الثلاثاء، 16 أبريل 2019

الرجولة، عندما ضاعت


الرجولة، عندما ضاعت

1 إبريل 2019

كلمة الرجولة ترتبط في لغتنا العربية بالرجل، وتأتي صفة الذكورة مرتبطة بالرجولة، والرجولة منسوبة للذكر البالغ، لكن المعاني المرتبطة بالرجولة تتعدى المفهوم العضوي، وبحسب بعض الآراء ترجع كلمة “رجل” في اللسان العربي إلى "الترجل" أي المشي على القدمين دونما استعانة بآلة كدابة أو سيارة أو غيرهما، ومن ذلك يأتي مفهوم الاعتماد على النفس في الوصول إلى الغاية المطلوبة والهدف المقصود مرادفاً للرجولة.

في القرآن الكريم ذكرت ا لرجولة في مواقع متعددة منها بمعنى الجنس المقابل للأنثى في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء ......"، وجاء ذكر الرجولة في مقام الانسان الفاضل في قوله "لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ"، وقد ذكر نور الغزالي أن الرجولة جاءت في القرآن مرادفة لست صفات هي المسئولية (في قوله تعالى "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ......" )، التطهر والتزكي (في قوله تعالى "لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ" )، الجدية والتعالي عن صغائر النفس (في قوله تعالى "رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ ..... )، الوفاء والصدق والثبات (في قوله تعالى "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً")، القوة والتوكل (في قوله تعالى "قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ ........" )، والإيجابية والفاعلية ( في قوله تعالى " وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ" ). ويأتي المصطلح المقابل للرجولة في اللغة الانجليزية بمعنى المهارة، ويعرف بأنه الرجل بأفضل صفاته، يحارب من أجل الحياة الفاضلة، والأخلاق، والشرف، والعزة، وبدوره كرجل سواء كأب أو كزوج أو كصديق أو كمواطن.

لقد عَرف المجتمع الانساني الانسان الذي يتسم ببعض الصفات الإيجابية المذكورة آنفاً بأنه يتصف بالرجولة، فالرجولة تشمل الذكر والأنثى، لأنها ليست مقتصرة على المعنى العضوي فحسب كما رأينا. والرجولة من الصفات الإيجابية المطلوبة في المجتمع وغيابها يعني خسارة كبيرة للمجتمع، فلماذا تغيب الرجولة عن بعض المجتمعات، ولماذا تدارت الرجولة في المجتمع اليمني؟

ترتبط الرجولة ببعض القيم الانسانية الاساسية الفاضلة، وتخلي المجتمع عن تلك القيم يعني تخليه عن الرجولة، ولعل الصدق أولى تلك القيم، فالإنسان الكاذب ولا شك يخفي في نفسه قدراً من الخوف والنفاق حيث يجبن عن مواجهة الواقع، فالكاذب ولا شك ناقص الرجولة. قيمة الصدق من القيم التي لا تؤخذ على محمل الجد في المجتمع اليمني، بل إن البعض يعتبر استخدام المداهنة والكذب وسيلة مشروعة لتحقيق المكاسب، ويسوغ آخرون اللجوء للكذب لتجنب ضرر بصفته أمراً مشروعاً. لا يعني ذلك أن المجتمع لا يثمن قيمة الصدق، إلا أنه نادراً ما يعاقب الكاذب. إن فقدان صفة الصدق في رأيي هو العنصر الأكثر تأثيراً فيما يصيب الإنسان من فقدان بقية صفات الرجولة.

 ساعد التماهي في الالتزام بالصدق كقيمة فردية على اتخاذ الكذب كوسيلة لتجنب الأسوأ، فأتجه الأفراد إلى استخدامه وتحول "الهروب من المواجهة" إلى قيمه فردية ومجتمعية. إضافة لذلك أصبح لدى الفرد اليمني اتجاه لتكذيب عقله الذي ينبهه إلى وجود خطر ما، وتحول ذلك إلى نوع من الاستكانة للواقع. نظراً لاستخدامه الكذب وتكذيبه لنفسه، كون اليمني موقفاً سلبياً مما يحدث، وكلما زادت الأمور تعقيداً، كلما وجد اليمني وسيلة لترحيل مشاكله إلى المستقبل.

إن قيم الفرد والمجتمع هي نتاج عن خليط من التجارب الإنسانية، وأن ما يمر به الانسان اليمني ليس جديداً، بل هو ناتج لفترات طويلة، وليس وليد الظروف الحالية، بل هي نتيجة لتاريخ طويل. مع ذلك لا بد من القول إن للتجارب الأخيرة أثر كبير. و إذا ما ركزنا على السنوات الثمان الأخيرة التي كانت حافلة سنرى أنها بدأت بحراك فتح آفاق لتغيير المجتمع، وليس السلطة فحسب. عندها كان الفرد اليمني يقف حائراً، ليس لأنه لا يريد تغيير النظام القائم، بل لأنه أدرك مبكراً الصراع القائم بداخله. كان اليمني يدرك في باطنه أنه أحد عناصر المشكلة. كان يريد التغيير في الوقت الذي كان يخافه. كان يخاف التغيير بنفس القدر الذي يخاف مواجهة نفسه وتحمل المسئولية، لذا فقد فشل الفرد في اتخاذ أي موقف، ساعده في ذلك الأحداث، فترك الأمور تسير كيفما تشاء، لتصبح في يد الأكثر جرأة وبطشاً.

عندما اختار الفرد اليمني أن يكون معارضاً في 2011، كان يؤمن بقدرته على هزيمة الآخر، لكنه كان أقل ثقة بقدرته على هزيمة نفسه. وعندما أدرك أن النتائج كانت مخيبة وأنه مسئول عنها، أبى ان يعترف، وألقى باللائمة على الآخر. ويستمر هذا الصراع، ويستمر اليمني في البحث عمن ينقذه من هذا الصراع، ويتعلق بقشة جرته إلى مستقبل مجهول.

تمادى الفرد اليمني التماهي مع قيمة الصدق، وبالغ في عدم تصديق نفسه، ورأى في الاستكانة والخوف من المجهول مبرراً لكل ذلك. استهلك اليمني ثروته واستهلك نفسه، ثم ترك نفسه نهباً للاتكال والمساعدات. الأسوأ من ذلك وجود "قناعة" شبه نهائية لدى الفرد اليمني تقول ألا شيء بيده، وانما هي بيد آخرين غيره. ويزيد البعض على ذلك باعتبار ألا شيء بيد الإنسان، مستخدمين "شماعة القدر" للهروب كلياً من الواقع، بدلاً من مواجهته. يتمادون في "طلب العون الإلهي"، معلنين وصولهم لمرحلة العجز الكامل، بعيداً كل البعد معاني الرجولة الإنسانية.