الخميس، 24 مارس 2022

قراءة في راواية رحلة الدم

 

30-6-2020

هذه القراءة هي لرواية إبراهيم عيسى المسماة رحلة الدم والتي نشرت في عام 2016 عن دار الكرمة للنشر، الرواية جذبت انتباه الكثيرين، وهاجمها كثير من مشائخ الدين الإسلامي لأنها أعطت صورة غير مثالية عن صحابة النبي محمد صلى الله علي وسلم، واعتبر هؤلاء أن الكاتب قد أخطأ بتصوير عدد من الشخصيات واعتمد على مراجع غير دقيقة حول الاحداث، والمحصلة أن الشخصيات جردت من القيم النبيلة التي يفترض أن يتمتع بها صحابة النبي الكريم.

إن الانتقادات التي وجهت للرواية والاهتمام الكبير الذي لاقته هي مؤشر فعلي على نجاح هذا العمل الفني، وأقول عنه عملاً فنياً لأنه ليس إلا حبكة قصصية من خيال الكاتب، ولا شك ان الكثيرين قد أخطأوا قراءة التنوية الذي ورد في بداية الكتاب والذي يقول فيه الكاتب أنه استند على ما اسماه مراجع تاريخية، ومجرد الاستناد على مراجع في سرد القصة لا يعني أنها عمل تاريخي، بل عمل ادبي، حيث خلت القصة من الإشارة إلى أي مراجع في سرد الاحداث. كذلك فإن الكاتب ولا شك قد استعان بخياله في تصميم الشخصيات ووصفها، وتكييف الاحداث وسردها لخدمة هذا العمل الادبي. إذن فليس من المجدي النظر للعمل بصفته عملاً تاريخياً، ولا يجوز الرجوع إليه كمصدر تاريخي بأي حال من الأحوال.

تظهر الرواية بلغة بسيطة وسلسلة تناسب هذا العصر، والسرد بأسلوب قصصي ممتع يجذب القارئ. هذه الميزة تمثل في نفس الوقت عيباً، حيث أن تجسيد الشخصيات في الحوار جاء باهتاً وباستخدام لغة معاصرة تبعد القارئ عن السياق التاريخي الذي يبعد أربعة عشر قرناً، ويجعل القارئ يتساءل عن الكاتب نفسه. في محصلة الأمر فإن سهولة اللغة هي أحد عناصر الجذب الرئيسية إذا لم ينظر لها على أنها فقراً في اللغة.

يعتمد الكاتب على شخصية رئيسية غامضة، وهي عبدالرحمن بن ملجم، حافظ القرآن، ومن خلاله تدور الاحداث في فترة الثورة على الخليفة عثمان بن عفان، رضي الله عنه. يتعرض القارئ للصدمة عند التعرف على الشخصيات التي لعبت دوراً محورياً في القصة وفي الخروج على الخليفة عثمان ثم مقتله، حيث يظهر عدد من الصحابة مثل عبدالرحمن بن عديس وغيره من الشخصيات جلها من حفظة القرآن الكريم، إضافة لشخصية محمد بن أبي بكر ومحمد بن حذيفة وقد لعبا دوراً كبيراً في  الثورة على عثمان طمعاً منهما في الحصول على مكاسب شخصية. يظهر الكاتب أيضاً شخصية علي بن أبي طالب رضي الله عنه شخصية غامضة إلى حد كبير في موقفه من عثمان، وبالرغم من أنه برأه من لعب أي دور في مقتل عثمان، إلا أنه يترك القارئ محتاراً "هل قام علي بما يجب لحماية عثمان؟ وهل وصل علي لقناعة أنه أحق بالخلافة من عثمان؟" لا شك أن رسم الشخصيات بهذا الشكل قد اخرجها من إطار القدسية والتنزيه التي دائماً ما تظهر به أمام عامة المسلمين.

هل قصد الكاتب الإساءة لهذه الشخصيات، أم كان يحاول صياغة عمله الفني، ومن خلال هذا العمل كان لا بد من رسم الشخصيات التي أدارة جريمة قتل عثمان وأظهار الجوانب الإنسانية متجردة. لعل ما يميز هذا العمل في المحصلة أنه يحاول تفسير التاريخ من خلال أحداث يربطها بالشخوص الذين لهم دوافع إنسانية معينة.

أنصح لكل مهتم قراءة هذا العمل الأدبي المتميز، والذي ولا شك يجعلنا نفكر بعمق ليس فقط في التاريخ القديم، بل وفي تاريخنا المعاصر وفي المستقبل.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق