الأحد، 17 يوليو 2011

ونجحت الثورة...

ونجْحت الثورة!

بدأت كثورة على الفساد الهدف منها هو تغيير الواقع الذي تراكمت فيه الأخطاء وسيطرت فيه جماعة على الأوضاع وأنحرفت عن الطريق الذي يمكن أن يحقق العدالة، وأصبح التغيير مطلباً ملحاً لكنه بعيد المنال.
رفعت راية التغيير وظهر على هيئة "ثورة" إتفقت عليها فئات كبيرة من المجتمع، "ثورة" رأت فيماحدث في تونس ومصر أنموذجاً يمكن إعادة تكوينه في اليمن. لم تكن "الثورة" على أفراد بعينهم بقدر ما كان على واقع في مجتمع إعتاد على الفساد حتى أصبح جزءاً منه. كان الهدف هو التحلل من الماضي الذي فسدت فيه أخلاق المجتمع وقيمه وبناء الحياة على أسس جديدة.
خرج بعض الشباب، وخرج معهم كل متطلع لمستقبل أفضل، رجال، نساء، وحتى الأطفال شاركوا، كانت بوابة جامعة صنعاء منبتاً لآمال عراض جذبت الكثيرين ومن أجيال مختلفة. كان يجمعهم الأمل بحياة أفضل. عملوا لأيام وأسابيع وكأنهم يبنون وطناً لا خياماً مؤقته، وكنت ترى النشاط والحركة فتعجب عن الدافع وراء هؤلاء، وترى التعاون والتفاهم فتعجب هل يمكن للأمل أن يصنع ذلك كله؟
لحقت الأحزاب الركب، ليس لأنه لم يكن لها دور منذ البداية، لكنها كانت تخاف من الظهور. جاءت الأحزاب التي لم تنجح لأكثر من عقدين في تقديم بديل للنظام القائم يرتضيه الناس، جاء ت الأحزاب لتتقمص روح الشباب، وهي الأحزاب الهرمة التي على رأسها شيوخ لا يملكون من الأمل إلا حلمهم في الوصول للقمة قبل أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
سرعان من سيطرت الأحزاب على الساحة، وظهرت ثقافة تلك الأحزاب، فها هم الشباب تحت الرقابة، وأصبح للساحة وزارة للإعلام، وأخرى للصحة، وكذلك وزارة للداخلية ورجال أمن، بل ومخابرات، وأصبح كل شيء بحساب. بدأ تقاسم السلطات في الساحة وبدأ الصراع على أشده، واصبحت القضية من يسيطر على الساحة.
وضعت الأحزاب أموالها المشبوهة تحت تصرف الساحة، وتوفرت للشباب متطلباتهم دون أن يبذلوا أدنى جهد. وتاه الشباب في أموال الأحزاب وقدراتها فتركوا الحبل على الغارب لتلك الأحزاب، فصارت هي التي تقرر كيف ومتى تتحرك "ثورة" الشباب، ولم يتمكن الشباب على مدى شهور من تكوين من يمثلهم، وظلت الأحزاب دوماً هي من يسيرهم، بل وأوحت إليهم أنهم يجب ألا يتكلتوا، فالأحزاب كانت ومازالت ترى في الشباب قوة لن تستطيع مواجهتها، لذا عملت على جعلها كالكلب الجائع الذي تمسك بزمامه، فمتى شاءت أطلقته لتصفي حسابها مع النظام،....... ووقع الشباب في الفخ.
"حيا بهم... حيا بهم"، كان الشباب بابتسامتهم يستقبلون بها كل من دخل منطقتهم، وكان لتلك الكلمات وقع السحر على من يذهب لساحة الجامعة، فيدمن عليها ويعاود الذهاب.... كان الشباب يحسون بالقوة كلما رأوا مئات من الناس صغاراً وكباراً رجالاً ونساء يتجولون في الساحة ولو لمجرد الإطلاع والفضول. كان الشباب يحسون أن كل من جاء للساحة سينقل رسالة عن تطلعاتهم وطموحاتهم، وقد نجحوا إلى حد كبير في جذب الآلاف من الناس على مدى الأسابيع الأولى "للثورة"....
"حيا بهم... حيا بهم"، سرعان ما جذبت عناصر أخرى، المتطلعين والإنتهازيين، والأسوأ "اللصوص" و"الفاسدين" بل و "المطلوبين من قبل الثورة".... سرعان ما تحول أولئك إلى منظرين وقادة لحركة الشباب بحكم جاههم، سلطانهم، مالهم وغيرها من العوامل. من أولئك من يرتبط بالأحزاب التي سيطرت على الساحة، ومنهم من كان محسوباً على النظام القائم نفسه (بل وأكثر)، النظام الذي كانت تستهدفه "الثورة".... ووقع الشباب في فخ "حيا بهم" وأعمتهم الرغبة في زيادة عددهم عن الهدف الرئيسي "للثورة".
نقاء "الثورة" إختلط ب"خبث" الأحزاب وتخطيطها، وأوساخ الفاسدين، المصداقية التي كان الشباب يتمعون بها في بداية المرحلة ذهبت أدراج الرياح، ووقع الشباب ضحية لدعوى "أنها الحرب" و"الحرب خدعة" وأن الحرب الأعلامية هي إحدى لوازم المعركة... ووقع الشباب في فخ الكذب والتهييج الإعلامي، الذي سرعان ما أنكشف لدى عامة الناس.
وتفاوضت الأحزاب مع النظام، مرة ومرتين وثلاث، وكان الشباب بموقف "المتفرج"، يشاهد ويكتفي بذلك، وعلى النقيض كانت الأحزاب تحتفظ بالشباب لتحرقهم عند اللزوم. وكانت توحي إليهم بأنهم يجب ألا يتنازلوا عن مطلبهم في "إسقاط النظام"، بل و"إسقاط الرئيس"، ووقع الشباب في فخ عدم تخليهم عن مطالبهم ووقوفهم موقف المتفرج مما يحدث حولهم.
مع مرور الوقت بدأت الثورة تفقد بريقها، ومعناها. بدأ المواطن يرى ألا شيء يتغير وأن إستمرار "الإعتصامات" لن يؤدي لشيء. أستهلكت مشاعر الناس في القتلى الذين سقطوا، ورأت الأحزاب التصعيد عبر الدعوة للعصيان المدني، والقيام بمسيرات في الشوارع، وقد فشلت تلك الوسائل، بل كلفت "الثورة" الكثير بفقدان التعاطف مع "الثورة" ومطالبها، فقد إستخدمت الأحزاب أساليب الترهيب، ورأى الكثيرون أن تلك الوسائل عبثية لا تفيد أحد. ووقع الشباب في فخ التصعيد، وذهب العديد منهم ضحايا له.
مرة أخرى رأت الأحزاب أنها وصلت لطريق مسدود، فالثورة تكاد أن تنتهي ولم يتحقق شيء، وقد أستغل النظام الوقت وبنى قواعد من المتعاطفين معه والمؤيدين يكاد عددهم يفوق المتعاطفين مع "الثورة" والمؤيدين لها. ورأت الأحزاب أن لغة القوة هي الملجأ الأخير، وأن "الإنقلاب" سيحقق الغرض. وقف الشباب يشاهدون الحصبة وهي تحترق، وحالما ظهرت حجم الكارثة أصبح الشباب الملجأ، وصلى الشباب على قتلى الحصبة ممن إحتلوا مؤسسات الدولة بصفتهم "أبطال وشهداء الثورة"... وأصبح الشباب ليسوا أكثر من رقم يضاف لخانة "قادة الثورة" الجدد القدماء. ووقع الشباب في فخ مواجهات مع السلطات لم يكونوا طرفاً فيها ورأى الناس فيها عبثاً بالمال العام وجريمة في حق الناس أنفسهم، فكيف تصبح مؤسسات الدولة هدفاً "لثورة" يفترض أن تقدم نموذجاً أفضل للمستقبل.
في مشهد درامي رقص الشباب على مشاهد الدماء وأشلاء الضحايا في بيت من بيوت الله، أطلقوا الأعيرة النارية، غنوا، رقصوا، ذبحوا الذبائح. في يوم "مقدس" لدى غالبية اليمنيين رأت الأحزاب حرق آخر أوراق الشباب، فها هم يحتفلون بالموت، في مشهد ربما ليس له مثيل، فحتى مقتل أسامة بن لادن وما تبعه من إحتفال البعض في أمريكا أثار حفيظة الكثير من الأمريكيين الذين رأوا في الإحتفال بموت إنسان صفة غير إنسانية، فماذا إذا كان الموت شمل العشرات ممن كانوا يؤدون الصلاة في يوم مقدس. ووقع الشباب في فخ إيحاءات الأحزاب.
أستخدمت الأحزاب الشباب، حققت الكثير من أغراضها، رفعت من أرصدتها لدى العامة (أو هكذا تعتقد)، تفاوضت مع النظام بقوة الشباب، وتحالفت مع بعضها، ومع الشباب، وهاهي تعمل لتقسيم "الكعكة" فيما بينها، وبالطبع لن يكون للشباب إلا ما تبقى من الفتات.
أستهلكت "الثورة" مشاعر الناس، خيبت آمالهم، وأضرت بطموحاتهم. عقدت "الثورة" حياة الناس وأضرت بحياتهم اليومية، قطعت أرزاقهم، قطعت الكهرباء، وجعلت الحصول على الوقود معركة يومية، ومع ذلك كله لم تحتفظ "الثورة" بمبدأ واحد من مبادئها....
ألم تنجح الثورة بعد؟
(ملحوظة: كلمة نجحْت بتسكين الجيم تعني إنتهت أو فرغت وذلك باللهجة الدارجة الصنعانية)

الاثنين، 11 يوليو 2011

أنهبوني...

 قبل أن يذهب بالكم بعيداً.. إقرأوا هذه السطور.


نصف عام مر من عمر هذا الزمن، يوماً بيوم، وساعة بساعة  والأزمة في اليمن تزداد عمقاً، وتتحول معاناة اليمنيين إلى روتين يومي.  نصف عام من الترقب، البحث، التجهيز ووضع الأحتياطات، نصف عام زادت الكثير من اليمنيين فقراً على فقرهم، وزادت الشباب إحباطاً، وأوجدت اليأس في نفوس الغالبية العظمى من الناس.  نصف عام من الشتائم والمماحكات والبذاءات، من الصمت والتجهم الذي أصبح سمة كل وجه يمني.  من الخوف، من الدعوات للحوار والضجيج الذي لا ينتهي، من طلقات الرصاص والقتل، من المؤامرات والأغتيالات، من الفوضى التي ملأت حياتنا وشوارعنا، من العناد.... 
نصف عام من الفراغ الذي أصبح سمة أعداد كبيرة من الناس.  نصف عام ذهب سدى من عشرات الآلاف من الطلاب، ونصف عام أنضم فيه عشرات الآلاف من نخبة المجتمع إلى قائمة العاطلين ومتلقي الإعانة الحكومية، فهؤلاء يستلمون "أجوراً" لمجرد وجود أسماءهم على قوائم جامعة صنعاء وغيرها من المدارس والمنظمات الحكومية والخاصة.
نصف عام نشأت فيه آمال وماتت فيه أحلام، نصف عام يصلي الناس الجمعة ليس لأجل خالقهم، وإنما لتحقيق مآرب أخرى......

نصف عام إنكشف الغطاء عن المزايدين، وأتضحت الصورة التي غطتها الغشاوة لزمن، فمعارك الحصبة أثبتت أننا لا نختلف عن سوانا، وحادث النهدين عملية قتل ليس إلا.

أما الحكاية فتقول:

كان سكان مدينة صنعاء في منتصف القرن الماضي غالباً ما يتعرضون للنهب بين حين وآخر من القبائل، حيث كانوا يدخلون البيوت ويأخذون ما يحلوا لهم.  في إحدى المرات علم أحد سكان حارة العلمي بصنعاء القديمة أن القبائل متجهة لنهب صنعاء، فقرر هذه المرة أن يأخذ أحتياطاته فطلب الحماية من عدد من الرجال من منطقة جدر القريبة من صنعاء الذين لبوا النداء.

جاء "النهابة" وصالوا في بيوت المدينة ما شاءوا، أما بيت صاحبنا فقد "سلم" من النهب بفضل أصحاب جدر.  بعد ذهاب "الناهبين" بأيام قال صاحبنا لأصحاب جدر "والله يا قد عملتوا الواجب يا رجال قد النهابة ساروا ويمكن تروحوا ولكم الشكر"... رد عليه رجال جدر "يا عيباه كيف نسير ويرجعوا النهابة ينهبوك وتقع عيبة في حقنا، ما هذا ما احناش به".  إستمر صاحبنا في خدمة أصحاب جدر يقدم له الطعام ويهتم بهم أياماً، وكلما أخبرهم بأنه لم يعد بحاجتهم رددوا عليه بقولهم الأول.

تعب صاحبنا من خدمة أهل جدر وتملكه اليأس لعدم رغبتهم في الرحيل عنه فأتاهم رافعاً شاله قائلاً "بجاه الله.... بجاه الله.... أنهبوني... أنهبوني أفتهن"... 
ولعل هذا لسان حال اليمنيين هذه الأيام، يريدون حلاً لهذه الأزمة التي طالت وأهلكت الحرث والنسل...

الاثنين، 4 يوليو 2011

سماية الدي دي

عندما كنت صغيراً كنت مغرماً بالحكايات التي تقصها جدتي وأمي حيث لم يكن التلفاز حينها يشغلنا كثيراً، وكانت تلك الحكايات (في اليمنية الدارجة السمايات ومفردها سماية بضم السين) تلهب الخيال وتسرح به في عوالم جديدة.  كنت كغيري من الأطفال دائم الطلب إلى جدتي ووالدتي ليقصا علي الحكايات، وعندما كنت آتي إلى أحداهما وهي منشغلة كانت تقول لي "سأساميك سماية الدي دي"، وما أن أقول "أيوه" حتى أقع في الفخ... ويدور حوار قد يطول:
جدتي: " ليش قلت أيوه؟"
أنا: " هكذا"... جدتي:"ليش قلت هكذا؟"
أنا: " هيا".... جدتي:" ليش قلت هيا؟"
أنا: " أحكي لي"... جدتي" ليش قلت إحكي لي؟"
أنا: "خلاص" ... جدتي: "ليش قلت خلاص؟"
أنا: " ما عدا اشتيش"... جدتي: " ليش قلت ما عدا اشتيش؟"
..........
بالأمس القريب كنت أشاهد مقابلة نائب رئيس الجمهورية ومما لفت نظري قوله أنه في "حوار" مع "المعارضة" حول الوضع في اليمن وبصدد "أيجاد حلول" للوضع القائم......
بعد تدهور الوضع إلى مستوى أثر على الصغير والكبير، وبعد إن وصل الناس إلى طريق مسدود يقول نائب الرئيس بأنه في "حوار"....
كل يوم يأتي بالمزيد من الويلات لجميع اليمنيين، ويزيد حياتهم تعقيداً..... ونائب الرئيس يتحدث عن "الحوار".......
إليست سماية الدي دي......