الخميس، 24 مارس 2022

الاصلاح، بحاجة لاصلاح - الجزء الأول

 الاصلاح ربما يكون الحزب اليمني الاهم في هذه المرحلة،  فهو الحزب الايديولوجي الوحيد بعد انهيار الحزب الاشتراكي اليمني عند انهيار المنظومة الشيوعية حيث فشل في المحافظة على السلطة بعد انخراطه في مشروع الوحدة. الاصلاح هو الحزب اليمني الاكثر تنظيماً، والاكثر تأثيراً، وحضورا في السلطة،  حيث كان حاضراً قبل ان يتحول رسميأ الى حزب سياسي.

نشأ حزب الإصلاح عام ١٩٩٠، لكن جذوره ممتدة للستينيات حيث لعب "الاسلاميون" دوراً مهما في التأثير على مجريات الاحداث، فضغطوا مثلا للتخلص من الرئيس الارياني لانهم رأوا انه "متساهل مع الشيوعيين"، ولا شك ان لهم دوراً بالاطاحة بالحمدي الذي يبدو أنه حاول تجاوزهم. الرئيس صالح أعطى الاسلاميين مجالاً واسعاً للعمل،  فكانوا بالفعل شركاء في السلطة، حيث عملوا على توجيه التعليم، وكان الأمن بيدهم، وكذلك كان لهم الأثر الاكبر على التشريع، كما كانت لهم حرية العمل في تعبئة الناس عقائدياً، وتكوين قاعدة واسعة من المناصرين.

عندما تحول الاصلاح بشكل رسمي الى حزب سياسي، عند قيام الجمهورية اليمنية، فتح المجال بشكل اكبر للحزب لتطوير نفسه. خرج الاصلاح من عباءة المؤتمر،  ثم عاد فتحالف معه، ليلعب نفس الدور الذي لعبه قبل الوحدة، شريك في الحكم، لكن طموحات قادة الحزب كانت تنمو مع الزمن،  وبعد وفاة الشيخ الأحمر المؤسس يبدو ان القادة الجدد قرروا انهم يريدون رأس السلطة نفسها، متجاوزين بذلك حليفهم التقليدي.

في بحث ممول أمريكياً حول السلطة في اليمن تم اعداده في قبل 2010 ذكر الباحثون انه على الرغم من القدرات التنظيمية العالية للحزب، والتي تعتبر الافضل بين الاحزاب اليمنية، الا انه حزب تعود على العمل في الظل، واستبعدوا ان يتمكن من إدارة السلطة بشكل منفرد، ويبدو أنهم بذلك قد أصابوا كبد الحقيقة بعد تجربة الحزب الفاشلة في السلطة منذ العام 2012.  

في محاولاته للوصول لرأس السلطة تحالف الاصلاح مع خصومه التقليديين، متجاوزاً الجوانب الايديولوجية التي قام عليها، وكان تحالفه مع الاشتراكي والاحزاب القومية يتعارض مع مبادئه، لكن يبدو ان "المصلحة" دفعته لتكوين تكتل أحزاب اللقاء المشترك في مواجهة حزب المؤتمر، وكان وقتها قد قرر ان يخرج نهائياً من عباءة المؤتمر.

رأى الاصلاح،  كغيره من الاحزاب الإسلامية في دول عربية أخرى، الفرصة سانحة للوصول إلى السلطة إبان احداث ٢٠١١، فأنتقل فوراً للمقدمة لقيادة الاحداث، ويبدو ان قادة الاصلاح كانوا يؤمنون بشكل مطلق بقدرتهم على الانتصار، وتوجيه الامور لصالحهم، لذلك لم يجدوا حرجاً في الخروج على المألوف، ف "الثورة" بالنسبة لهم لا بد ان تنجح مهما كلف الامر، وجاء تحالفهم مع (الشيطان) سهلاً ومبررا، متجاوزين بذلك عقبة الاختلاف العقائدي، وتاريخاً من الصراع، واحداثأً لم تبرد نارها. كان الاصلاح يمتلك تمثيلا كبيراً في البرلمان، ويسيطر على أحد اهم أجهزة المخابرات، الأمن السياسي، كما كان متحكماً بجزء مهم من الجيش اليمني بقيادة على محسن، ولكن ذلك لم يكن كافياً! 

تحالف الاصلاح مع الحوثي للإطاحة بصالح، وقد استخدم الاصلاح كل ما في وسعه للوصول للسلطة، وتنكر لأسس العمل السياسي، بما في ذلك دستور الجمهورية اليمنية الذي كان أحد واضعيه، وقد رفض الاصلاح الحوار مع الرئيس صالح لأن طموحاته كانت أكبر من ان يستوعبها صالح، ولم يجد الاصلاح غضاضة في استدعاء التدخل الدولي.

كانت نشوة انتصار الاصلاح تمنعه من رؤية الامور على حقيقتها،  فقد حصل على ٥٠% من الحكومة وفقاً للمبادرة الخليجية، لكن الاهم انه كان يرى ان قدرته على التأثير على الرئيس (الضعيف) هادي ستمكنه من استكمال انتصاره. خلال شهور عمل الاصلاح بكل جد للسيطرة على الدولة بتوظيف عشرات الالاف من أنصاره، وكان يعتقد ان ذلك سيمكنه من تحقيق النصر الكامل، او لنقل السيطرة الكاملة. سرعان ما ظهر فشل الاصلاح في إدارة الدولة حتى مع سيطرته على رئاسة الوزراء ومؤسسة الرئاسة! 

في الفترة التي أمسك الاصلاح بها مقاليد الأمور وفقاً للتسوية السياسية التي تمت عام 2011، وبينما كان الحوثيون ينقلبون على السلطة في صعدة ويتجهون جنوباً، كان الاصلاح مشغولاً بشريكه اللدود في السلطة، المؤتمر. واصل الاصلاح تحالفه مع الحوثي اثناء الحوار الوطني، بصفة الحوثي من "القوى الثورية"، وذلك برغم ما كان يقوم به الحوثي حينها من مهاجمة قواعد الاصلاح في حرب مفتوحة، بدأت في صعدة ولم تنته في صنعاء. واصل الاصلاح سعيه لاستخدام القوى الدولية للضغط على صالح متناسياً ما عداه ايماناً منه أن صالح هو من يمتلك مقاليد الامور.

استمر الاصلاح في مهادنة الحوثي رسمياً، ولم يعلن الحرب عليه، بالرغم من انه يمتلك نصف الحكومة ويسيطر بشكل شبه كامل على قرار الرئيس هادي. عندما حاصر الحوثي صنعاء كانت مقاومة الاصلاح شكلية، واقتصرت على تغطية مكنت القيادي العسكري الاصلاحي علي محسن، الذي يشغل الآن منصب نائب الرئيس، من الهروب واللجوء الى السعودية. 

بعد ان تمكن الحوثي من السيطرة على صنعاء، استمر الاصلاح بالمداهنة، واقتصرت المقاومة على أماكن محددة، مأرب وتعز. فيما يبدو ان الاصلاح "يحتفظ بقوته" الى زمن قادم، ويذكرني ذلك بقول الشاعر أحمد مطر "أصقل سيفك يا عباس"....

وللحديث بقية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق