الخميس، 25 فبراير 2016

القافلة

 
 
القافلة

أتى من أقاصي الأرض، دفعته الرغبة، دفعه الجنون، في وقت يبحث الآخرون عن طريق للهروب يجد نفسه يسير بالاتجاه المعاكس، أراد أن يلقي نظرة، لعله الشوق أو لعله الشعور بالذنب، دفعه أن يغامر، ولم يكن يدري لماذا، غير أنه وجد نفسه يسير على الطريق. كان يعلم بمخاطر الطريق، قد يقفوا في طريقه، قد يستجوبوه، قد يمنعوه من مواصلة سفره، قد يتهموه بالإرهاب، قد يمنعوه من العودة، لا أحد يستطيع معرفة ما قد يفعلوه فقد أصبح كغيره من أبناء بلده "متهماً" ليس فقط بأنه آت من بلاد بعيده، بل لأن تلك البلاد متهمة بالشيء وضده.
انطلقت الطائرة بموعدها، وما هي الا ساعات وإذا هي في عاصمة بلاد السحر، باريس. لم يكن له من باريس إلا مطارها الذي بدا متواضعاً، كان متوجساً شراً من أولئك. ماذا لو قرروا أنه متهم، ماذا لو استجوبوه، سيسألونه: ما الذي أتى بك، وما هو مقصدك من السفر إلى بلاد الموت؟.
لم يعترض طريقه أحد، لم يسأله أحد من أين أتيت، ولا إلى أين أنت ذاهب؟
في مطار عمان، طلبوا منه أن يقف جانباً، هناك أوراق وتحريات يجب أن تملأها، فأنت لست كبقية البشر، نعم جئت من الغرب، لكن دماءك واوراقك من بلاد أصبحت من اعدائنا. ملأ الورقة، سلمها لرجل يجلس خلف حاجز. رفع الأخير رأسه بعد أن ألقى نظرة على الجواز قائلاً: يمني، أسبوعين بس. ثم عاد يكرر: رح اعطيك أسبوعين بس. رد على الرجل: يوم واحد، انا مسافر واحتاج لإقامة يوم واحد. وكأن ما قاله لا يعني ذلك الرجل الذي كرر: أسبوعين، ثم ألتفت باحثاً عن المشرف عليه وما لبث ان سأله: اليمنيين كيف؟ وانتظر لدقائق حتى جاءه ليؤكد له أسبوعين وتسمح له بالدخول.
تذكر مناسبات عدة، سنوات وهو يقف في الأردن، كان يأتيها لزيارة، وتذكر الترحاب الذي كان يلقاه، وتساءل، حتى تغير هو؟، تغير العاملون بالمطار، أم تغير الزمن؟، مرت الساعات في عمان وحان وقت الرحيل من جديد، تواردت الأفكار وكأن الزمن أبى إلا أن يعود به قروناً عدة، ورأى نفسه على قافلة وأمعن النظر فيها.
القافلة: كُنتُم تجاراً، وكانوا لصوصاً
كنتم تجاراً، كانت قوافل تجارتكم تأتي من الشرق محملة، كُنتُم حلقة الوصل بين عالمين في وقت لم يكن العالم قد أدرك بعد الحضارة كما نعرفها، ولا عرف المدنية التي كنتم تعيشون في ظلها. وكانوا لصوصاً، نعم كانت صنعتهم هي الإغارة على قوافلكم لسرقتها، كانوا يقتاتون من ذلك، كان الغدر أكثر ما أتقنوه خلق......ومرت الأيام.
القافلة سترحل اليوم من الشمال، من عمان، ولكن لا ندري متى ترحل، اترحل في الفجر ام في الصباح، احضروا فأمير القافلة طلب الحضور ليلا قبل الرحيل بساعات طوال، سبع ساعات او ثمان او اكثر. اتشتكون؟، اتتذكرون زمانا رحلتم فيه شهوراً؟
كونوا في رحلتكم مستعدين لإغارة الاعراب عليكم، ماذا يريدون؟ مالاً، مؤن؟، ذلك ما يقوله تاريخهم، ولكنهم اليوم يملكون المال، المال الكثير، فما الذي يريدونه؟ يريدونكم اذلاء فحسب.
البعض يقول أنهم يريدونكم ان تدخلوا دينهم! اي دين ذلك؟. يقولون انكم كفرتم، نعم كيف تكفرون دون ان يحاسبوكم أليسو هم وكلاء الله على الارض؟ ألم يضع بيته في ارضهم؟ إذن فلا بد ان ترضخوا لهذا "الحق".
مهلاً! اتعتقدون ان الله راضٍ عما يقومون به؟ أهو العدل؟..... يبدو انه كذلك وإلا لما اتفقت ارادتهم مع إرادة سادة الأرض، القوى العظمى، التي رضي الله عنها.
إذن فهي إرادة الله ولا شك. إرادة الله ان يقوم اغنياؤه بإهانة واذلال فقراؤه. "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
أهو العدل إذن؟ لا بد انه كذلك..
صلوا لخالقكم ان أرسل لكم رجالا من عباده يهدونكم. نعم في الماضي كانوا لصوصاً، ولكن الله جعلهم ائمة، يهدون الناس. نعم يغيرون عليكم اليوم، يقطعون الطريق، لكنهم لا يبغون مالاً، بل لأنهم رسل الله.
احمدوا الله كثيرا، فلا احد يدري ما الذي كان سيحل بكم، لو لم تقف قوافلكم لديهم، كُنتُم ستستمرون في غيكم، في ضلالكم، وقد تخسروا الآخرة، كما خسرتم الدنيا.
أم أنهم يمارسون هواية عمرها آلاف السنين؟ لا يهم ما جنوه من ثروة اخرجها "كفار" هذا الزمن من باطن الارض، ولا يعنيهم ذلك شيئاً، فإحياء التراث امر مهم.
الم تلاحظوا استهدافهم للآثار، هذا ثأر تاريخي لا تمحي آثاره السنون.
هناك رعاية اممية، وهناك شرعية يدافعون عنها، وهم يدافعون عن حقوق الانسان، إنسانهم هم فهو يتوق لهذا التراث العريق!
احذروا وخذوا مؤنكم، فالله وحده، بل ليس الله ولكن وكلاء الله على الارض يعلمون كم ستطول الرحلة.
اليوم ليسو بحاجة إلى خيول وسيوف، اليوم يغيرون بطير أبابيل!
"وتلك الأيام نداولها بين الناس"