساءته، بالأمس كانت الساحة تضم كل من أحس بالظلم، أو خيبة الأمل، كل المتطلعين لمستقبل أفضل، بالأمس بشرتنا الساحة أن روادها سيسعون دوماً لخدمة بلدهم ولن يكونوا كمثل "هذا الحاكم" الذي يسخر البلد لخدمته.
تقدم النظام بتنازلات، سعى لإنقاذ نفسه، هل فكر فينا؟، لا ندري، ولكننا على يقين أنه سعى لأنقاذ نفسه من موجة كادت تغرقه، تنازلاً تلو آخر حتى لم يترك شيئاً يقدمه.  واجتهه الساحة بالرفض، قيل لا بد من "اسقاط النظام"، ولم يفهم أحد من أين يأتي ذلك الزخم.  كان التكبر قد بلغ مبلغه فرفضت المبادرات، وقيل ألا بديل عن أسقاط النظام، ووسط ذلك رفض حتى التوسل بالإحتكام لكتاب الله، بغض النظر عن كونه وسيلة من وسائل الخلاص للنظام.
الآن فقط نعي أن إنقاذ "النظام" لو تم قبل عدة شهور كان سيحقق لنا ما لم يتحقق، ولن يتحقق مستقبلاً، والآن ندرك كيف أن "تكبر" الساحة قد أوصلنا للهاوية.
تحمل "النظام" سفسطة الساحة وسفه المتكلمين.  قدح القادحون في أعراض الناس ما شاءوا ونسجوا الحكايات وقدموا التحليلات ليثبتوا أنهم على حق، بعضهم استخدم المنطق، وبعضهم عرض الحقائق، والآخرين أستخدموا الدين ما حلا لهم.  البعض رأى في الأمر إنتقاماً للماضي، والبعض رأي فيه تبريرا لموقف، والبعض سعى من خلاله لتحقيق مصالح فردية أو جماعية.
الآن "الساحة" هي من يضيق بالرأي، و"الساحة" هي من يمنع الحديث، والساحة هي من يتهم الآخرين بالخيانة، بالعمالة، بالسعي للتخريب.  الساحة اليوم تبحث عن لون بشرتك، عن هندامك، بل وعن مكنونات قلبك قبل أن تقبلك فيها.  الساحة الآن تحكم عن نواياك وتقرر من تكون.  الساحة اليوم تصنف الناس "اصلاحي، حوثي، اشتراكي،...." وخلاف هؤلاء لا يجب أن يكونوا هناك فهم "بلاطجة".
بالأمس جاءت أخبار الحادث المروري الذي تعرض له الزنداني في عمران سكت "النظام" ولم يتشف أحد، ولم يربط أحد بين هذا الحادث وموقف الزنداني.  الكثير استغربوا من موقف النظام حينها، ولعلهم للآن لم يفهموه.
الساحة التي استقدمت الأوساخ والأوحال، وأقامت الصلاة على القتلة اللصوص سكتت عن تخريب الممتلكات العامة والخاصة.  الساحة إحتفلت بالدماء، دماء الشباب، ودماء الآمنين في بيت الله.  الساحة أحتفلت بالموت، وكأن الموت هدف ونصر...
الساحة التي فقدت الكثير من روادها وحصرت أهدافها في حصول فئة محددة على السلطة، تبشرنا كل يوم أن حياتنا ستتحول إلى جحيم إذا لم نكن ضمن تلك الفئة.  الساحة تبشرنا كل يوم بأن "الكهرباء لن تعود، والنفط لن يعود، والأمن لن يعود" وبأن "الدولة قد أفلست ولم تعد قادرة على دفع اجور الموظفين" وبأن.. وبأن... وبأن لا خلاص لنا إلا أن نكون ضمن تلك العصابة.....

السبت، 11 يونيو 2011

الثورة ومهرجان الرئيس


الثورة ومهرجان الرئيس
(هل كان هناك من يتوقع أن تتحول "الثورة" إلى إحتفال بالقتل!)
يوم الأربعاء 8 يونيو، الساعة جاوزت العاشرة مساءً في وادي شيعان، أحد أودية مديرية القفر.  شاءت الظروف أن أكون هناك، وكان الظلام يلف المكان مع انقطاع التيار الكهربائي منذ أيام.  كنت أتهيأ للنوم وكانت الساعة قد جاوزت العاشرة مساءً عندما بدأت طلقات الرصاص تدوي في الوادي.  لحظات فإذا طلقات أخرى من مناطق مختلفة.  ذهبت استطلع الأمر، وصعدت إلى السطح حيث كان الظلام دامساً باستثناء قمر وليد لم يستطع نوره أن يبدد شيئاً من الظلام.  زادت الطلقات وظهرت الألعاب النارية، أنتلقت الطلقات من مناطق مختلفة من الوادي، روؤس الجبال أشتركت، ولحظات فإذا بيوت تشعل النيران "التنصير أو التشعيل" على السطوح....
أستطلعت الأمر عبر الإتصال للبعض في الوادي وفي صنعاء، لم يكن هناك خبر مؤكد لكن الأمر كان إما "ان الرئيس عاد لليمن" أو أن "العملية التي أجريت له قد نجحت"... علمت في وقتها أن النيران تنطلق أيضاً في صنعاء وبكثافة، وكذلك الألعاب النارية... أستمريت في المراقبة على السطح وكانت أصوات الزغاريد تطلقها النساء، بينما الأغاني تنطلق من المسجلات.  بدا وكأن الوادي أصيب بحالة هوس، ومرت دقائق فظهرت أضواء كثيرة، كان الناس يتجمعون من قرية لأخرى وهم يصيحون " الشعب يريد علي عبدالله صالح، زنقة زنقة دار دار غيرك يا علي ما نختار.... " جابت تلك الأضواء القرى ووصلت لقرب البيت الذي كنت على سطحه....
بعد أكثر من نصف ساعة غادرت السطح بينما أستمر المهرجان حتى منتصف الليل....
في الصباح تبين أن الأمر كان "نجاح عملية أجريت للرئيس"، وعلمنا أن المهرجان أنتقل لجميع مناطق اليمن، بل قيل أن "المعارضين" أضطروا للمشاركة فيه....الغريب مشاركة مناطق مثل تعز والتي يقال أنها ضد الرئيس...
المهرجان في وادي شيعان أستمر في اليوم التالي، وكان الغالب عليه التنصير بالنار، وجاب الأطفال والشباب القرى وهم يغنون ويدقون المرافع....
لعل المهرجان جاء "رداً" على اما أبداه "رواد ساحة الإعتصام" من فرحة إثر أنباء عن "مقتل" الرئيس، بل وقيامهم بجزر الذبائح، واطلاق الألعاب النارية والإحتفال بهذا لحدث.....
للأسف فإن مهرجان الرئيس كان هو الأنجح، فقد إستطاع أن يثبت "شعبية" الرئيس ووجود مؤيدين له في مختلف أنحاء اليمن لم يتوقعها أحد، ولعل ما قام به المعتصمون قد أساء لليمن واليمنيين بشكل عام، فقد كان إحتفالاً تبع عمل من أعمال الغدر والخيانة وفي بيت من بيوت الله، عمل استهدف عدد كبير من قيادات الدولة...كان إحتفالاً بالموت...
جاء مهرجان الرئيس كرد قاطع أيده غالبية اليمنيين، فقد كان إحتفالاً بالحياة وبالأمل...
وهكذا تحولت "الثورة" لدعوة للموت، وتحول "الرئيس" لدعوة للأمل......  

السبت، 4 يونيو 2011

الثورة الأخلاقية- من جديد

الثورة الأخلاقية- من جديد

عندما بدأت حركة الشباب قبل ما يزيد عن أربعة شهور رفعت شعارات محاربة الفساد وقد أنحرفت تلك الحركة عن مسارها بعد بضعة أسابيع ولأسباب متعددة، وللأسف فإن تخلي الحركة "الثورة" عن مبادئ إنسانية جعلتها في مهب الريح، وقد أثبتت الأيام ذلك حتى وصلت الحركة لنقطة النهاية ببدء المواجهات بين قبائل أبناء الشيخ الأحمر وقوات الأمن في صنعاء خلال الأسبوع الماضي.  قامت عناصر القبائل بالأستيلاء على عدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية، ويبدو أن ذلك جاء ضمن مخطط لفرض السيطرة على الجزء الشمالي من العاصمة تمهيداً لفرض الأمر الواقع وربما الإستيلاء على السلطة بشكل كامل.
عناصر القبائل ظلت في عدد من الوازارات والمؤسسات الحكومية لأيام بعد تردد الرئيس في مواجهتها، ولجوءه للوساطة القبلية التي سرعان ما أثبتت فشلها.  الغريب في الموضوع أنه بعد طرد تلك العناصر القبلية من تلك المؤسسات الحكومية لوحظ أنها تعرضت للنهب وليس التخريب فقط!
بالأمس كانت لي فرصة السفر على إحدى الحافلات المتجة لعدن، وقد كان بجواري أحد الشباب المتجهين إلى تعز.  كان الرجل قلقاً كثير الاستخدام للهاتف، وقد فهمت من مكالماته أنه دكتور صيدلي.   ظهر لي أنه ملتزم فحتى نغمة هاتفه تصدح بأغنية مدح للرسول صلى الله عليه وسلم.
في أثناء رحلتنا التي استمرت حوالي ثلاث ساعات كان إلى الجانب الآخر من الحافلة رجلين، وقد تلقى أحدهما مكالمة، "استشهد"، "لا"، "لاو حول ولا قوة إلا بالله"، قال أحدهما وهو يتحدث للهاتف، ثم توجه بالحديث للرجل المجاور له، قال "فلان استشهد في تعز"...... عندها انطلق الشاب بجواري.... "سهل سهل.... هو من شهداء الثورة... سهل سهل..."
ظهر واضحاً أن الشاب بجواري كان ممن ناصروا حركة الشباب... توجه نحوي بالكلام.. "الله يلعنهم اللقاء المشترك خربوا الثورة"... التزمت الصمت....
مرت الدقائق ولم يكن بيني وبين هذا الشاب الكثير من الكلام... سألني إن كنت أخزن... اجبته بالنفي.
عندما وصلنا إلى ذمار فإذا رفيقي الثائر يتصل  بشخص ما.  "قد الإدارة أتصلوا؟" قال متسائلاً.  " إذا اتصلوا قولوا لهم أني في الشارع الثاني.... عند.... او...." ... "إذا اتصلوا قولوا لهم هكذا".. " أنا راجع يوم السبت"...
مرة أخرى... نحن في أمس الحاجة لثورة أخلاقية.... لم تبدأ بعد!