السبت، 21 مايو 2011

البلاطجة

منذ بداية "الثورة الشبابية" التي سرعان ما تحولت لأزمة ستكمل عما قريب شهرها الرابع ظهرت العديد من الأمور التي لم نألفها، ولم نسمع بها كيمنيين، بل أزعم أن بعض تلك الأمور هزت ما نؤمن به من عادات وتقاليد وموروثات، لا شك أن بعضها كامن في نفوسنا، وربما لآلاف السنين ظل ضمن مكونات الشخصية اليمنية.
فجأة تنهار كل أسوار المحضور في هذا البلد، فجأة تتحول الكلمة التي كانت "مقدسة" إلى مجرد حروف تجتمع، وفجأة نجد من لا يبالي بما يقوله، أو لعله يقصد ما يقوله، وتلك طامة كبرى.  طالعتنا الصحف والمجلات بل والفضائيات على الهواء مباشرة بألوان من الكلام لم نألفها.  أصبحت لغة السب والشتم والقذف هي السائدة، وبدا أن "إسهالاً" قد أصاب الأفواه، إن لم أقل "العقول".  كثر الكلام دون طائل، وكأن كثرة الكلام وبذاءته أصبحت أسلوباً لتحقيق "النصر"...... وحتى حادثة قطع اللسان المشؤومة، والتي لا أعتقد أن هناك بشر على وجه هذه الأرض لا يشمئز منها، يبدو أنها لم تؤثر... بل زادت المرض حدة....
مما طالعتنا به صحافتنا وأعلامينا وغيرهم كلمة بلاطجة... كلمة أتت نقلاً عن اللفظ المصري "بلطجية".  ألصقت هذه الصفة بعدد من الرجال الذين أستقدمهم النظام لإحتلال ميدان التحرير.. استباقاً لما خطط له أحزاب اللقاء المشترك من الإعتصام فيه على غرار ما حدث في ميدان التحرير بالقاهرة.  الغريب أن هؤلاء ظلوا، وما زالوا يحملون عصيهم (صمولهم) حتى اليوم بالرغم من أنهم لم يقوموا فعلياً باستخدامها....
إذن هي جماعات "مأجورة" الهدف منها التخويف لمنع الآخر من التقدم... في مصر، وبعد فشل الأمن في تحقيق شيء، استخدم النظام عدد هائل من هؤلاء للإعتداء على المعتصمين في ميدان التحرير.... لقد فشل النظام المصري أيضاً في الإستفادة من هؤلاء لتحقيق أغراضه.  في اليمن قيل أن عدد من المأجورين أعتدى على بعض طلاب جامعة صنعاء ممن بدأوا بحركة الأحتجاج، وكانت تلك أيضاً آخر مرة سمعنا فيها عن قيام هؤلاء بأي نشاط، بالرغم من تواجدهم في عدة مناطق في العاصمة.
بلاطجة، كلمة بنكهة يمنية، ألصقت بهذه المجموعات والتي معضمها من رجال القبائل المسنين.  هؤلاء ليست لديهم البنية لفعل الكثير لكنهم ظلوا يمثلون عنصراً هاماً في الصراع.
اليوم سمعنا أن عدداً من طلاب جامعة الحديدة فشلوا في "ايقاف الدراسة" في الجامعة بعد تدخل الأمن، وبالأمس كنت مع أحد طلاب جامعة صنعاء.  صديقي كان يشكو حاله، فها قد مرت ثلاثة شهور من شهور الفصل الأربعة دون أن تستأنف الدراسة.  السبب كما قيل هو تهديد ووعيد من "المعتصمين" في حال استئناف الدراسة بالجامعة.  إذن ذهب نصف عام دراسي لأكثر من عشرين ألف من طلاب الجامعة سدى.  سألت صديقي لماذا لا يحاولون عمل شيء، مثل الأحتجاج، قال أن أحداً لم يفكر في ذلك.  جهود إدارة الجامعة لأستئناف الدراسة فشلت وفضلت ايقاف الدراسة على المواجهة.
إذن هؤلاء الشباب "الثائر" قرروا منع وتعطيل الدراسة، وقرروا أن "ثورتهم" أكثر أهمية من أن يعارضهم فيها أحد.  هؤلاء لم يكتفوا بذلك بل "فرضوا" بالقوة إغلاق الجامعة، ومنعوا الطلاب والمدرسين من ممارسة مهامهم، ولأكثر من ثلاثة شهور.
ترى من له حق الإعتداء على حرية الآخرين بالقوة؟
البلاطجة.... هذا مصطلح بنكهة يمنية... وللأسف .....

الجمعة، 6 مايو 2011

الثورة الأخلاقية

طالما سمعنا، وقرأنا في الكتب عن الأخلاق العربية الأصيلة، وطالما أفتخرنا بالخصال التي يحملها العربي كجزء لا يتجزأ منه، من الكرم إلى الفخر بالنسب والأصل والعشيرة، إلى العدل وإغاثة الملهوف ومحاربة الظلم والظالمين.  صفات طالما طالعتنا في قصص التاريخ، وخصال طالما حلمنا بأن تكون معنا دوماً.

عندما يتطلع العربي لواقعه، فإنه يصاب بخيبة أمل.  تلك الصفات العربية الأصيلة تضمحل فلا يكاد يتبينها.  هأنت تسافر في البلاد طولاً وعرضاً فلا تسمع ما درج عليه العرب من دعوة للغريب وإكرامه، ولو على سبيل المجاملة، وهأنت ترى العرب يفقدون إعتزازهم بأنفسهم ويسعون نحو مصالحهم، هأنت ترى الظلم يطغى وترى أن دور "القبيلة" يقتصر على المقتدر أما الفقير فلا حياة له.  هأنت ترى الغدر والخيانة ظاهرتين تطغيان على غيرهما في سعى الناس للكسب، وهأنت ترى التنافس المحموم بين الأخوة يسوغ كل شيء....
فماذا بقي من الأخلاق العربية غير ما في قصص التاريخ؟

عندما بدأت حركة الشباب في اليمن كنا نعرف ما نحن بحاجة إليه، التغيير.  تلك الكلمة السحرية التي جرت وراءها عشرات الآلاف من الناس.  نعم فاليمنيين بحاجة لتغيير واقعهم الذي خرج عن المألوف فضاعت القيم والأخلاق في خضم التسابق نحو المصالح والصراع المحموم على المال.  التغيير مطلوب للخروج من نفق مظلم لا يمكن أن يبقى فيه اليمنيون إلى الأبد.

أكتسبت الدعوة للتغيير، والثورة ضد الواقع تعاطفاً ودعماً شعبياً كبيراً ومتعاظماً في بدء المرحلة، بحيث طغى على بقية الأصوات، وبالرغم من عدم وضوح ماهية التغيير المطلوب، فإن الدعوة كانت مبررة لدى العامة والخاصة الذين لم يروا في إستمرار الوضع القائم بديلاً مقبولاً.

توالت التطورات وتسارعت لتقسم الشارع اليمني، فبالرغم من أن "التغيير" مازال قاسماً مشتركاً يمثل مطلباً لمعظم اليمنيين، فإن "الثورة" فقدت زمام المبادرة بعد إنقسام الشارع إلى مؤيد للثورة ومعارض لها.  لماذا فقدت الثورة زخمها، وما الذي أفقد "التغيير" بريقه؟

بدأت الحكاية بإنضمام أحزاب المعارضة للشباب وأستحواذهم على "الثورة"، وأحزاب المعارضة تلك هي نفسها التي عملت مع نظام الرئيس صالح وخاضت الأنتخابات وأعترفت بالنتائج، وهي نفسها التي دعمت تعديل الدستور والتمديد لمجلس النواب والتمديد للرئيس، وهي نفسها التي خاضت صراع 1994م، وقادتها هم نفس القادة وبنفس الفكر، أحزاب أيديلوجية ودينية مذهبية قريبة من الحكم إن لم تكن فعلاً قد مارسته لعقود.

السبب الثاني هو إلتحاق عدد من قادة نظام الرئيس صالح "للثورة"، وأولئك ممن يشهد لهم بالفساد، ثم إنقسام فرقة من الجيش اليمني وإعلان دعمها "للثورة"، هؤلاء الثوار الجدد ينضمون إلى قائمة قادة حركة التغيير.

السبب الثالث هو تسارع  "الأخطاء" سواء على مستوى قادة "الثورة" من شباب وأحزاب اللقاء المشترك أو على مستوى عدد من المتحمسين للثورة.  دعوات محمومة لم تلتزم بأدنى قدر السلوك الحكيم أطلقها قادة "الثورة"، فمن الدخول لغرف النوم، إلى التقليل من شأن فئات واسعة من الشعب اليمني الذين مازال يطلق عليهم "البلاطجة"، إلى ترهيب الناس عبر محاولة فرض الإضراب، إلى حشد الأطفال، إلى الإعتداء على النساء والشيوخ بحجة أنهم مؤيدين للنظام، وأخيراً قطع الألسنة.

لا أتذكر أني سمعت بجريمة مثل هذه بأستثناء قصص تحكى عن الزمان الغابر، أو ما يشاع عن قيام بعض الأنظمة البوليسية بهذه الجريمة.  قصص الزمان الجاهلي أو غيره.

لقد تمكن قادة "الثورة" وعدد من مؤيديها من تجريدها من المقومات الأخلاقية، وقد بدأ الأمر عبر الترحيب بأئمة الفساد في صفوف الثورة.  كيف لثورة أن تتخلى عن المبادئ الأخلاقية لقيامها؟...

قد نكون بحاجة لثورة سياسية في اليمن، لكننا بدون أدنى شك في حاجة ملحة لثورة أخلاقية، ثورة لأستعادة القيم الأنسانية لتكون أساس حياتنا.  بدون تلك الثورة فإن أي أصلاح سياسي لن يكون سوى ذر للرماد على العيون، وكعجوز تضع المساحيق على وجهها وترى أن ذلك كاف لجذب أرباب الهوى....

صورة من ساحة التغيير بصنعاء، بين الدعوة للحرية ورموز الأستبداد
الشاعر وليد الرميشي في المستشفى بعد قطع لسانه

الأحد، 1 مايو 2011

تأملات

عندما بدأت الأزمة في اليمن قبل حوالي ثلاثة شهور سارع العديد من الناس لتجهيز أنفسهم لما هو أسوأ.  بعض الناس جهزوا أنفسهم بمخزون من الغذاء والوقود، والكثير جهزوا أسلحتهم الشخصية، والبعض قرروا مغادرة صنعاء حتى تنجلي الأزمة.
في الأيام الأولى للأزمة خلت الشوارع من الناس إلا من أضطر للخروج، مع آثروا عدم الخروج خاصة في المساء، بل إن نسبة حضور الطلاب للمدارس تأثرت بشكل كبير.
الشركات والمحلات قامت بأخذ إحتياطاتها فقللت ساعات الدوام، ووضعت حماية خاصة على المقار والمخازن.  الشركات الكبيرة رحلت موظفيها أو اعطتهم أجازة مفتوحة.
كل تلك الأمور أنذرت بتوقف الحياة وحدوث أزمة كبيرة على مستوى التموين الغذائي.  مرت الأيام ومازالت الأزمة مستمرة، ظهرت العديد من الأمور:
- قامت الحكومة بتقليل التواجد الأمني داخل العاصمة، وحتى رجال المرور أصبح تواجدهم قليل.
- المظاهرات المتوقعة وعمليات التخريب لم تحدث أبداً بالرغم من التواجد الأمني الضعيف.
- ما أشيع عن "حشود" من القبائل والمرتزقة ظل في خانة الإشاعة.

بعد حوالي ثلاثة شهور تعود الناس على الوضع القائم.  رجعت الشوارع تزخر بروادها، وعاودت المحلات فتح أبوابها لساعات طوال، ربما أملاً في التخفيف من أثر إنخفاض الطلب بشكل عام.  مازال الغذاء وغيره من الأحتياجات الأساسية متوفرة في الأسواق بشكل طبيعي، كما أن الأسعار لم ترتفع مثلما كان متوقعاً.....

يلاحظ إستمرار النشاط الأقتصادي بشكل غير متوقع في صنعاء وأحد مظاهر هذا النشاط هو إستمرار حركة البناء، ولا شك أن أحد الأسباب هو تخفيف الحكومة للقيود المفروضة وعدم الحاجة للترخيص للبناء.  كذلك فإن تواجد المعتصمين في الجامعة والتحرير وغيرها من الأماكن ساعد في إستمرار تشغيل العديد من المطاعم ومقدمي الخدمات الأخرى.

بدأت أزمة تموين الغاز المنزلي، وهي أكبر أثر ملموس لهذه الأزمة حتى الآن.  تم تقنين توزيع الغاز ولكن الأزمة أستمرت تمثل هماً للمواطن العادي.

إستمر إذن سير الحياة بشكل مقبول في صنعاء برغم طول مدة الأزمة، وبالرغم من حدوث إنقطاعات متزايدة في الكهرباء فذلك مما إعتاد عليه سكان المدينة.  أستمر كذلك تقدم الخدمات العامة والخاصة وعاد الأطفال لمدارسهم حيث لم تؤثر الدعوات للإضراب عليهم بإستثناء طلاب جامعة صنعاء.

الغريب أيضاً ما طرأ من تحسن على الريال بعد أن أنخفضت قيمته بنسبة 10% في بداية الأزمة، ليعود فيحقق مكاسب....

الطارئ الجديد هو وجود أزمة في الوقود من البنزين والديزل...

تستمر الأزمة في اليمن، ويستطيع اليمنيون إثبات قدرتهم على تنظيم حياتهم حتى في ظل هذه الظروف العصيبة، هنا أتذكر صديق لي كان في القاهرة في بداية ثورة 25 يناير وحديثة عن عدم توفر المواد الغذائية في الأسبوع الأول من الأزمة......