الأربعاء، 23 يوليو 2014


ويظل الشرق شرق                                                              نوفمبر 2013

يرى كثير من الشرقيون أن "الغرب" قد ظلمهم واجحف في حقهم، فهو الذي استعمر بلادهم و "أخذ خيراتها"، وبنى حضارته وثراه من هذا "الظلم" الذي ألحقه بهم.  ويحلوا للشرقيين أن يدعو أن سبب كل مشاكلهم ومآسيهم ونزاعاتهم وفقرهم هو "المؤامرة" الغربية التي تعمل على إبقاء الشرق ضعيفاً، ونجد العرب والمسلمين بصفة خاصة أكثر الناس لوماً للغرب ولمؤامرته التي لا تنتهي، لذا يظل الشرق شرقاً، ويظل الغرب غرباً.

يعيش الشرق تحت وطأة جملة من المعتقدات والعادات والتقاليد الإجتماعية التي تكبله، وتجعل تقدمه أمراً في غاية الصعوبة، خاصة إذا ما كان يحاول تمثل الحضارة الغربية ويعمل لنسخها بما في ذلك إنشاء أنظمة حكم "ديمقراطية" تعتمد على الأسس الغربية في الحكم، وبمجرد الملاحظة البسيطة نجد أن "الشرق" فشل في تمثل الحضارة الغربية بكامل مكوناتها، والنجاح الذي نشاهده "اقتصادياً" في اليابان وماليزيا والصين مثلاً مرتبط بالثقافة المحلية، ولم يخرج عنها، وفشل الهند يبدو أنه مرتبط بمحاولتها اتباع نهج الحكم الغربي.

عادات الإنسان في الشرق متشابهة إلى حد كبير، ويبدو أن تكوينه النفسي أيضاً متشابه برغم أختلاف الثقافات، فهناك مكونات مشتركة تكاد تكون الطابع الأغلب لدى الشرقيين، والتعامل يبين الإختلافات بين الشرقي والغربي، وهناك العديد من الأبحاث السلوكية التي حاولت تصنيف البشر، وجل تلك الأبحاث بالطبع غربي المنشأ، ولو استخدمناها لوجدنا من يفندها ويتهم "الغربيين" بالمؤامرة على "الشرق".

التجارب الشخصية تمثل منبعاً غنياً، فأنا في الأصل ممن آمنوا لسنوات بنظرية "المؤامرة"، وكنت أنتقد المنهج "الغربي" في تصنيف الأمور، بحيث يبدو "الغرب" هو المثال، ولم يخطر ببالي حينها أني "سأكفر" يوماً بهذه النظرية، وأصبح "اقرب" للمنهج الغربي، وأنا "العروبي" الذي قضيت سنوات أغني للعروبة، واتغنى بالأمجاد والتاريخ.  اليوم تجاربي الشخصية جعلتني اسقط نظرية المؤامرة، وأفسر فشل "الشرق" وخاصة "العرب" بتفسير آخر......

عملت لسنوات طوال في أعمال عدة، وتعاملت بشكل قريب مع آلاف من البشر، كنت دائماً أعتمد في تعاملي على الوضوح والبساطة، وكنت أتجنب، وأنا الذي عملت كمدير، أن اخلق حاجزاً بيني وبين من يقعون تحت مسئوليتي.  قد يكون ما تعلمته من "فنون" الإدارة هو السبب، وقد تكون طبيعتي البسيطة. 

تعاملت مع جنسيات متعددة، وفي بلدان عديدة، عقدت صداقات وكونت علاقات عمل مثمرة، وأختلفت مع الكثيرين، وشاهدت ألواناً من البشر، وسأحاول في كلمات قليلة أن أنقل انطباعاتي وتجاربي، واستنتاجاتي من كل ذلك.  لكنني مع ذلك لن استطيع تجاوز تاريخ حوالي ثلاث سنوات من الأمل والألم عشتها في هذا الجزء من العالم، وفي واحدة من أكثر دول العالم غرابة اليمن.

يعتمد اليمني في تعامله معك على عدد من المعطيات، من ناحية الشكل قد لا يختلف كثيراً عن بقية العالم، فمظهرك و"قيمة" ما ترتديه هو المقياس، لكن العنصر التالي هو الأهم، وهو من أنت، والمقصود هنا ليس شخصك، بل من أي عائلة، قبيلة، منطقة.  اليمني يرى أن الأنسان هو بمحيطه وليس بشخصه، بأسرته ومكانتها في المجتمع، وليس بنفسه، بالقبيلة التي يأتي منها ومدى تأثيرها، بعلاقاته ومدى قوتها.

بمجرد أن تلقى يمني سيضع تقييمه الأول بناء على تلك المعطيات، وتأكد أن تعاملك معه سيكون أساسه ذلك وليس غيره.  ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فإنت هو أسرتك ومنطقتك وقبيلتك وعلاقاتك، ووفقاً لذلك سيكون تصنيفك.  فلو كنت مثلاً من مصر فإنت "محتال ومخادع"، ولو كنت من "لبنان" فإنت "تفتقد للشرف" ولو كنت من "تهامة" فإنت ضعيف لا قبيلة لك ولا سند، وهكذا.

تصنيفك الأول، من أنت، سيؤثر بالضرورة على أي معطيات قد تأتي فتعليمك يصبح غير ذو أهمية، ففقدانك للسند يقلل بالضرورة من قدرتك على الفعل، بل ويقلل من شأن معرفتك وخبرتك.  في الحقيقة لا يأتي العلم ثانياً بل أسلوب تعاملك وتصرفك، وهنا لا تفيدك الحكمة، بقدر ما تفيدك الجرأة، ولا ينفعك حسن التصرف بقدر ما ينفعك قدرتك على أثبات وجودك وسيطرتك.

علاقتك باليمني ستكون بالضرورة محكومة بالأمور السابقة، وسيكون تصرفه معك مبني عليها، وحتى لو استطعت "تغيير" نظرته إليك عبر تعاملك بطريقة مخالفة، سيظل عقله الباطن يضعك في خانة خاصة بك، وسيبطن ذلك ويظهر ما يسرك، لكن لا تتفاجأ، فسيأتي اليوم الذي يظهر السر، عندما تصبح خارج الحلبة. 

يبني اليمني علاقته بك على "المصلحة المطلقة"، فلا تنتظر يوماً أن تبني علاقة "انسانية" وثيقة، فالمصلحة والمصلحة فقط هي المسير لعلاقتك معه، وحالما تنتهي المصلحة يتلاشى اليمني، ويختفي.  إذا تمكنت من عقد علاقة مع يمني، فلا تأمن "شره".  سيضحك معك، سيأكل معك، ستعتقد أنه صديق "حميم"، لكن ذلك لا يعني شيئاً بالنسبة له.  إن كنت في الأعلى وهو في الأسفل، لا تعتقد أن "ضعفه" سيمنعه من المحاولة، محاولة الإضرار بك، طبعاً طالماً أن ذلك يوفر له مصلحة أو يزيد من فرصه.  أما إن كنت في الأسفل وهو في الأعلى، فأعلم أنه لن يفصح لك ما يريده منك، بل سيخبر آخر وثالث، وسيتوقع منك أن تصلك الرسالة، فلا تتفاجأ عندما "يغدر" بك يوماً، و"يصفعك".

كلما كان اليمني يرتبط بصلة قربى بآخر كلما كانت العلاقة بينهما أسوأ، وكلما كانا من منطقة واحدة كلما كانا أقرب إلى التنازع، الحسد يفصل بينهما ويجعلهما أقرب للأعداء، منه للأصدقاء.  فالغريب عند "اليمني" أقرب من القريب!  فهو موطن ثقته وحافظ اسراره.

يعمل اليمني ما يكفي، فهو لا يتقن عمله، فليس من المهم "الكمال" بل القيام بالمهمة فقط، فإتقان العمل هو الوصول للحد الادنى، وليس الحد الأعلى!- طبعاً هنا شعور عام وهناك بالطبع استثناءات كثيرة وكثيرة جداً.

ماذا عن العرب، يا ترى؟  يرى كل "عربي" بأنه "أفضل العرب"، ويؤمن في نفسه بأن بقية العرب "متخلفون".  فلو تحدثت مع مصري لعلمت أن "المصريين" في وجهة نظره هم "قمة العرب"، ولا شك أن "الأردني" يؤمن بأن "الأردنيين" هم الأفضل، وهكذا مع السعوديين والإماراتيين، وهكذا.  مع ذلك فكل العرب "يؤمنون" يقيناً أن "الخواجا" هو الأفضل، فهو صاحب الخبرة، والمعرفة، وأهل للثقة.  لكن ذلك ليس أمراً مطلقاً، فالغرب يأتي في مقدمة "قائمة المحترمين" عند العرب.

يعمل العربي كاليمني، من حيث تعامله، فهو "باطني" لن يخبرك بما يريده منك، سيقيم عملك ولكن لا تتوقع منه أن يكون صريحاً معك.  العربي يؤمن بأنه "الأذكى" لذا لا تحاول فهمه.  العربي سيتعامل معك لتحقيق مصالحه، ولكن ليس لذلك فقط، بل لأنه يؤمن بأنه الأذكي فيسعى لإستغلال "غباءك" لتحقيق مكاسب أخرى، قد لا تفهمها!

يختلف الشرقيون في تعاملهم، ولا شك أن لديهم بعض الصفات المشتركة مع اليمنيين والعرب، فعدم أيمانهم بأنفسهم ظاهر، وإن كان كل واحد منهم يعتقد "بكمال نفسه" فإنه لا يؤمن ببني جنسه، ويسعى للإضرار بهم مطلقاً.  كما أن جانبهم أيضاً لا يؤمن، فهم لن يفصحوا عما يظنونه بك، ولن يسعوا يوماً لمصلحتك، مثلما يسعون لمصلحة أنفسهم.

ينطلق الشرقيون بما فيهم العرب واليمنيين من إرث حضاري وثقافي عمره آلاف السنين.  حضارات سادت وبادت، لكن أثرها النفسي على الأنسان مازال بادياً حتى اليوم، وبغض النظر عن الأختلافات فإن هناك الكثير من الشواهد على عناصر مشتركة وطاغيه.  هؤلاء تحكمهم ثقافة مجتمعية تجعل الفرد فيهم ذائباً، غير ذي قيمة، فمهما تمكن الفرد من النجاح، فإنه لا شيء بدون أسرته وقبيلته.  ذلك الإرث لا يحكم فقط وجود الإنسان بل ونفسيته أيضاً، فالولاء للأسرة والقبيلة هو الأقوى، لذا يسعى الناس للدفاع عن هذه المكونات، ومهما كان الأمر فلا يمكن لفرد أن "يخرج" عن القبيلة، حتى ولو كانت "ظالمة"، ومهما كان الأمر لا يمكن للفرد أن يقف ضد قبيلته، بل ويتوجب على الفرد أن يعمل لخدمة هذه المكونات فهذا واجب مقدس وأمر لا يمكن أن ينجح الإنسان إلا به.  وحتى إن كان الفرد قد "تحرر" لسبب أو لآخر من "قبيلته"، فإنه يسعى بكل قوته لخلق "قبيلة" خاصة به.  تلك التي تعمل على حماية مصالحة الذاتية.

ثقافة مبنية على إرث قديم، مقدس، إرث أصبح جزءاً من الشخصية التي تكون الفرد والمجتمع.  إرث تضعف فيه قيم أساسية، قيم العدالة والصدق.  سيقول قائل إن التنافس على الموارد على مدى آلاف السنين، وحب البقاء هو السبب، وسيذكر آخرون أسباباً أخرى، لكن ما يهمنا أن ضعف تلك القيم هو المؤثر الرئيسي في مجتمعاتنا الشرقية.

صراعاتنا لا تنتهي، أحقادنا لا تنمحي، وحياتنا تظل أسيرة لماضي وحاضر، في زمن تحررت، وتتحرر فيه الإنسانية

اليمن... العراق القادم... اليمن والمستقبل المجهول


اليمن والمستقبل المجهول

مع مرور الأيام تزداد الصورة قتامة في هذا البلد الذي يسكنه قرابة 25 مليون إنسان، ويتصف بشحة الموارد الطبيعية والجفاف، فمنذ حوالي ثلاث سنوات توقعت أن يتحول اليمن ل "عراق" جديد تعصف به الفتنة الطائفية، وتمزقه النزاعات.  عندما كنت أذكر هذه التوقعات لزملائي كان الجميع يقفون في وجهي، يقولون: هذا غير ممكن فالعراق بلد غني بالموارد ويتحمل صراع طويل الأمد وبهذا العنف، كما أن للعراق تاريخ من العنف، أما اليمن فبلد فقير لا يمكن أن يتحمل مثل هذا الصراع، اليمن لديه جيش واحد واليمنيين يتصفون بالهدوء والسكون إذا ما قورنوا بالعراقيين، العراق تفتت بفعل الأحتلال، أما اليمن فلا يعاني من هذه الآفة، كما أن الظروف الأقليمية مختلفة، ولن تسمح لليمن بأن ينهار، ووووو لم يترك أصدقائي مبرراً إلا ساقوه لدحر إمكانية أن يتحول اليمن ل "عراق آخر".

اليوم تبخرت آمال أصدقائي، وللأسف تحولت اليمن ل "عراق" مصغر، وقد جاء هذا التطور بسرعة لم تكن متوقعة، وتسارع التحول بالرغم من "عدم وجود الأحتلال الامريكي"، وبالرغم من كل "القرارات الدولية" التي كان يفترض أن تمنع ذلك، وبعد ذلك كله وبالرغم من "نجاح" مؤتمر الحوار كما قيل لنا والذي فرض "هادي" نهايته ونجاحه.

يبدو أن التسوية السياسية التي عقدت في نهاية 2011 لم تحقق للآن شيئاً يذكر، فالبرغم من أنها جنبت البلاد صراعاً مسلحاً مفترضاً، إلا أنها خلقت أزمة أكثر شدة من تلك التي عانت منه البلاد عام 2011.  لقد كانت البلاد في 2011 على شفا حرب أهلية، حرب بين طرفين يمسك كل منهما بجزء من الجيش، ويمسك أحدهما بالدولة المفترضة وأدواتها، بينما تحول الآخر لنقيض يستخدم الشارع للضغط.  لو قامت حرب في ذلك العام لربما حدثت مواجهات عنيفة كانت ستودي بحياة مئات، وربما آلاف من الجنود، وقد يعاني منها المدنيون أيضاً، لكنها كانت حرب محسومة النتائج (لربما) لو تمكن أحد الطرفين من أثبات قوته وهزيمة الطرف الآخر.

التسوية السياسية قسمت "الكعكة" مؤقتاً ولم تجد حلولاً دائمة للمشكلة.  وجاء مؤتمر الحوار ليزيد الطين بلة.  بالنسبة لي فمؤتمر الحوار كان حلقة زادت الأزمة تعقيداً.  فبينما كان يفترض أن يؤدي المؤتمر لوضع حلول للإشكاليات التي تعاني منها اليمن والتي أدت لأزمة وانتفاضة 2011، جاء مؤتمر الحوار لينكأ الجروح في جسد البلد المنهك والمريض.  جاء مؤتمر الحوار ليفتح مواضع الجروح التي أندمل بعضها أو يكاد، ويفتك بما تبقى من اليمن كبلد واحد.  لا أدري من هو المهندس الرديء الذي صمم لهذا المؤتمر، لو كان بالطبع قصد إخراج البلد من ازمتها، فبدلاً من التركيز على ما يؤلم المواطن اليمني وتحديد العلاج اللازم له، وكان بالطبع يتركز في أيجاد نظام حكم عادل وقوي، وليس كما ظهر في تحول المؤتمر لساحة للمزايدات وتحقيق المكاسب الفئوية الذاتية على حساب الوطن ككل.  أدخل هذه المهندس البائس كل الأمراض والآلام، وأدخل عدد هائل من الأعضاء يمثلون في معظمهم أسباب تلك الأمراض، ادخلها جميعاً لمؤتمر الحوار، ووضع صيغة لا يرضى بها عاقل تقوم على "التوافق" في حل مختلف الإشكاليات.  ولم يكتف المهندس بذلك، بل إنه خلط أمراض الماضي مع آلام الحاضر، ومعوقات المستقبل، وأراد في الأخير أن يصل لصيغة مثالية نظرية "ترضي الكل" وتحقق بالطبع مصالح آخرين خارج اليمن.

بعد فتح الجروح، وبعث الآلام قديمها وحديثها، وبعد جمع الأطراف النقيضة، عمل المؤتمر على نقد الماضي، بل وهدمه، فإعلن أنه كان عبثاً وخطأ وجريمة، واعتذر لمن أعتذر، متجاهلاً كل القيم والمبادئ، ومجرماً كل من شارك فيه حتى لو كان مواطناً بسيطاً يرى في الماضي آمالاً تحققت وأحلاماً عاشها واقعاً.  كان التيار جارفاً لتجريد الشعب اليمني برمته من عقود عاشها، تلقى فيها معارف وتعلم قيماً ودرس تاريخاً وخلقاً، ليأتي الطوفان فيجعل كل ذلك سراباً.

توافق الجميع في المؤتمر، ليس لشيء، إلا لخوفهم من الأختلاف، وكان دور الدول الغربية والأمم المتحدة عاملاً حاسماً، فأعلن الجميع موافقتهم، فالبديل عقوبات وإجراءات-دولية- لن يتمكن أحد من تحملها، وحتى أولئك الذين امتلكوا الشجاعة ليعارضوا، جاء هادي ليزيحهم عن المشهد، وتسير العجلة لتسحق كل شيء، فمؤتمر الحوار لا بد أن ينجح، ولا بد أن ينتهي كما أراد له  المخرج.

مع كل ما تضمنته وثيقة الحوار الوطني من مبادئ سامية وقيم لا خلاف عليها، تضمنت أيضاً متناقضات ضد أبسط مبادئ العدالة والقيم الإنسانية، وشملت عبارات ملتوية مطاطة، لترضي الجميع، فجاءت كدروس في الأدب تحتمل التأويل بصياغتها الادبية الجميلة التي لا يمكن أن تمثل الواقع.

خرجت الأطراف المشاركة في مؤتمر الحوار وهي تخطط لكيفية التنصل مما تم الإتفاق عليه، خرجت لتبدأ مرحلة الحوار الحقيقي الحر الذي لا يتأثر ببنعمر أو غيره، بل تحكمه قناعات راسخة ومصالح واضحة، ليصبح الحوار ووثيقته حبراً على ورق.  وبأستثناء الرئيس هادي الذي "يصر" على أن الحوار نجح وأن تنفيذ "مخرجاته" ليس خياراً لأحد "لانه برعاية دولية"، باستثناء هادي لا يبدو أن أحد يعبأ بالحوار.

إشتد الصراع بين الأطراف وظهر على السطح مع الأيام الأخيرة للحوار، فأطراف كثيرة لا تريد أن تعقد الانتخابات في موعدها!  تلك الأطراف تعتقد أنها غير جاهزة لهذه المرحلة وانها بحاجة لمزيد من الوقت لتجهيز نفسها.  لكل طرف مصلحة في تأجيل الانتخابات وإستمرار حالة الفراغ، فالرئيس هادي نفسه المستفيد الأول، حيث يبدو أن استمراره لمرحلة قادمة غير مؤكدة، وكذلك الأمر بالنسبة للاحزاب والقوى الدينية التي رأت أنها بحاجة لمزيد من الوقت لتعزز مواقعها، وحده المؤتمر الشعبي العام بدا جاهزاً للإنتخابات، ولكن لم يكن أمامه إلا الرضوخ فالتيار أقوى من أن يقاومه.

خلال شهور تفاقمت الخلافات تدب بين شركاء انتفاضة 2011، فقد وجد الحوثيون الساحة خالية أمامهم فعملوا على التمدد، ونجحوا بشكل لم يكن أحد يتوقعه، فسيطروا على محافظات حجة والجوف، ثم أتجهوا لعمران.  عمران التي تحتضن بيت الأحمر قادة الإصلاح في جناحه القبلي.  ربما لم يتصور الأصلاحيون أن يتجرأ الحوثيون على عمران، ولكن الأدهى من ذلك أن الحوثيين وخلال أسابيع سرعان من سيطروا على عمران، وبإتفاق مع القبائل التي قررت التحالف معه، ولم تمض سوى شهور قلائل تمكن الحوثيون فيها من القضاء على آخر أمل للإصلاحيين في عمران بهزيمتهم للجيش الذي كان موالياً لهم في عمران.

لم يتمكن الإصلاحيون من الوقوف أمام الزحف الحوثي الذي وصل حتى مناطق في إب وتعز، وتحول التحالف لمواجهة مسلحة، وتقف الدولة اليمنية موقف المتفرج أحياناً والوسيط أحياناً أخر، فقد تم تحديد  الأولويات الخاصة بالدولة اليمنية في واشنطن أثناء زيارة وزير الدفاع لها في ابريل 2014 وهي محاربة "الارهاب"، أما توسع الحوثي فقد قررت الدولة أنه ليس بالأمر المهم، حتى ولو كان الحوثي يعمل على حساب الدولة، متحدياً نظامها وقوانينها، وحتى لو وصل الحوثيون إلى صنعاء، وهذا ما حدث حتى الآن.  وقد أكد المجتمع "الدولي" من خلال مبعوثه لليمن أن الحوثي لا يمثل "خطراً" على الدولة اليمنية.

محاربة "الإرهاب" وكما حدث في 2012 عندما قام الجيش بتحرير محافظة أبين من قبضة القاعدة في غمضة عين، قام الجيش هذه المرة بتطهير محافظة شبوة ومناطق أخرى وظهر الجيش بوصفه المنتصر في حربه الجديدة.  وشيئاً فشيئاً تراجعت المعارك وتم الإعلان عن السيطرة على معاقل "القاعدة"، ولكن الحرب لم تنته بعد، فكل يوم تتزايد هجمات القاعدة التي تستهدف الجيش والأمن في مناطق مختلفة، لعل أخطرها ما حدث ويحدث في حضرموت.

يستمر الصراع السياسي بين مختلف القوى السياسية في اليمن، وفجأة تتفق مصالح حزب المؤتمر الشعبي العام مع مصالح الحوثي في صراعهما ضد الإصلاح، وبينما يكتفي المؤتمر بإستخدام وسائل الحرب السياسية والأعلامية، يقوم الحوثي بإستخدام السلاح ضد الإصلاح والدولة وخلق أمر واقع كل يوم محققاً الإنتصار تلو الآخر على حليفه في "الثورة".  في نفس الوقت يبدو أن الرئيس هادي لم يرقه الشعبية المتزايدة لسلفه، الرئيس صالح، والذي تمكن من تحقيق مكاسب ناتجه عن فشل هادي نفسه في إدارة شئون البلاد، فقام الأخير بتأجيج الصراع ملحقاً الضربات لسلفه.

يقف هادي مستعيناً كما يردد دائماً بالمجتمع الدولي، يقف وحيداً بعد أن فقد دعم حزبه، وقوض تحالفه مع الإصلاح، في مواجهة  القوى السياسية الطموحه ممثلة في الحوثي الذي أصبح يمثل الوجه الآخر للسلطة في اليمن.  هادي الذي زكاه الناس في اليمن كرئيس توافقي فقد أيضاً الدعم الشعبي، فهاهو يمدد فترة ولايته دون الرجوع للناخبين، وها هو يفشل في إدارة شئون الدولة لتتفاقم معاناة الناس بشكل يومي مع إزمات متلاحقة من أزمة توفير الكهرباء إلى أزمة الوقود والإنفلات الأمني، وأخيراً عجز الدولة عن القيام بأي دور لتعزيز سلطتها.

لا يبدو أن هادي يمتلك أي مشروع، فتهديده المستمر للقوى السياسية بأنه يتمتع بالدعم الدولي يبين أنه فقد كل مقومات القوة التي لديه كرئيس (وكما أشار بعضهم أنه يعمل بالمثل القائل "غرامتي ميه وادوها")، وعجزه عن إتخاذ إجراءات قوية لحل المشاكل التي يعاني منها الناس، وسعي حكومته لزيادة اسعار المشتقات النفطية كوسيلة لتغطية العجز الناتج بدرجة رئيسية عن الفساد السياسي الذي لازم عهدة الذي أمتد حتى الآن لثلاث سنوات، كل ذلك لا يبشر بخير، فالشعب لن يستطيع تحمل المزيد، والقوى السياسية لن يروقها سعي هادي الواضح للبقاء في السلطة.

إن القوى السياسية ستسغل حالة الفراغ الذي تعيشه البلد وعدم وجود سلطة قوية تقوده نحو المستقبل، ستستغل هذه الفرصة لتعزيز مواقفها، إنتظاراً لجولة الصراع المقبلة، فالأفق غير واضح أمام مختلف القوى، والوضع الحالي أبعد ما يكون أن يخلق حلولاً.  ولكن هل يمكن للناس أن يتحملوا أكثر؟

 

الإصلاح : إلى أين؟

يتلاشى تدريجياً وبشكل متسارع وصف هذا الحزب بأنه حزب الإصلاح ذو الإتجاه الإسلامي، ويتم استخدام "الأخوان" للإشارة للجماعة التي تنتمي للحزب أو تتضامن معه، وقد بدا أن حزب الإصلاح إقترب من فهم اللعبة فقام متأخراً بنفي علاقته ب "جماعة الأخوان" لكن هذا النفي لم يكن متوافقاً في مواقفه اللاحقة خاصة فيما يتعلق بمصر وسوريا، حيث يستمر في الترويج ل "الشرعية" و"الرئيس الشرعي" في مصر، ومازال إلى حد كبير يقف مع المعارضة في سوريا ضد نظام الأسد، بالرغم من علمه بأنه بذلك يفقد حلفائه المعروفين، ولا يحقق شيئاً يذكر على المستوى السياسي.

عمل الإصلاح خلال عقود من الزمن على الوصول للسلطة، حيث ظلت السلطة حلماً تراود قادته وقواعده، وكان دائماً وعبر قياداته وتابعيه في منابر المساجد وقاعات الدروس الدينية، وحلقات التوعية، كان يشكو "فساد عقيدة الناس" وما يجلبه ذلك عليهم من "غضب الخالق عز وجل"، واستطاع إلى حد كبير جمع الناس على كره فساد الأخلاق والقيم و "بعد الإنسان عن الله"، ولكنه لم يستطع أن يحول ذلك "الكره" إلى قيم يلتزم بها الناس، فظلت المبادئ الدينية غطاءً يخفي تحته نفس القيم التي تسود المجتمع، بل ووصل الحال لدى الكثيرين إلى استخدام "الدين" وسيلة للتظليل في مجتمع محافظ.

دخل "الإصلاح" في حلف "مصلحي"  مع نظام الرئيس صالح، وذلك بعد أن أعطاه ذلك الرئيس شرعية الوجود كحزب سياسي عقب إعلان الجمهورية اليمنية، وعمل جاهداً على كسب الشارع، لكن ذلك لم يحقق له ما يصبو إليه، وظلت مشاركته في الحكم جزئية إلى أن اتته فرصة للقضاء على العدو اللدود، الحزب الإشتراكي.  تحالف الإصلاح رسمياً مع صالح إثر مساهمته الفعالة في القضاء على حركة الإنفصال الجنوبية بقيادة علي سالم البيض، ويبدو أن الإصلاح رأى في تلك فرصة للصعود على حساب المؤتمر الشعبي العام، لكن الإصلاح سرعان ما أثبت فشلة في إدارة المؤسسات التي أوكلت إليه، وأدرك أنه وقع في فخ نصبه له الرئيس صالح.  لكن ذلك الفشل لم يؤثر كثيرا على الأصلاح الذي تمكن من تحقيق نجاح في الإنتخابات في أماكن عديدة، ولكن ليس بالمستوى الذي يمكنه من السيطرة على مقاليد الأمور.

أدرك الإصلاح أنه لن يكون قادراً رغم كل شيء على هزيمة صالح وحزبه، لذا تحول الإصلاح إلى مرحلة العداء مع نظام الرئيس صالح، وربما كان إلغاء "المعاهد العلمية"، وهو نظام تعليمي ديني مواز لنظام التعليم الأساسي كان ينظر إليه الإصلاح كعنصر رئيسي في استراتيجية لبناء قاعدته الخاصة، كان ذلك الإلغاء نقطة التحول في علاقة الرئيس صالح بالإصلاح، فبدأ الإصلاح باستراتيجية جديدة تعتمد على محاولة الوصول للقمة مباشرة.

استمر الإصلاح في تقوية العناصر التابعة له والمتعاطفة معه في مفاصل الدولة المختلفة، وسعى إلى إدخال ما يستطيع من عناصر في الخدمة العامة، وفي نفس الوقت مارس عملية منظمة لمهاجمة النظام القائم وتقويضه من الداخل، وعمل على التحالف من أجل إضعافه وإفشاله، وقد استخدم لأجل ذلك ما تسنى له من أدوات.

لم يجد الإصلاح حرجاً في التحالف مع القوى المعارضة لنظام صالح أياً كان أتجاهها، فتحالف مع القوى اليسارية التي أدرك إن لها وزناً على المستوى الشعبي، وقد نجح هذا التحالف في صنع أول مرشح منافس في إنتخابات الرئاسة اليمنية، لكن المرشح لم يستطع تحقيق الفوز على صالح، ويبدو أنه على إثر ذلك أدرك  الإصلاح إستحالة الوصول للسلطة عبر الانتخابات، لذا سعى للتخلص من نظام الرئيس صالح، وبدأ مع حلفائه حملة منظمة وممنهجة لتقويض النظام وفضح فساده، بل وإفشاله وإظهار فشله والتحريض عليه على المستوى المحلي والدولي.

إستطاع الإصلاح خلق حالة من التذمر والغضب لدى المواطن اليمني، ساعده على ذلك عدة عوامل منها بالطبع الأخطاء التي كان يرتكبها النظام وانتشار الفساد وتضاؤل قدرة الحكومة على التعامل مع متطلبات المواطن وتدهور الظروف المعيشية في ظل ظروف إقليمية ودولية معقدة ساهمت في خلق جماعات ونزاعات في أماكن عدة، لكن تلك الظروف لم تكن كافية لتغيير الأمر الواقع.

تمكن حزب الإصلاح من إلتقاط الفرصة التاريخية إثر قيام ثورتين في تونس ومصر، وعمل على استنساخها في اليمن، فوجه كل قواه لصنع أحداث مماثة في صنعاء وأماكن أخرى، ونظراً لتفوقه التنظيمي الكبير فسرعان ما تمكن من خلق حركة سيطر عليها بالكامل، وتمكنت الحركة خلال أسابيع من الحصول على دعم شعبي واسع، لكن ذلك لم يكن كافياً لإخراج نظام الرئيس صالح من الحكم، لذا لجأ بالحيلة لإستغلال أحداث 18 مارس 2011 او ما يعرف بجمعة الكرامة، وانتقل الموالون له فوراً من عباءة الرئيس صالح ليصبحوا "ثواراً"، وبذلك حقق نوعاً من التوازن العسكري، غير أن ذلك لم يحقق أيضاً مبتغى الإصلاح في رحيل صالح عن الحكم، فجاءت محاولة الأغتيال، وبالرغم من فشلها، إلا أنها في النهاية كانت سبباً في تخلي صالح عن السلطة، وكان الإصلاح هو المستفيد الأكبر الذي حصل على نصيب الأسد في حكومة ما يسمى بالوفاق الوطني، على أساس المشاركة في السلطة مع حزب المؤتمر الشعبي العام- حزب الرئيس صالح.

بعد أكثر من ثلاث سنوات من تولي الإصلاح لجزء من الحكومة ظهر جلياً أن الحزب، وللمرة الثانية، ارتكب خطأ فادحاً، فها هم ممثليه في الحكومة يعجزون عن تحقيق أي تقدم في عملهم، بل ويفشلون حتى في الاحتفاظ بالأوضاع المتردية كما هي، فوزير المالية يصل بعد ثلاث سنوات لنتيجة مفادها أن رفع اسعار المشتقاف النفطية أمر حتمي وضروري، وذلك على ضوء إفلاس المالية العامة، وعجز وزارته عن سداد فاتورة المشتقات النفطية مما أدخل البلاد في أزمة وقود حادة.  في نفس الوقت ظهر أداء وزير الكهرباء باهتاً، فبعد ثلاث سنوات زادت إطفاءات الكهرباء، وتضاعفت معاناة الناس بشكل كبير، وبمثل ذلك الأداء السيء ظهر وزير التخطيط الذي لم يتمكن بعد سنوات ثلاث من استغلال موارد مالية مخصصة لليمن من قبل المانحين ولم يتمكن من تحسين أداء وزارته في هذا الجانب، وكذلك فشل وزير الداخلية الذي دخلت البلاد في عهده في سلسلة من الصراعات فقد فيه الأمن، وفقدت الدولة قدرتها على إدارة الأمن.  وبنفس الأداء المتواضع ظهرت وزارة التربية والتعليم والذي ركز الإصلاح فيها جهوده لإيمانه أن المستقبل هو الأهم.

هكذا كرر الإصلاح تجربة تحالفه مع المؤتمر الشعبي العام العام عقب حرب الانفصال 1994، وفشل بنفس الطريقة، ليس فقط في إدارة الخدمات الرئيسية التي تمس حياة المواطن اليومية، بل وفي كسب ثقة الناس من خلال قيام ممثليه في الحكومة بالعمل على تعيين الكوادر الموالية له، وإقصاء الآخرين مما خلق حالة من التذمر على جميع المستويات.  بدا الإنسحاب من الحكومة خياراً للإصلاح، لكنه ربما بدا أكثر من أن يقوم الإصلاح بالتفكير به، فبينما كانت مشاركة الإصلاح في الحكومة عقب حرب 1994 كان "عطية من صالح"، وجد الإصلاح أن مشاركته في حكومة باسندوة حق ناتج عن "ثورة" وبالتالي يبدو أنه لم يفكر حتى مجرد التفكير في التخلي عنه.

سخط الناس على أداء الإصلاح ووزراءه الذين أثبتوا فشلهم، وتحول سخط الناس لكره للإصلاح وسياساته، خاصة بعد أن فشل الإصلاح في قراءة الشارع ومطالبه، فوزارات الإصلاح تمس الناس بدرجة كبيرة، حتى وزارة النفط التي على رأسها وزير من المؤتمر الشعبي العام ظهر أن سبب عجزها عن توفير المشتقات النفطية هو عدم قيام وزارة المالية بواجبها، لتصب كل الظروف في مصلحة المؤتمر.

عوامل عديدة أثرت على سمعة الإصلاح لدى الناس، فالبرغم من أن الحزب يستخدم خطاباً دينياً قريباً منهم، إلا أن المعطيات كانت دائماً في غير مصلحته.  فقد تحالف الإصلاح مع الإشتراكي، الذي حاربه لسنوات، بل واعتبر فكره كفراً، ولم تمر سنوات إلا والإصلاح يتحالف مع الحوثي، تلك الجماعة التي يختلف معها عقائدياً ويعتبرها خارجة عن الدين الإسلامي، وتدريجياً قوض الحزب عدداً من المبادئ الرئيسية التي كان يفترض أن تحكم توجهه، فتحول فجأة إلى حزب دينه ومبادئه المصلحة لا غير.

تمكن الإصلاح من تأجيل الإنتخابات التي كان يتفرض أن تتم في 2014، ولعل الدافع الرئيسي لسعيه لتأجيل الإنتخابات ما رأه من توجه الناس نحو عدوه اللدود "المؤتمر الشعبي العام"، وذلك على أثر تدهور الأوضاع في شتى مناحي الحياة في اليمن، وعجز الحكومة عن القيام بشيء، خاصة تدهور الوضع الأمني.  لقد جرى تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى، ويبدو أن الإصلاح كان يراهن على تحقيق بعض التقدم خلال تلك الفترة، لكن الأمور زادت تعقيداً، فقد تمكن الحوثي- الذي تحول مجدداً لعدو للإصلاح، تمكن من السيطرة على دماج وطرد سكانها خلال أسابيع، وخلال سنوات ثلاث تمكن الحوثي من السيطرة على المناطق الممتدة من صعدة وحتى عمران، وألحق هزيمة نكراء بالأصلاح في عقر دار قيادات الإصلاح وهي محافظة عمران، وسيطر على معاقل كثيرة كان يعقتد أنها تتبع الإصلاح، خاصة معاقل الشيخ الأحمر.

لقد تحول الحوثي للعنة على الإصلاح، فتمكنه من التوسع وبشكل سريع، جاء على حساب الإصلاح، وقد أربك الإصلاح على إثر خسارة جناحه القبلي المعركة.  وحتى أولئك الذين كانوا يتعاطفون مع الإصلاح رأوا أن سياسات الإصلاح هي التي مكنت الحوثي من التوسع، بدءاً من تحالف "الثورة" وأنتهاء بالإعتذار للحوثي في مؤتمر الحوار.

لم يعد لدى الإصلاح ما يقدمه للناس.  لقد فشلت كل مشاريعه على مدى السنوات الماضية، فوصوله للحكم جاء منقوصاً، وعجز وزرائه عن تقديم شيء يفيد الناس، وفشل في إيقاف زحف الحوثي وسيطرته ، وجاءت الأحداث الأقليمية وإتجاه الدول العربية لمحاربة الإسلاميين لتزيد من قناعة الشارع اليمني بأن "عهد الأخوان" لا بد أن ينتهي- في اليمن ايضاً. 

مازال الإصلاح يتصرف كوريث "للثورة"، ويقوم أداؤه على أساس معاداة "علي عبدالله صالح"، ويعمل ليل نهار سواء علناً أو سراً لمحاربة صالح وحزبه، في الوقت الذي يحقق الحوثي مكاسب على الأرض، ويبدو من قوة لدى الأصلاح، وسيطرته الواضحة على الرئيس هادي ستمكنه في النهاية من تكسير عظام المؤتمر، والسؤال الذي يضع نفسه، ما هي مصلحة الأصلاح في انتهاء المؤتمر؟  من غير المتوقع أن يكون الأصلاح هو وريث المؤتمر، بل من المرجح والحتمي أن يحصد الحوثي نتيجة هذا الصراع...

إن الإصلاح كفكر وسياسة مطلوب منه أن يعيد تقييم تجربته والأستفادة من أخطائه، تجربة الإصلاح تختلف عن تجارب الأخوان في مصر وسورية وليبيا، ولعلها تشبه تونس.  في اليمن كان الحل السياسي هو النتيجة لأحداث 2011، ولكن هل استغل الإصلاح ما بيده من اوراق؟ وهل كانت قراراته سليمه، ولماذا فشل في كسب ثقة الناس؟، ما الذي يتوقعه الإصلاح عند إجراء الانتخابات القادمة حيث كان السبب المباشر لصعود الحوثي وكانت "ثورته" وبالاً عن الناس في جميع مناحي الحياة.  ما علاقته بالجماعات المسلحة خاصة تنظيم القاعدة، وهل يمكنه التبروء من مثل هكذا علاقه؟.  كيف يمكن للحزب أن يعيد كسب ثقة الناس به؟  ما هو الذي عليه القيام به في هذه المرحلة التي إنهار فيها الأخوان في مصر، وهل يجب أن ينتظر لعب دور الضحية؟، مادام الإصلاح قد ركز على المصلحة في علاقاته بعيداً عن "المبادئ" فهل كانت قراراته دوماً صائبة؟، وهل يعيد حساباته ويعيد تحديد حلفائه، أم يسير في طريق ستوصله في النهاية إلى الهاوية؟.