الأحد، 3 أبريل 2016

وحدة اليمن- دروس من يوغسلافيا

وحدة اليمن ودروس من يوغسلافيا

تمر اليمن اليوم بمرحلة صعبة وهامة من تاريخها، ليس فقط بسبب الحرب التي أشعلتها السعودية قبل عام عامل من اليوم والتي تسببت في خسائر بشرية فادحة إضافة بالطبع للخسائر الاقتصادية التي من الصعب تقديرها نظراً لاستمرار عمليات القصف من جهة، ونظراً لاستمرار المعارك حتى هذه اللحظة.

أهم ما يميز ما يمر به اليمن هو ما يجري من تمهيد لتقسيم اليمن على أسس دينية، باعتبار أن الفئة المسيطرة على الحكم في اليمن هي من فئة الزيود، ويتم بشكل متعمد تعميق الفجوة من خلال الحديث عن كونهم "شيعة" وبالتالي الدفع بالشوافع الذين يمثلون "السنة" نحو النزاع معهم. بالرغم من الشرخ الذي نجح السعوديون بخلقه في اليمن، إلا أنه يعتقد أن الأغلبية من اليمنيين لاتزال تؤمن بوحدة المصير دون النظر إلى الاختلاف في المذهب، كما يعتقد أيضاً أن اليمنيين لايزالون إلى حد كبير يؤمنون بوحدة بلدهم بالرغم مما أحدثه وتحدثه الحرب من شروخ في العلاقات بين الأطراف المختلفة. لاتزال صنعاء، عاصمة اليمن، تمثل الوحدة بكل أطيافها، يتعايش فيها سكان اليمن من مختلف الأطياف دون خوف، وللآن لم يحدث ما يعكر هذه الوحدة الاجتماعية، ولايزال اليمنيون في مختلف المناطق، باستثناءات قليلة، يتعايشون بعيداً عن التطرف.

عند النظر للتجربة اليوغسلافية قد نجد منها عوامل متشابهة، وأخرى مختلفة. في يوغسلافيا جرى تفكيك وحدة البلد إلى عدة دول بناء على اعتبارات طائفية دينية، واختفت تلك الدولة لتولد دويلات غير قادرة حتى الآن على الحياة في عالم مبني على التكتل. بدأت الأزمة اليوغسلافية في الواقع بأزمة اقتصادية حادة خلال الثمانينات، وفي الدولة اليوغسلافية الفيدرالية كانت جمهوريات سلوفينيا وكرواتيا أفضل حالاً من الناحية الاقتصادية، لذا بدأت بأتخاذ إجراءات لحماية نفسيهما مع نهاية الثمانينات من القرن الماضي، في ذلك الوقت تولي ميليسوفيتش السلطة في صربيا، وقد وجد ميليسوفيتش أن استخدام الوطنية الصربية مناسب للحصول على دعم الصرب، وقد وجد الكروات والسلوفان ذلك فرصة لطلب تخفيف قبضة الدولة الاتحادية اليوغسلافية. سرعان ما انتشرت عدوى الوطنية الطائفية لدى الكروات والسلوفان، بعيداً عن العامل الاقتصادي، وتحولت الأزمة إلا مطالبات بالاستقلال التام، وقد رفضت الدول الغربية استقلال جمهوريات يوغسلافيا في البداية ودعمت الاحتفاظ بدولة واحدة.

استخدم السياسيون في يوغسلافيا المشاعر الوطنية لتحقيق مكاسب سياسية، وأضافوا إليها صوراً تعد بتحقيق الرفاة في الدول التي ستنفصل. لقد كان من السهل على السياسيين رسم صور خادعة للشعوب حول المكاسب الهائلة التي يمكن تحقيقها في حال الحصول على الاستقلال من الدولة اليوغسلافية، خاصة في ضوء الازمة التي كانت تمر بها البلاد، وهكذا صوت برلمان سلوفينيا ومن بعده برلمان كرواتيا على الاستقلال، وتم تنظيم استفتاءين صوت فيهما السلوفان والكروات بأغلبية على الاستقلال عن الدولة اليوغسلافية. هذا احدث شرخاً في الدولة اليوغسلافية نمت من خلالها النغمة الوطنية الصربية، وكان من الطبيعي أن تنمو أيضا مخاوف الأقليات الصربية التي تسكن كرواتيا. في هذه الاثناء سعت البوسنة لدعم فكرة الاحتفاظ بالدولة الفيدرالية نظراً لأنها تضم الكروات والصرب إضافة للمسلمين.

نجت سلوفينيا من الحرب نتيجة لعدم وجود أقليات ونتيجة للتدخل السريع من المجتمع الدولي، أما في كرواتيا وبالرغم من أن الدول الغربية حاولت تجنب الصراع من خلال الاعتراف باستقلالها، إلا أن الاعتراف بالاستقلال كان أحد اهم الأسباب للدخول في حرب إبادة طائفية.  غرقت كرواتيا التي كان لديها أقلية صربية، ومثلها البوسنة والتي كانت تتكون من المسلمين والصرب والكروات في حرب إبادة طائفية، وذلك بعد أن أعلنت الأقليات بدورها رغبتها في الاستقلال عن الدول المستقلة.

لقد ذهبت جهود المجتمع الدولي لحفظ كيان يوغسلافيا مهب الرياح، كما فشل المجتمع الدولي في تجنيب المنطقة حرباً طائفية ستظل آثارها تنساق على أجيال كثيرة قادمة، وجعلت من الدويلات المستقلة كيانات صغيرة وهشة غير قادرة فعلياً على تحقيق أي من الرفاه الذي تم تصويره للناس كواقع.

يختلف الأمر في اليمن، فليس هناك طوائف بالمعنى الذي نجده في يوغسلافيا، إلا أن وجود المذاهب يلعب دوراً مشابها. يستخدم السياسيون في اليمن الاختلاف المذهبي كعنصر في صراعهم على تحقيق مكاسب سياسية، وقد بدأ الأمر مبكراً عندما قامت الحركة الحوثية في صعدة، بغطاء ديني، للوصول للسلطة. الحرب اليوم ليست إلا أداة مكملة يتم استغلالها أيضاً لتحقيق المكاسب وبنفس الاسلوب، التوظيف المذهبي. لن يجد السعوديون مبرراً لحربهم في اليمن، ولن يجد الحوثيون مبرراً لتوسعهم، ولن تجد الأصولية الدينية مبرراً لحربها، الجميع لا يجدون أفضل من الخطاب الديني لاستقطاب عامة الناس. تتفق أطراف الصراع في اليمن على تصوير الحرب بوصفها صراع بين  "الزيود" و "السنة". يخاطبنا الاعلام اليوم بأن إيران "الشيعية" على وشك الاستيلاء على اليمن عبر الحوثيين، ويحقق مروجو هذا الخطاب هدفين في نفس الوقت، الأول إثارة مشاعر الاستعداء ضد إيران بناء على أسس دينية أو طائفية، وبذلك يستطيعون استقطاب السنة ليس في اليمن فحسب، بل في السعودية وغيرها من الدول التي تتخذ مذاهب سنية، ويجدون بذلك وقوداً لحربهم، أما الهدف الثاني فهو تسويق الحرب في العالم الغربي وإظهار أن السعودية تعمل على تحجيم التوسع الإيراني، خاصة بعد  توقيع إيران للاتفاق النووي. هنا نجد البعد الإقليمي للحرب في اليمن.

ذاكرة العامة قصيرة، فسرعان ما تنسى الأحداث ويستغل السياسيون هذا الأمر فيرجون لمشاريعهم، ومع أن الصورة تتضح يوماً بعد يوم، وتنكشف عورات السياسيين، تستمر اللعبة، ويظهر الدين كمطية سهلة الركوب. بالأمس كان الإصلاحيون يكفرون الاشتراكية، تحالفوا مع صالح "المؤمن حينها" ضد كفر الاشتراكيين، ثم ما لبث الاصلاح والاشتراكي أن تحالفوا ضد صالح، حارب قادة الإصلاح الحوثيين ثم رحبوا بهم في 2011 في حربهم ضد صالح، دعت السعودية لمحاربة "الرافضة المجوس" في اليمن ثم ما لبثت أن استقبلت الحوثيين وتباحثت معهم، بالرغم من أنهم مازالوا هم انفسهم لم يتغير في عقائدهم شيء.

في اليمن يبدو التسويق لإنفصال الجنوب على أشده. فيجري الحديث عن انفصال الجنوب وانفصال مناطق الشوافع، بنفس الطريقة التي جرى فيها التسويق للنغمات الوطنية في كرواتيا وسلوفينيا. يسعى السياسيون إلى استغلال الأزمة التي تمر بها البلاد لخداع الناس من خلال تصوير المستقبل الوردي في حال تم الانفصال. يجري الحديث عن الثروة الهائلة التي يمتلكها الجنوب، ويجري الحديث عن "التسلط الاقتصادي" للشمال تارة والزيود تارة أخرى. يجري الحديث عن الفساد الذي يقوده "الشماليون" "الزيود" ، كما يجري بالطبع الحديث عن استغلال "الشماليين" للسلطة وفشلهم في تقديم نموذج تنموي ناجح. إذن فالحل "من وجهة نظر السياسيين الذي يستغلون هذا الوضع لتحقيق مصالحهم الذاتية" هو "استقلال الجنوب" وفي أحسن الظروف "استقلال الشوافع".

الصراع العسكري الحالي يتم استغلاله لزيادة المسافة الفاصلة بين مختلف فئات المجتمع اليمني. القتل الذي يحدث في تعز يسوق له بصفته من مصدر واحد، وهو الحوثيين "الرافضة"، كما يجري التسويق للقتل الذي تقوم به الطائرات السعودية بصفتها آلة الموت السنية. مع ذلك فلم تتمكن تلك الشروخ من فت عضد المجتمع اليمني بعد.

بحسب القانون الدولي فإنه لا مسوغ لتقسيم اليمن أو الدعوة لذلك، ولا شك أن تجربة المجتمع الدولي في يوغسلافيا حاضرة، فالتقسيم لا يعني أبداً تجاوز الصراعات. إذن فإنه يبدو أن العالم لا يزال متمسكاً بوحدة اليمن، ولو مؤقتاً، إلا ما نشر عن إعادة ترتيب الشرق الأوسط. السعودية ودول الخليج ليس لها مصلحة في تقسيم اليمن، بل إن تقسيم اليمن لن يكون بمعزل عن تبعات على تلك الدول، فلو تم على أسس مذهبية، وهو الأرجح، فستكون السعودية أولى الدول التي سيلحقها هذا المرض من خلال استقلال المناطق الشرقية والجنوبية ذات الأغلبية الشيعية، وهذه المرة نتحدث عن طائفة شيعية أكثر قرباً وتوافقاً مع إيران، كما ستلحق بها البحرين والكويت التي بها طوائف شيعية كبيرة.

استمرار اليمن كبلد موحد لن ينجح بدولة الأقاليم التي يروج لها، فاليمن بإمكانياتها المادية والبشرية والتنظيمية لا تملك أدنى مقومات النجاح لهذا النموذج المركب، الارجح أن وجود دولة تمتلك الحد الأدنى من النظام المحكم يمكن أن يخرج اليمن من أزمتها. المشكلة هو كيفية الوصول لذلك بعد أن دارت عجلة الصراعات الداخلية بدعم خارجي. إن استمرار الإحتراب الداخلي سيؤدي حتماً إلى تأجيج المشاعر لدى الجماهير، وبالطبع سيكون البعد الديني الطائفي هو المطية التي سيركبها أمراء الحرب، فهل تنجو اليمن منه؟